تفاصيل زيارة وفد سعوديّ “رسميّ” لتل أبيب ولقائه سياسيين إسرائيليين
من المُعارضة والمركز ومدير عام الخارجيّة لإقناعهم بمبادرة السلام العربيّة
الناصرة – رأي اليوم” – من زهير أندراوس:
قبل عدّة أيّام كُشف النقاب عن تشكّل حلفٍ جديدٍ من إسرائيل، السعودية، الأردن ومصر لمُحاربة تنظيم “الدولة الإسلاميّة” وإيران، ويبدو اليوم واضحًا وجليّا أنّ هذا الكشف جاء بناءً على قاعدة المصالح المشتركة ومواجهة العدو المشترك، حيث تواصل الرياض سياسة الارتقاء بالعلاقات مع تل أبيب والتدرج في تظهيرها وتطويرها باتجاه التحالف، بعدما بات الطرفان يتقاطعان على مستوى الموقف والخيار في أكثر من ملف وقضية إقليمية. وعلى هذه الخلفية، تأتي زيارة وفد سعوديّ رفيع المستوى يضم أكاديميين ورجال أعمال، ويترأسّه الجنرال المتقاعد في المخابرات السعودية، أنور عشقي، المعروف بنشاطه في تظهير مسار التقارب السعوديّ- الإسرائيلي ودفعه بنحو تدريجيّ.
وبما أنّ اللقاء يجري هذه المرة في إسرائيل، بعد أكثر من لقاء خارجها، فإنّه يحمل في طيّاته أكثر من رسالة سياسية، إقليمية، وأخرى داخلية إسرائيلية. ومن بين تلك الرسائل أنّ السعودية باتت أكثر نضجًا للانتقال إلى مرحلة العلاقات العلنية، واستعدادها للقيام بقفزة نوعية إلى مرتبة التحالف في ضوء المتغيرات الإقليمية، من دون أيّ التزام إسرائيلي رسمي بأيّ تنازلٍ يتصل بالمفاوضات مع السلطة الفلسطينية.
أمّا على مستوى الداخل، فمن الواضح أن بنيامين نتنياهو استطاع أن يسجل إنجازًا سياسيًا عبر هذه الزيارة، لكونها تشكل تأكيدًا للجمهور الإسرائيليّ بأنّ سياساته الفلسطينية لا تُشكّل عقبة جديّة أمام تقارب أغلب النظام العربيّ الرسميّ، وتحديدًا السعودية، من إسرائيل. ومما يعزز منطق نتنياهو ورؤيته، أنّ الخطوات السعودية التصاعدية في الارتقاء بالعلاقات مع تل أبيب، تأتي رغم تكراره الدائم بشأن تمسكه بثوابته المتصلة بالتسوية النهائية مع السلطة الفلسطينية. علاوة على ذلك، فغنيٌ عن القول إنّ الوفد لما كان يزور إسرائيل بدون ضوءٍ أخضرٍ من العائلة المالكة في السعوديّة.
وكشفت صحيفة (هآرتس) أنّ الوفد التقى مع شخصيتين رسميتين، لكل منهما موقعه ذات الدلالة السياسية. الأول هو المدير العام لوزارة الخارجية، دوري غولد، والثاني منسق شؤون الاحتلال للمناطق الفلسطينية المحتلة، الجنرال يوآف مردخاي.
كما التقى بعددٍ من نواب الكنيست الذين ينتمون إلى العديد من كتل المعارضة الإسرائيلية. ويبدو أنّ الزيارة جمعت بين مسألتين: الأولى، مبادرة سعودية في مسار الارتقاء بالعلاقات العلنية بين الطرفين، والثانية أنّ الوفد لا يحمل صفة رسمية. لكن هذه الصفة لا تنفي حقيقة أنّ الزيارة استثنائية، خاصّةً أنّها لا يُمكن أنْ تحصل من دون مصادقة من الحكومة السعودية، كما أكّدت الصحيفة الإسرائيليّة.
وبحسب المصادر في تل أبيب فإنّ الزيارة هدفت إلى تشجيع الحديث في إسرائيل حول مبادرة السلام العربية. لكنّ نتنياهو سبق أنْ أكّد في أكثر من مناسبة أنّ إسرائيل لا يُمكن أنْ تقبل بالمبادرة كما هي، ولا بدّ من إدخال تعديلات عليها كي تصبح ملائمة للثوابت الإسرائيليّة. هذا وكان عشقي قد وصل إلى إسرائيل، يوم الثلاثاء الماضي، والتقى في رام الله مع رئيس السلطة، محمود عبّاس، وآخرين في القيادة الفلسطينية، قبل أنْ يتوجه للقاء غولد ومردخاي.
والتقى أمس أيضًا مجموعةً من أعضاء الكنيست من المعارضة. وأشارت الصحيفة إلى أنّ من بين الذين نظموا اللقاء عضو الكنيست عن حزب “ميرتس″، عيساوي فريج، وشارك أيضًا أعضاء كنيست من كتلة المعسكر الصهيوني الذي يرأسه، يتسحاق هرتسوغ، وميخال روزين، عن كتلة “ميرتس″.
وقالت “هآرتس″ إنّ عشقي والوفد المرافق له التقوا يوم الثلاثاء الماضي رئيس كتلة “يوجد مستقبل”، يائير لابيد. وأكّد فريج منسق اللقاء، على أنّ السعوديين يُريدون الانفتاح على إسرائيل، وهذا مسار استراتيجي من ناحيتهم.
ونقل عن المسؤولين السعوديين، وفق “هآرتس″، قولهم إنّهم يريدون إكمال ما بدأه الرئيس المصري السابق، أنور السادات، وأنّهم يريدون التقرّب من إسرائيل، وهذا ما يشعرون به بشكلٍ بارزٍ، مُضيفةً، نقلاً عن أعضاء كنيست شاركوا في اللقاء، أنّ أعضاء الكنيست اقترحوا على عشقي دعوة أعضاء كنيست يؤيدون المبادرة العربية للسلام للقاء به في السعودية.
وأشارت الصحيفة إلى أنّه خلال اجتماعه بأعضاء الكنيست تحدث عشقي عن علاقته بالمدير العام لوزارة الخارجية الإسرائيلية، وذكَّرهم بأنّ الأخير أصدر كتابًا قبل عقد من الزمن يُهاجم فيه السعودية تحت عنوان “مملكة الشر”، وأشار عشقي إلى أنّ د. دوري غولد اعتذر منه في خلال اللقاءات، وقال إنّه كان مخطئًا في بعض ما كتبه، وشدّدّ على أنّه يرغب بتعزيز العلاقات بين السعودية الإسرائيليّة، على حدّ تعبيره. يُشار في هذا السياق إلى أنّ عشقي سبق له أنْ التقى علنًا غولد، في حزيران (سونيو) العام الماضي في معهد بحوث في واشنطن.
ومن المعروف أنّه شغل مناصب مختلفة في الجيش السعودي، وعمل في وزارة الخارجية، فيما يرأس حاليًا المعهد السعودي للدراسات الإستراتيجية. علاوة على ذلك، من الجدير بالذكر، أنّه تمّ عقد أكثر من لقاء علني بين مسؤولين سعوديين ومسؤولين إسرائيليين، من ضمنها لقاء بين رئيس جهاز المخابرات السعودي السابق، الأمير تركي الفيصل، ووزير الأمن في حينه، موشيه يعلون، في شباط (فبراير) العام الماضي، ولقاء آخر مع مستشار الأمن القومي السابق لرئيس الوزراء الإسرائيلي، الجنرال يعقوف عميدرور، في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، في أيار (مايو) الماضي.
وفي تصريح لقناة (I24NEWS) الإسرائيليّة، وصف عشقي (72 عامًا) رئيس الوزراء الإسرائيليّ، بنيامين نتنياهو بالرجل القويّ والواقعيّ، مجددًا التأكيد على أنّ إيران هي العدو، وأشاد عشقي، بنتنياهو، وفي الوقت عينه، حمل عشقي، المقرّب من الملك السعودي، كما وصفته “القناة 24″ الإسرائيليّة في مقابلة حصرية أجرتها معه، على إيران وعلى سياساتها، التي أدّت إلى زعزعة الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، على حدّ تعبيره.