من ثقافة رَفْض الرأي إلى ثقافة التكفير !!
رئيس تحرير يومية المُستقبل المغاربي
الوهّابية أُسِّست بالأساس على الدم، وعلى الافتراض الخاطئ لمفهوم الدين، ومبادئ السَلف من أمّتنا.. بل إن منطق "ما أريكم إلا ما أرى" هو منطقها ومنطق الفرعونية، تدَّعي الانفراد بالإسلام ومُحاربة الشَرْك، وهي يقتحم الواقع بتفاعلٍ كلّي مع القتل لأجل فرض ما هو قائم عليه من ظن، هي مذهب سياسي مُتهوّر وليس دينياً، لأنها تدور في نقطة ارتكازٍ واحدة، هي حماية الحُكم "السلالي" والقائمين عليه بالاندماج في أخطائهم اندماجاً لا يتوافق لا مع المبادئ التي جاء بها الدين ولا مع ما بقي من الأعراف التي أقرَّها القرآن حتى من أعراف الجاهلية ..أية فرقة هذه التي لا يرى أصحابها من سنن الكون والتي هي سنن الله إلا بقايا القبور، وما قامت عليه من شواهِد فيقوم بعضها بتحطيمها بل و إخراج حتى مَن في باطنها من عظام و يظنّ أن ذلك حرب على الشَرْك و الدخول في الإيمان، مع أن الذين فتحوا العالم لم يتّجه أي منهم لتحطيم ما هو قائِم في الدول المفتوحة من أوثانٍ و تماثيل، و لم يلغوا الكنائس والمعابد، بل لم ينظروا إليها نظرة استهزاء باعتبار أنها واقع لمراحل تاريخية مرّت بها البشرية و تركتها على حالها، واليوم تُنصَب الأوثان بعد تحريمها ل 70سنة بفتاوى وهّابية .. لقد تمّ تنصيب نسخة من "تمثال الحرية "بأمرٍ مَلَكي في جدّة إرضاء لأميركا وتجاوزاً للفتاوى الدينية التي تُحرِّم التماثيل ، فهل الوهّابيون هم أكثر فَهْماً للدين..؟ أم أنهم مُجرَّد رؤوس بشرية تسير على الأرض بلا مفهوم بشري ولا عقل مثل "داعش" و"النصرة".. نحن إذن، إمام ظاهرة لا يمكن تفسيرها إلا بتفسيرٍ واحدٍ هو أن مُعتنقيها جماعة همَّها الوحيد أن تمتطي سدَّة الأحادية الفكرية تحت شعارات إسلامية حُرِفَت عن مواضعها وأُدخِلت بها القسوة في ثوبٍ ديني ، لا حباً في الدين ولكن حباً في ما بذر من الواقفين خلف الستار من بذور الشر فيها قَصْد الثبات في مواقعهم إلى أن يرث الله الأرض ومَن عليها، وهم بالتالي عُصبة أمم جديدة من دون توافق مع المنظور السياسي المنتج، و من دون منطق ديني..فهم بثقافة الرأي الأحادي انتصروا إلى ثقافة التكفير والثانية أسوأ لأنها تمسّ الجميع بما فيها الأرض وما فوقها.. ثقافة مرجعيتها سياسة "فرِّق تُسُد" لمواجهة الشعوب والأنظمة غير المُتوافقة معها أو ما ترمز إليه آنياً أو مستقبلياً.. دُعاة التفكير هنا، إن كانوا سياسيين مثل بندر بن سلطان، أو عسكريين مثل أنور عشقي أو حكاماً كجماعة قطر، والإمارات، أو دُعاة باسم الدين وهم عنه مُبعَدون، مثل محمّد العريفي ، أو الداعية السعودي ناصر العمري الذي أفتى بجواز نكاح الجهاد مع شقيقها وغيرهما وهم كثر، أنجبتهم سياسة بقايا أشباه الحُكَّام المُشار إليهم في القرآن الكريم بقوله "يوادون من حاد الله ورسوله'' والتحالف مع "ترامب" وهو "عنصري في الجوهر والأسلوب" كما تقول الغارديان.. كنا نودّ ألا يكون لدينا في عصر العولَمة مثل هذا الفكر لمواجهة العولَمة ذاتها كتيارٍ استعبادي، لكن الذين عميت بصائرهم و بصيرتهم، أرادوا ألا يكون للإسلام طابعه الإنساني وأخلاقه التي هي أساسه لقوله – ص-"إنما بُعِثتُ لأتممّ مكارِم الأخلاق" ..غير أن التَرَف الذي عاشه أهل البِدَع ومؤسّسو المذهب الوهّابي التكفيري على حساب بقيّة الشعوب الإسلامية أنجب ظاهرة الفساد، والأسوأ فيها سوء فَهْمهم للمُتغيِّر في الواقع البشري والديني ، فإذا القتل مبدأ في نظرهم من مبادئ الإسلام (أكثر من عشرة آلاف قتيل في اليمن من دون سبب) و إذا كلمة لا إله إلا الله صارت تُذكَر على ما يُناقضها أو يشوّه كل مَن ينتمي إليها عربياً كان أم أعجمياً، لم نسمع في الأولين فضلاً عن فُقهاء الإسلام المشهود لهم ما يفيد بوجوب نكاح الجهاد مع الشقيقة ، كما أفتى السفيه "ناصر العمري..." والحقيقة، إننا لم نكن لنُشير إلى مثل هذه البلاهات لأننا نعرف مُسبقاً أن الفكر الوهّابي في آخر مراحله ، لأنه في الأصل ليس مذهباً دينياً لأن مؤسّسه لم يكن داعية وينقصه الكثير من الفَهْم الصحيح للإسلام ، بل إنه جاء أصلاً لحماية النظام وامتلاك بلاد الحجاز لأسرة ما لها في الدين إلا سفاسفه، وما عليها من مُقدّسات إسلامية، و لذلك كان همّه الوحيد مُحاربة الأضرحة والمقامات، و نَبْش القبور، وكأن الإسلام جاء ليُنادي الأموات و ينزع من على قبورهم شواهِدهم، مع ألا أحد من الفاتحين، صحابة كانوا أو من التابعين ثبت عليهم أنهم هدموا كنيسة أو دمَّروا تمثالاً ، ولا تزال الشواهِد على ذلك حاضرة بيننا اليوم، وأعمدة الفراعنة تؤكِّد ذلك.
إذن.. فمن أين جاء الفكر الوهّابي بما يقوم به اليوم ،ولماذا ..؟ المفهوم الواحد لذلك هو محاولة تجهيل الناس وإعادتهم إلى سماء الجاهلية، كي تبقى الجاهلية داخل القصور محميّة بفكرٍ مُحاط بها، و بالتالي ليس بإمكان أحد مناقشة الفساد الحقيقي والثورة عليه، إنه فكر أيضاً يحتوي من حيث المنشأ على بذور التحالف ولو حتى مع الشيطان ضد كل ناهِض بالإسلام من خارج الدائرة الوهّابية، و حتى سياسياً يمكن توصيف ذلك واعتبار التحالف القائِم اليوم ضد سوريا وفلسطين مع أميركا وإسرائيل هو خلاصة ذلك ..لكن كل ذلك سيظلّ مُجرّد فعل لمَن يحفر في الماء، و لن يكون لذلك إلا مُجرَّد صدى لأفعالٍ لا صلة لها لا بالدين ولا بالسياسة، وفتح المجال للشعوَذة الدينية هو أيضاً من باب الشعوَذة السياسية... هل هناك من إمكانية للادّعاء بأنه يمتلك مفاتيح الجنّة، و هو يعمل بما يخرق كل الطُرُق الموصِلة إليها، ألم يقل الرسول – ص-" لزَوال الدنيا أهون عند الله من قَتْلِ نفسٍ مؤمنة..." ، ثم ألم يقل القرآن الكريم "مَن قتلَ نفساً بغير نفس فكأنما قتل الناس جميعاً" ، فأين هؤلاء من القرآن و من السنّة دُعاة كانوا أم سياسيين، أكيد أن مَن يبقى في الحُكم لأكثر من أربعين سنة و في وزارة الخارجية لأكثر من خمسة و ثلاثين سنة، لا يمكنه أن يكون إلا ولياً لغير القرآن وأحكامه، بل لن يكون إلا جباراً في الأرض يُفسِّر ما يراه لصالحه و يأمر بالقتل لكل صاحب رأي مُخالِف لرأيه حتى وإن كان ذلك يفتح أمامه أبواب جهنم قبل الأوان، هذا المنطق المُغاير لكل القِيَم، فضلاً عن الدين الذي يجعل هؤلاء في صف أبي لهب. فما قاله وزير خارجية البحرين في مَدْحِ إسرائيل والتهجّم على الفلسطينيين لا أظن ينطق به حتى أعتى عتاة الجاهلية. في مقابلة مع القناة 13 الإسرائيلية إنه "يريد التحدّث مباشرة إلى الجمهور الإسرائيلي "ومثلها السعودية من تحت الطاولة ومن فوقها وهي الغارِقة في اليمن حد الانهيار ف"الخسائر قد لا تحميها من الغَرَق، إذا لم تقفز من القارب قبل فوات الأوان" بتعبير قاسم عز الدين.
إن الأمّة العربية بما تمتلك على الخارطة السياسية والاقتصادية بإمكانها أن تُقلّل من الأخطار التي تلاحقها، إذا أخذت بمبدأ الإصغاء للرأي العام. فالشعوب التي أطاحت بالطُغاة في أكثر من مكان في الماضي هي أيضاً اليوم قادِرة على إعادة ميزان القوى لصالحها في أية مواجهة، وأن الانتصار إذا أخذناه بالمُسلّمات الدينية فإنه دائماً للمؤمنين وهذا وعد مؤكَّد من الله، وإذا أخذناه بمُسلّمات التاريخ فإنه لن يكون إلا إلى جانب مَن يعي حقيقة الصراع ويتفَّهم جذوره ومقاصده ، وبالتالي لما كانت أمم صغرى وأخرى كبرى.. وعلى الذين يتجاوبون مع الواقع بأية سلسة من المُتغيّرات تقع ضمن افتراض الواقع ووفق تصوّر البناء وإعادة البناء لا وفق تصوّر "انأ وبعدي الطوفان " يتجاوبون مع التاريخ في صنع الأحداث ..إن توجيه الحركة نحو المستقبل هي أهم من النظر في الماضي من دون الأخذ بسياقات التاريخ فيه، وأن التغيير صَوْب المستقبل هو إحدى سُنن الكون،" فالمعرفة بدأت هكذا، فنظريات الأمس في الطب والعلوم مثلا ألغتها النظريات الجديدة بحُكم التطوّر المَعرفي، وما كان مُستحيلاً بالأمس صار اليوم مُمكناً ومشاعاً بين الناس بما في ذلك العوام منهم.. وإنه من غير الوعي بحقائق الصراع تحميل الواقع ما يجرى عليه من أخطاء من دون وعي أو إدراك للسلبيات التي تنتج منه ، فالأمر خارج الوعي بها ليس متاحاً، والاختيار بين الحقيقة والادّعاء من اختيار العقل، أما الأخذ بما يتلاءم مع منطق التجزيئية فهو هروب من المواجهة وسوء تحمّل للمسؤولية، وهذا ما تعانيه اليوم الأمّة العربية.