الأنفاق.. معضلة تهدد مستقبل الحروب في الشرق الأوسط
ناشونال إنتريست – التقرير
على الرغم من أن معركة تحرير الموصل من داعش لازالت في مراحلها الأولى، إلا أنها كشفت عن العديد من المعضلات التكتيكية والتى سيكون لها عواقب كبيرة على مستقبل المعارك العسكرية في الشرق الأوسط؛ ففى الشهر الماضى أسفر استخدام داعش لطائرة بدون طيار عن مقتل اثنين من الأكراد المشاركين ضمن الجيش العراقي في المعركة، وعلى الرغم من أن محاولات نشر العبوات الناسفة كانت أقل نجاحًا؛ إلا أن قائد القوات الأمريكية في العراق ستيفن تاونسيند، اعترف أن قدرتهم مثلت مشكلة شائكة للغاية، وأنهم يتوقعون رؤية المزيد من ذلك.
في الوقت ذاته، فإن القوات التي تحرر القرى حول مدينة الموصل اكتشفت ما وصفته القوات الأمريكية بـ”نظام أنفاق واسع”؛ حيث أن أطولهم – وفقًا للقادة في العراق- تمتد لسته أميال، وقال قائد للقوات الخاصة العراقية إنهم يحاربون في مدينتين؛ إحداهما فوق الأرض والأخرى تحت الأرض حيث يختبئ الإرهابيون، وتعتبر هذه الأنفاق مجهزة لتشغيل الكهرباء وتحتوى على مواد غذائية، ومن خلالها يتم نقل الإمدادات والمقاتلين إلى أرض المعركة، وبالنظر إلى أن داعش استغرقت سنتين في الحفر أسفل منطقة الموصل؛ فمن المحتمل أن هناك متاهات أخرى متواجدة في الحصن الخاص بداعش.
ولا تعتبر داعش أول جماعة إرهابية تستخدم هذا الأسلوب المتباين؛ ففى عام 2006 استخدم حزب الله حوالي ثلاث طائرات بدون طيار على إسرائيل، وكانت كل منهم بحمولة لا تقل عن 22 رطلًا من المتفجرات معبأة بمواد لزيادة قدرتها، وخلال 2014 في عملية “الحافة الواقية” قامت حماس بعدد من المحاولات الفاشلة لاختراق المجال الجوي الإسرائيلي بطائرات بدون طيار، ولكن المجموعة الفلسطينية تمتعت بنجاحات أكبر تحت الأرض عن الجو؛ حيث أنه في يونيو 2006 تمكن تحالف من حماس وجيش الإسلام من دخول إسرائيل عبر نفق يمتد من غزة إلى إسرائيل، وتمكنوا من قتل جنديين إسرائيليين واختطاف ثالث، وبحلول عام 2014 تمكنت حماس من تشييد 32 نفقًا هجوميًا – امتد 15 منهم لحوالي 1.5 ميل بداخل إسرائيل – لتنفيذ ست عمليات قائمة على هذه الأنفاق، وتمكنوا خلالها من قتل 11 جنديًا إسرائيليًا.
ومن جهة أخرى، فإن قوات طالبان استغلت الأنفاق المستخدمة في الري في مقاطعات قندهار وهيلماند، وفي 2011 تمكنت القوات الأفريقية في مقديشو من اكتشاف نظام أنفاق واسع كان يتم استخدامه من قِبل الجماعات الإرهابية.
في الواقع، داعش حاولت توظيف هذه القدرات قبل معركة الموصل؛ حيث استخدمت شبه الدولة الإرهابية طائرات بدون طيار للمراقبة لتصوير أفلام دعائية منذ ديسمبر 2014، وتمكنت قوات التحالف من تدمير طائرة بدون طيار لداعش في مارس 2015، وفي أواخر ديسمبر وأوائل العام الحالي؛ قامت داعش بربط المتفجرات بهذه الطائرات، وتمكنت قوات التحالف من اكتشاف أنفاق كبيرة في مدن أخرى، والتي كان لداعش وجود بها ومنها سندار وفالوجة بالعراق، ومنجاب بسوريا، وسرت في ليبيا.
وعلى الرغم من أن استخدام داعش للطائرات دون طيار والأنفاق ليس إعجازًا؛ إلا أنه يُعد أمرًا كبيرًا بسبب إظهار قدراتهم على أن العدو يمكن أن يكون غير تقليدي باستخدام حلول تكنولوجية ذات مستوى منخفض؛ للتغلب على المميزات التكنولوجية التي تتمتع بها القوات العسكرية.
وعلي سبيل المثال، فإنه في ظل هيمنة التكنولوجيا على ساحة المعركة – ومنها الذخائر دقيقة التوجيه والتي تسمح للقوات الأمريكية والإسرائيلية بزيادة خبرتها في الالتحام مع أهدافها في المناطق المكتظة بالسكان – فإن الاستنتاج المنطقى لاعتراض هذه القوات هو التحرك تحت الأرض من خلال الأنفاق، والتي تزود المقاتلين بالقدرة على مواجهة التفوق الجوي للعدو، ومن أسباب عدم تفوق السلاح الجوي الإسرائيلي في 2006 خلال حرب لبنان الثانية، هو قدرة حزب الله في الأنفاق والتي زودت الميليشيات بنظام مخابئ واسعة ومناطق لإطلاق الصواريخ، وبعد عقد كامل فإن العدد المقدر للأنفاق التي حفرها المتمردون السوريون لتفادي القوات الجوية التابعه لنظام الأسد تُقدر بحوالي 500 إلى 1000 نفق.
كما أظهرت حماس باستمرار أن الأنفاق تتيح للمتمردين التقدم للاشتباك دون ملاحظتهم من قبل المراقبة الجوية، وخلال عملية تحرير العراق تمكن المتمردون من تنظيم القاعدة في معاقلهم بأنبار ودرة والعامرية في بغداد، من زرع عبوات ناسفة في المجاري، والتي تمكنت من تحقيق نتائج مميتة لعدوهم، وقيل إن الجيش السوري الحر استخدم نفقًا للتسلل إلى قاعدة عسكرية حكومية قرب مدينه عربين في 2013، وفي مارس 2015 تم تفجير نفق أسفل مقر إدارة المخابرات الجوية السورية في حلب وقتل 20 جنديًا حكوميًا، وفي هذا الشهر فجرت قوات داعش نفقًا كان يحتوي على 7 طن من المتفجرات أسفل مقر القوات العراقية في منطقة الرمادي؛ مما أسفر عن 22 قتيلًا، واستخدمت كلاً من حماس وداعش في 2014 الأنفاق لتهديد الجهة الخلفية من القوات المتقدمة؛ حيث اشتكى عقيد عراقي وقال إنه من الصعب الآن أن نقول إن منطقة بعينها تم تحريرها؛ لأنه على الرغم من تحكم قوات التحرير فوق الأرض؛ فإن داعش تستمر في الظهور من تحت الأرض.
وأخيرًا، فإن الأنفاق تعتمد على تكنولوجيا مزدوجة، والتي يصعب توقيفها من منطقة المعركة، واستخدمت قوات داعش بالعراق الأدوات المستخدمة في الأصل لعمليات التعدين، وحولت حماس الأسمنت المستخدم في جهود إعادة البناء لحملتها الخاصة بالأنفاق، وهكذا فإن “جيدو” – منطمة تابعة لوزارة الدفاع الأمريكية خاصة بالتخلص من العبوات الناسفة – قالت مؤخرًا إن استخدام الأنفاق من أجل العبوات الناسفة والأغراض الأخرى ستستمر في تقديم ميزة استراتيجية منخفضة المخاطر للمنظمات المتطرفة.
وتقدم الطائرات بدون طيار ميزات تكتيكية مشابهة للجماعات الإرهابية والميليشيات، وستتيح الطائرات بدون طيار – ومنها النماذج التجارية الرخيصة والمقدرة بـ100 دولار – وجود تكنولوجي أقل رقي، وذلك للتفوق الجوي على القوات الأمريكية، وتجنب الرادار وتوفير دقة أكبر في إصابه الهدف دون وضع المقاتلين في خطر، وتم استخدام هذه النماذج التجارية الرخيصة وسببت آثارًا مميتة لكل الأطراف في الحرب الأهلية السورية، في أكتوبر 2015؛ حيث تم إطلاق ست طائرات بدون طيار بها متفجرات من قِبل قوات الشيعة؛ مما تسبب في مقتل وإصابة عدد من المقاتلين المتمردين في مدينة معرة النعمان بسوريا في هجوم انتحاري، وفي أغسطس الماضي نشر حزب الله فيديو يظهر طائرة تجارية بدون طيار تسقط عدد من المتفجرات الصغيرة على مواقع المتمردين بحلب، وفي أكتوبر ظهر فيديو تابع لجند الأقصى التابع للقاعدة يظهر طائرة بدون طيار تهبط على ثكنات عسكرية سورية، وبمعدل انتشار هذه التكتيكات والتكنولوجيا التجارية في المنطقة فإنها سوف تعرف شكل الحروب في الشرق الأوسط في المستقبل المنظور.
إضافة إلى ذلك، فإن سبل متعددة لانتشار الطائرات بدون طيار المتطورة تقنيًا يعني أنها سوف تظهر بشكل مستمر فى ترسانات الشرق الأوسط، كما أن الإعلام الإيراني يظهر صور طائرات بدون طيار مصنعة محليًا تهاجم أهدافًا في سوريا، وتفاخر قوات الحرس الثوري الإيراني بشأن استخدامها للطيارات بدون طيار على أهدافها في سوريا والعراق، وأعلنت وسائل إعلام إيرانية الشهر الماضي أن طهران قامت ببناء طائرات جوية بدون طيار بعيدة المدى، قادرة على مهاجمة حتى أربعة أهداف، وكشفت قوات الحرس الثوري الإيراني عن طائرات بدون طيار قادرة على الإصابة من مسافة 620 ميلًا، وذلك للهجمات الانتحارية البحرية، وأخيرًا على الرغم من جهود الولايات المتحدة لإحكام السيطرة على الانتشار الدولى للطائرات بعيدة المدى؛ إلا أن الصين قامت بتصدير طائرات مسلحة بدون طيار للعراق والسعودية ومصر والإمارات، وهكذا فإنه ليس من المتوقع عدم احتواء المعارك المستقبلية في المنطقة على طائرات بدون طيران.
وبعد حوالي عقد من الخمول، اعترف الكونجرس والخدمات الحربية بهذه التهديدات غير المتماثلة، ويحاولون تطوير تدابير مضادة، وفي 2015 خصص الكونجرس 40 مليون دولار للمبادرة الأمريكية الإسرائيلية لتطوير وإنتاج نظام لتحديد الأنفاق، وفي الوقت ذاته فإن القوات البحرية والجيش ومشاه البحرية والقوات الجوية يختبرون عددًا من الاختيارات التكنولوجية المضادة للطائرات بدون طيار، ولكن على الرغم من أهمية تطوير هذه الأدوات، إلا أنها تعتبر جزءًا فقط من الحل، ويجب أن يطابق التقدم التكنولوجي مع ما يقابلها من الابتكارات والتعديلات التكتيكية لمقابلة هذه التهديدات، وعلاوة على ذلك فإن بسبب إظهار التاريخ أن خصوم الولايات المتحدة دائمًا قادرون على تطوير تدابير مضادة، فإن على صانعي القرارات من الولايات المتحدة أن يظلوا يقظين بخصوص جهودهم المضادة لهذا التهديد، وكما يحدث دومًا في المواجهات في الشرق الأوسط؛ فإنه يتم استخدام الأنفاق وطائرات بدون طيار، ومن شبه المؤكد أنه سيتم استخدامها ونشرها ضد الولايات المتحدة وأي قوات من حلفائها في المنطقة في العقود المقبلة.