مجلس التعاون الخليجي في قمته الأربعين
سعيد الشهابي
استحقاقات داخلية خليجية تتطلب تنازلات من السعودية قبل غيرها والسؤال: هل الرياض مستعدة لذلك؟
بمرور الوقت أصبحت القمم استعراضا شكليا لوحدة خليجية أصبح تحققها أكثر استعصاء إثارة للشجون والخلافات!
صراع التحالف السعودي الإماراتي مع قطر أهم اسباب تصدع المنظومة الخليجية وهذا التحالف افتعل الأزمة في 2017.
التصدع الخليجي أضعف تحالف السعودية لأن الكويت وقطر وعمان احتفظت بعلاقات مع إيران بينما يتداعى التحالف السعودي الإماراتي.
* * *
القمة الأربعون التي تعقد اليوم بالعاصمة السعودية، الرياض، يفترض أن تمثل ذروة «العقل» لدى مجلس التعاون لدول الخليج العربية، لأن الاربعين هي سن الرشد وكمال العقل.
وربما أراد قادة السعودية أن يثبتوا ذلك بعقد قمة جامعة للدول الست الأعضاء التي مزقتها سياسات الرياض في السنوات الأخيرة. فبذلوا جهودا كبيرة لتحقيق ذلك.
وليس سرا القول إن صراع التحالف السعودي ـ الإماراتي مع دولة قطر من أهم اسباب تصدع المنظومة الخليجية، وأن هذا التحالف هو الذي افتعل الأزمة مع الدوحة في 2017.
واتضح الآن أن السعودية، وليست قطر، هي التي رفعت الراية البيضاء، وتبعتها الإمارات والبحرين. فاشتركت فرق هذه الدول في بطولة (خليجي 24) التي عقدت مؤخرا في قطر.
وفوق ذلك قبلت الدول الثلاث بالشرط القطري للحضور بنقل القمة من أبوظبي الى الرياض، وهي المرة الاولى التي يتم تغيير الدولة المضيفة. فقد تعارفت دول المجلس على تدوير الانعقاد على الدول الأعضاء.
وفي المقابل لم تحصل السعودية علي أي تنازل في القضايا التي كانت السبب لقطع العلاقات مع الدوحة: التقارب مع إيران، غلق قناة «الجزيرة»، العلاقة مع جماعة الإخوان المسلمين، القاعدة التركية في قطر.
ويصعب فهم الدوافع الحقيقية لهذا التنازل من قبل الحكومات الثلاث في أزمة كانت السعودية تسعى من خلالها لتثبيت موقعها القيادي ليس لمجلس التعاون الخليجي فحسب، بل للمنطقة كلها. وإذا كانت السعودية هي المستفيد الأكبر من ذلك التراجع، فمن المؤكد ان كلا من الإمارات والبحرين وجدتا الأمر صعبا جدا.
فالإمارات التي قفزت فجأة الى صدارة العالم العربي وأصبحت تسعى للسيطرة على اليمن وتؤثر على مسار ثورة السودان ومحاولة فرض وكيلها، خليفة حفتر، على ليبيا، مضافا لدورها في دعم الانقلاب العسكري في مصر وإسقاط حكم الإخوان، تجد نفسها مضطرة للتنازل أمام المطالب القطرية بدون مردود سياسي يذكر.
الإمارات لعبت دورا كبيرا في تحريض دول غربية عديدة ضد قطر ومصالحها. ونظرا لتوسع هيمنتها على العديد من الوسائل الإعلامية في الغرب استهدفت قطر بشكل متواصل.
ومن أمثلة ذلك تعرض بنك الريان (البنك الإسلامي البريطاني سابقا) الذي اشترته شركة استثمارية قطرية، لحملة إعلامية منظمة في الإعلام الغربي تتهمه بتسهيل الخدمات المصرفية للمساجد والمؤسسات والشخصيات الإسلامية البريطانية، الأمر الذي اضطر إدارته لبدء تحقيق غير مسبوق مع زبائن البنك.
أما حكومة البحرين فهي الأكثر شعورا بالألم من المساعي السعودية لتطبيع العلاقات مع قطر. لقد قاطعت حكومة البحرين كافة الفعاليات التي أقيمت في قطر كما رفضت توجيه أي دعوة للمسؤولين القطريين لحضور المؤتمرات التي أقامتها بحضور وزراء ومسؤولين إسرائيليين.
وأغلقت الأبواب أمام أي حضور قطري في مؤتمر «حوار المنامة» السنوي الذي استقطب مشاركين استهدفوا في أبحاثهم قطر بشكل صريح. وبعد أن تداعت علاقات حكومة البحرين مع الحكومة القطرية، فتحت ملف التواصل الذي حدث في العام 2011 بين بعض قيادات جمعية الوفاق والخارجية القطرية بهدف احتواء الأزمة السياسية.
وكان من نتيجة ذلك الاستهداف اصدار حكم السجن المؤبد بحق الشيخ علي سلمان، الأمين العام لجمعية الوفاق، بتهمة «التخابر مع قطر». حكومة البحرين كانت على علم بذلك التواصل منذ حدوثه في آذار/مارس 2011، الذي حدث بموافقتها.
فتركته مجمدا حتى قطعت علاقاتها في 2017 مع الدوحة، فأعادت فتح القضية ضد الشيخ علي سلمان. فهل ستلغى القضية المفتعلة ضده ويطلق سراحه بعد عودة قطر الى القمة الخليجية؟
لمعرفة دوافع التراجع السعودي ـ الإماراتي عن الموقف من قطر تجدر قراءة الموقف السياسي في المنطقة وتغير التوازنات فيها منذ صعود دونالد ترامب للرئاسة الأمريكية. في البداية هناك السياسة الأمريكية التي انتهجها دونالد ترامب بتعبئة كافة الطاقات في المنطقة لهدفين: التطبيع مع «إسرائيل» والتصدي لإيران.
وقد نجم عن التصدع الخليجي ضعف التحالف الذي تقوده السعودية لأن الكويت وقطر وعمان احتفظت بعلاقاتها الطيبة مع إيران، بينما بدأ التحالف السعودي ـ الإماراتي بالتصدع.
واستنتجت الإدارة الأمريكية استحالة تشكيل جبهة متماسكة لتحقيق الهدفين في ظل تصدع العلاقات داخل المنظومة الخليجية. وربما اعتقد الأمريكيون أن التحالف السعودي ـ الإماراتي سيكون قادرا على تحقيق جانب كبير من تلك السياسة.
ولكن فشله في الحرب على اليمن وتنافس الرياض وابوظبي على النفوذ في ذلك البلد وفي العالم العربي عموما، كشف استحالة الاعتماد عليه كعمود ثابت للسياسة الأمريكية. فتحرك الدبلوماسيون الأمريكيون بهدف رأب الصدع واصلاح الوضع واحتواء التصدع.
وشارك السياسيون والعسكريون في تكثيف الضغط على دول الخليج للتصالح. ففي الشهر الماضي دعا رئيس اركان القوة الجوية الأمريكية، ديفيد غولدفين، لدى زيارته المنطقة الى المصالحة. وكرر وزير الخارجية، مايك بومبيو، دعوة مماثلة خلال زياراته ولقاءاته مع المسؤولين الخليجيين.
وأمام الضغوط الأمريكية لم تجد الرياض مناصا من الاستجابة. وتوازى مع الدعوات الأمريكية جهود الكويت للمصالحة منذ بداية الأزمة. وجاءت زيارة وزير الخارجية القطري، عبد الرحمن بن محمد آل ثاني، للرياض مؤخرا تتويجا لتلك الجهود.
وفي تلك الزيارة طرح الوزير القطري شروط بلاده لذلك، وهي الشروط التي أجبرت الرياض على قبولها، خصوصا مع بروز مؤشرات خلاف سعودي ـ اماراتي لأسباب عديدة أهمها امتعاض الرياض من توسع النفوذ الإماراتي المنافس لها.
برغم البهرجة الإعلامية التي اطلقت قبيل انعقاد القمة الخليجية الاربعين في الرياض اليوم، فمن غير المتوقع أن ينجم عنها ما هو خارج عن التوقعات. فمع مرور الوقت أصبحت القمم استعراضا شكليا للوحدة الخليجية التي أصبحت اكثر استعصاء على التحقق، وأكثر إثارة للشجون والخلافات.
فالسياسة السعودية التي تحمست لمشروع مجلس التعاون، كانت تأمل أن يكون ذلك وسيلة لدعم النفوذ السعودي الاقليمي والدولي، ولما ادركت ان لكل دولة سياساتها الخارجية التي قد تتناقض مع السياسة السعودية بحثت عن آلية اخرى تدعم ذلك النفوذ.
وربما اعتقد البعض ان التقارب بين الرياض وابوظبي منذ خمسة اعوام والذي كانت حربهما المشتركة على اليمن من اقوى مصاديقه، سيكون بديلا لمجلس التعاون الذي فقدت الرياض السيطرة عليه. لقد كانت تلك الخطوة من اكبر الاخطاء السعودية، فقد أسست لقضية خلافية قابلة للتفجر في اية لحظة، ودفعت الامارات الى موقع سياسي متقدم لم يكن في الحسبان.
فأصبحت تتصرف خارج حدودها كقوة دولية عملاقة تفوق ما لديها من قدرات ذاتية، الامر الذي احدث خللا بنيويا في العالم العربي واضعف العمل العربي المشترك وساهم بخلخلة التوازن واضعاف الدول العربية الكبرى وتهميشها، كما حدث مع سوريا والعراق ومصر والجزائر وليبيا واليمن.
لذلك ثمة تصور مختلف للقمة الحالية. البعض يقول إنها محاولة لإعادة بعث المملكة العربية السعودية كقوة إقليمية ضاربة لكي تستلم قيادة العالم العربي، خصوصا أنها تهيمن على الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي.
ويفسر ذلك ما قامت به السعودية من جهود ومبادرات وتنازلات لإعادة قطر لأحضان مجلس التعاون برغم ما سيترتب على ذلك من مشاعر غاضبة لدى كل من الامارات والبحرين اللتين وجهتا سياساتهما ضد قطر بنمط غير مسبوق.
ليس متوقعا أن يصدر عن قمة الرياض ما هو خارج التوقع، بل ستكرر المواقف المألوفة حول ضرورة القضية الفلسطينية واليمن وإيران. السعودية استثمرت كثيرا في القمة، وستنزعج كثيرا لو تخلف أي من الزعماء عن الحضور.
لكن الرياض تدرك، قبل غيرها، أن سياسات التفرد من جهة والرغبة في الاستحواذ من جهة اخرى من بين العوامل التي أدت الى تصدع المجلس في السنوات الاخيرة، وسلبت قيمة الانتماء اليه.
كما أن السياسة التي انتهجتها السعودية مع أمريكا في السنوات الأخيرة وسعيها لاستمالتها بدفع مئات المليارات كانت لها مردودات سلبية على المجلس وسمعته، وأضعفت مصداقيته كتحالف اقليمي يفترض أن يكون مهابا من القوى الإقليمية والدولية.
إن هناك استحقاقات داخلية خليجية تتطلب تنازلات من السعودية، قبل غيرها، والسؤال هنا: هل أن الرياض مستعدة لذلك؟
* د. سعيد الشهابي كاتب وناشط حقوقي بحريني
المصدر | القدس العربي