صدمات مزدوجة تهدد إصلاحات بن سلمان الكبرى
عندما كشف ولي العهد "محمد بن سلمان" عن خطته الجريئة للإصلاح الاقتصادي، كان من المفترض أن يكون عام 2020 هو العام الذي سيتم فيه تحقيق الجولة الأولى من الأهداف الرئيسية، بما في ذلك الحد من البطالة وزيادة الإيرادات غير النفطية وخلق وظائف في القطاع الخاص.
والآن، تهدد المتغيرات الراهنة بأن يكون العام الذي يشهد كبح هذه الطموحات؛ لأن الصدمات المزدوجة بسبب "كورونا" وانهيار أسعار النفط تجبر الحكومة على إعادة النظر في أولوياتها.
وكشف وزير المالية "محمد الجدعان" النقاب عن جولة من إجراءات التقشف، الإثنين، بما في ذلك خفض رأس المال ونفقات التشغيل.
كما ضاعف ضريبة القيمة المضافة 3 مرات، التي بدأت قبل عامين فقط، من 5% إلى 15%، بدءا من يوليو/تموز. وقالت الحكومة إنها لن تدفع بدلات تكلفة المعيشة التي كان موظفو الدولة يحصلون عليها منذ 2018.
ومن المتوقع أن توفر التدابير الحكومية 100 مليار ريال سعودي؛ أي ما يعادل 26.6 مليار دولار. وقال "الجدعان"، لـ"بلومبرج"، إن الأموال سيتم إعادة تخصيصها.
وحذر "الجدعان"، الذي أعلن في وقت سابق من هذا الشهر خفض الإنفاق الحكومي بنسبة 5%، أن المملكة تواجه "أزمة شديدة"، وستحتاج إلى اتخاذ إجراءات "صارمة".
ومع وجود تخفيضات عميقة في الإنفاق تلوح في الأفق، فإن بعض مشاريع ولي العهد الرئيسية ضمن إطار "رؤية 2030" لتقليل اعتماد المملكة على النفط، مثل مدينة "نيوم" المستقبلية بقيمة 500 مليار دولار، وهي مجمع سياحي وترفيهي راقٍ يطل على البحر الأحمر، قد تصبح من ضحايا "شد الحزام".
وقال "الجدعان"، لقناة "العربية" السعودية، الأسبوع الماضي، إن الحكومة تدرس تأخير "بعض المشاريع" التي تعد جزءا من "خطة 2030"، التي تم إطلاقها قبل 4 أعوام.
وتمثل تحذيراته بشأن شدة الأزمة تحولا ملحوظا في اللهجة. وتحدث أحد رجال الأعمال بالفعل عن عدم تمكنه من توفير المرتبات لموظفيه.
وبعد ذلك بيومين، اقترح صندوق الاستثمار العام، وهو صندوق الثروة السيادية المكلف بقيادة المشاريع العملاقة، بما في ذلك "نيوم"، مواصلة العمل على خططه.
وفي تغريدة للصندوق عبر "تويتر"، قال: "تُمثل المشاريع العملاقة الـ3 للصندوق رمزا للتحول الكلي الذي يحدث. وسيصبح كل منها نقطة محورية للاستثمار في المنطقة، وستساعد على دعم النمو المستقبلي".
وكان ذلك مؤشرا على التوازن الدقيق الذي يواجه صانعي السياسة في سعيهم لحماية الاحتياطيات الأجنبية وتخفيف الألم الاقتصادي على الشركات والعمال السعوديين.
ويعد القطاع العام هو صاحب العمل الرئيسي للسعوديين، وتشكل فاتورة أجور الدولة نحو نصف الميزانية، بينما تمثل النفقات الرأسمالية 17%.
لكن أي تخفيضات في رواتب الموظفين تعد نقطة حساسة من الناحية السياسية. فقبل 3 أعوام، عكست الحكومة التخفيضات على استحقاقات الموظفين المدنيين بعد رد فعل عنيف.
وقال شخص على دراية بمحادثات صانعي السياسة في الرياض إن هناك معسكرين، أحدهما يشعر بأنه يجب أن يكون هناك تخفيضات لإبقاء العجز المالي تحت السيطرة والحفاظ على الاحتياطيات الأجنبية، والآخر يعتقد أن "شد الأحزمة" يجب أن يكون مصحوبا ببعض الإنفاق المعاكس لموازنة الدورة الاقتصادية وتقديم دفعة حيوية للقطاع الخاص.
وقدّر "سعيد الشيخ"، الخبير الاقتصادي وعضو مجلس الشورى السعودي، وهو هيئة استشارية تعمل بطريقة شبه برلمانية، أن إجمالي التخفيضات في الإنفاق يمكن أن تصل إلى نحو 15% من ميزانية 2020 المخطط لها، وتشمل برامج رؤية 2030 والمشاريع الضخمة المصاحبة لها.
وقال "الشيخ": "سيكون ذلك إما من خلال تمديد فترة التنفيذ، وبالتالي تقليل المخصصات السنوية، أو من خلال إعادة ترتيب الأولويات؛ ما يؤدي إلى تأخير بدء المشاريع الأقل أولوية".
ولم يتحدث "بن سلمان"، الزعيم الفعلي للبلاد، عن الأزمة علنا.
وفي عام 2017، قال إنه سيوجه بتنفيذ تدابير تقشف إذا انخفضت أسعار النفط إلى أقل من 30 دولارا للبرميل، مدعيا أن إصلاحاته ستجعل المملكة أكثر مرونة في مواجهة الصدمات.
لكن الإنفاق الحكومي الذي تغذيه الدولارات البترولية يظل المحرك الرئيسي للنشاط الاقتصادي. فقد باتت قطاعات جديدة كانت الرياض تراهن عليها، بما في ذلك الترفيه والسياحة، مجمدة مع تقليص السفر المحلي والعالمي بسبب إجراءات الإغلاق لمواجهة "كورونا".
وقدر كبير الاقتصاديين في منطقة الشرق الأوسط لدى "جولدمان ساكس"، "فاروق سوسة"، أن الرياض ستحتاج إلى كبح جماح الإنفاق بنحو 15% من الناتج المحلي الإجمالي لإدارة الأزمة والحفاظ على احتياطياتها إذا ظلت أسعار النفط عند مستوياتها الحالية إلى أجل غير مسمى.
وعندما أطلقت وزارة المالية حزمة إنقاذ بقيمة 32 مليار دولار لدعم الشركات في مارس/آذار، قال "الجدعان" إن الحكومة رفعت سقف ديونها من 30% من الناتج المحلي الإجمالي إلى 50%، وستقترض بدلا من الاستفادة من الاحتياطيات.
ثم قال الشهر الماضي إن الحكومة ستحتاج إلى الاقتراض مرة أخرى 26 مليار دولار إضافية، ويمكنها سحب ما يصل إلى 32 مليار دولار من احتياطياتها.
ويتوقع خبراء الاقتصاد أن ربط الريال السعودي بالدولار سيواجه ضغوطا إذا انخفضت الاحتياطيات الأجنبية إلى نحو 300 مليار دولار، وهي النقطة التي تنخفض فيها إلى ما دون المستوى المطلوب لتغطية التزامات الريال المستحقة للمملكة.
وبعد هبوط النفط الأخير في عام 2015، تراجعت احتياطيات المملكة من 726 مليار دولار إلى حوالي 500 مليار دولار. وفي مارس/آذار، انخفضت 24 مليار دولار، لتصل إلى حوالي 470 مليار دولار، وهو أكبر انخفاض شهري على الإطلاق.
وقال "سوسة": "إذا بدأنا في رؤية انخفاض الاحتياطيات بسرعة كبيرة نحو 300 مليار دولار، فإن ذلك سيصبح مشكلة. وإذا ارتفعت أسعار النفط إلى 40 دولارا ثم 65 دولارا للبرميل العام المقبل، فلن نقترب من عتبة 300 مليار دولار. لكن إذا بقيت أسعار النفط عند 30 دولارا، فيمكن الوصول إلى تلك العتبة في العام المقبل".
وتصر الرياض على أنها ستحافظ على ربط الريال بالدولار.
ويقول بعض رجال الأعمال السعوديين إنهم بينما يستعدون للركود، إلا أنهم ما زالوا يأملون في حدوث انتعاش في عام 2021. وقال أحد التنفيذيين السعوديين: "هذا العام سيكون صعبا، لكن العام القادم يجب أن يكون أفضل مع سعر النفط المأمول عند نحو 40 إلى 60 دولارا".
لكن رئيس مجموعة أبحاث الشرق الأوسط في شركة استشارات المخاطر في مجموعة "أوراسيا"، "أيهم كامل"، قال إن ولي العهد يواجه "تحديا ضخما حول عدم استدامة النموذج الاقتصادي الحالي".
وقال "كامل": "لقد تمكن الأمير محمد من حشد حملة فعالة لاحتواء تأثير كورونا، وربما يكون هناك زيادة قصيرة المدى لشعبية الجهود المرتبطة بذلك. ومع ذلك، يمثل الارتفاع الحاد في البطالة مخاطر على المشروع بأكمله".
المصدر | فاينانشيال تايمز - ترجمة وتحرير الخليج الجديد