تداعيات الانقسام الاستراتيجي لدول الخليج حول إيران
ترجمة الخليج الجديد
يبدو أن استراتيجية إدارة "ترامب" لاحتواء نفوذ إيران الإقليمي تستند إلى الوحدة المفترضة بين دول مجلس التعاون الخليجي، وافتراض التعاون الواضح لهذه مع الولايات المتحدة لتنفيذ هذه السياسة.
وأكد المسؤولون الأمريكيون أن مجلس التعاون الخليجي يشكل جوهر تحالف استراتيجي جديد مناهض لإيران من الدول التي يهيمن عليها المسلمون السنة، أطلقوا عليه "التحالف الاستراتيجي للشرق الأوسط".
ولم تتخل الإدارة عن هذه الاستراتيجية، حتى مع حالة الانقسام التي عليها مجلس التعاون الخليجي الآن حول التهديد الذي يشكله نظام الثورة الإسلامية في إيران، أكثر من أي وقت مضى منذ تشكيل المجلس عام 1981.
ومع ذلك، أحبطت الانقسامات داخل المجلس، التي تتجاوز قضية إيران، مرارا وتكرارا جهود الإدارة لإعلان التحالف الجديد رسميا، في قمة مخططة بين الولايات المتحدة ودول المجلس كان من المفترض أن تعقد في ربيع عام 2018، وتأجلت عدة مرات، ولم يتم تحديد موعد جديد لها بعد.
ويمكن تصنيف الاختلافات الواسعة داخل مجلس التعاون الخليجي حول إيران في مجموعتين، دعاة المواجهة مقابل المدافعين عن المشاركة. ويعكس هذه الصدع داخل المجلس الانقسام حول حصار قطر.
وفي أحد المعسكرات، كانت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين، وكان كل منها قاطعا في إدانته لتصرفات إيران ونواياها.
وكثيرا ما تستشهد الدول الثلاث بمحاولة الجمهورية الإسلامية السيطرة على المنطقة عبر دعم وإرشاد الحكومات الموالية لإيران، مثل نظام الرئيس السوري "بشار الأسد"، بالإضافة إلى الجهات الفاعلة داخل الدول، وخاصة "حزب الله" اللبناني.
وضمن هذا التجمع، كانت السعودية والإمارات صارمتين في أن دول المجلس، بجانب حلفاء إقليميين آخرين مثل الأردن ومصر، يجب أن تتصدى بنشاط لإيران، بما في ذلك عبر التدخل في مختلف النزاعات الإقليمية.
وأدى هذا الرأي إلى قيام السعودية والإمارات بتشكيل تحالف عربي عام 2015 لمحاربة حركة الحوثيين المؤيدة لإيران داخل اليمن، وهي الحرب التي جلبت انتقادا غير مسبوق للدولتين الرئيسيتين في الخليج؛ لفشلهما في منع وقوع إصابات في صفوف المدنيين في اليمن، وإحداث كارثة إنسانية.
ويمتد العداء إلى حد كبير لدرجة أن معظم الخبراء يصفون العلاقات السعودية الإيرانية بأنها حرب وجودية افتراضية بالوكالة، يتم تنفيذها على العديد من مسارح المنطقة، بما في ذلك اليمن ولبنان والعراق وسوريا والبحرين، وفي الخليج العربي.
وينبع موقف البحرين المتشدد من إيران من إرث من التدخل الإيراني المزعوم في دعم المعارضين الشيعة في البحرين.
ويشعر القادة البحرينيون بالقلق باستمرار من إيران، لأن البحرين هي الدولة الخليجية الوحيدة التي لديها أغلبية شيعية، بالإضافة إلى حقيقة أن بعض الشخصيات الإيرانية ما زالت تدعي أن البحرين كان يجب أن تصبح جزءا من إيران عام 1971 بدلا من استقلالها.
وعلى الرغم من هذه المخاوف، تفتقر البحرين إلى الموارد المالية أو العسكرية للعب دور قيادي في مواجهة دول مجلس التعاون الخليجي لإيران، وبدلا من ذلك، تلعب دورا داعما في المبادرات المعادية لإيران إلى جوار السعودية والإمارات.
وفيما يتعلق بالجانب المؤيد للمشاركة، والذي يضم عُمان والكويت وقطر، توجد خلافات داخلية بينها حول مدى التعاون والنشاط المطلوب مع إيران.
ورغم أنها تشارك جميعها في علاقات مع إيران على مستويات عالية بشكل منتظم، تدعم كل منها السياسة الإقليمية للولايات المتحدة، وتتصرف ضد الجمهورية الإسلامية عندما تهدد أمنها الداخلي.
وتعد عُمان الدولة الخليجية الأكثر اتساقا وصراحة تجاه إيران. وفي عدة مناسبات خلال العقد الماضي، تبادلت سلطنة عمان زيارات قيادية مع طهران.
ومكنت علاقات مسقط القوية مع طهران عُمان من العمل كوسيط بين إيران والولايات المتحدة، بما في ذلك التفاوض على إطلاق سراح مواطنين أمريكيين محتجزين من قبل إيران، ناهيك عن الدبلوماسية الهادئة التي أدت إلى الاتفاقية النووية متعددة الأطراف عام 2015. كما سمحت سلطنة عمان لإيران بأن تكون مستثمرا رئيسيا في مينائها الكبير ومشروع النقل في الدقم.
بالإضافة إلى ذلك، لم تنضم عمان إلى أي تحديات مباشرة لسياسات إيران الإقليمية، سواء في سوريا أو اليمن أو في أي مكان آخر.
وتمتلك الكويت وقطر أرضية مشتركة في مقاربتهما مع إيران. ورغم أن الكويت لم تتدخل ضد نظام "الأسد" في سوريا، لكنها انضمت إلى التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن.
كما تعتقل الكويت بشكل منتظم من تزعم أنهم عملاء لإيران وناشطين مؤيدين لها يقيمون في الكويت.
ويميل القادة القطريون إلى الاحتكاك مع إيران بشكل دوري. وانضمت الدوحة إلى التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن، كما انضمت الجهود السعودية لدعم المعارضة السورية ضد حليف إيران، "بشار الأسد".
وأشار ذلك إلى أن قطر ترغب في تحدي مصالح إيران الإقليمية في بعض الظروف. ومع ذلك، فقد تسبب الصدع بين دول مجلس التعاون الخليجي في جعل قطر أقرب إلى إيران سياسيا مما كانت عليه في السابق، مما تسبب في خروج قطر من حرب اليمن، واستعادتها العلاقات الدبلوماسية الكاملة مع إيران، والتي كانت قد تحطمت عام 2016 بسبب تعاطفها مع النزاع السعودي مع إيران بشأن إعدام رجل الدين الشيعي السعودي "نمر النمر".
وعلى مدى الأشهر الـ 18 الماضية، وبسبب المقاطعة التي قادتها السعودية، جلبت قطر جزءا كبيرا من وارداتها الغذائية من إيران. ويدل التقارب القطري مع إيران على أن المقاطعة السعودية الإماراتية لقطر قد أنتجت عكس هدفها المقصود وهو تشديد خط مجلس التعاون الخليجي تجاه إيران.
ولن تؤدي نهاية الانقسام بين دول المجلس بالضرورة إلى إعادة توحيد المجلس في مواجهة إقليمية متضافرة بقيادة الولايات المتحدة ضد إيران. وتتساءل كل دولة من دول المجلس عن مدى التزام الولايات المتحدة بأمن الخليج، على الرغم من رحلات وزير الخارجية "بومبيو" المكوكية. ولن تلتزم قطر والكويت وعمان، على وجه الخصوص، بموقف تصادمي أو استفزازي ضد إيران، بغض النظر عن إمكانية حل أزمة المجلس على المدى القصير.
ونتيجة لذلك، بدأت الجهات الفاعلة الأكثر عدوانية في المجلس في الحد من نهجها حيال إيران، وقد أعربت السعودية والإمارات عن رغبتهما الجديدة في تسوية حرب اليمن من خلال الدبلوماسية، وأعادت الإمارات والبحرين فتح سفارتيهما في دمشق، الحليف العربي الرئيسي لإيران. وحتى لو تم عقد القمة الأمريكية الخليجية المؤجلة منذ فترة طويلة، وحتى إذا تم الإعلان عن التحالف المخطط له منذ فترة طويلة، فإن احتمالات بذل جهد خليجي موحد لمواجهة إيران على نطاق واسع من الجبهات، تبقى ضئيلة للغاية.
وإذا تصاعد الخلاف داخل مجلس التعاون الخليجي، فستكون إيران قد حققت الهدف الذي سعت إليه منذ تشكيل المجلس، وهو حل التحالف الاستراتيجي لدول الخليج الغنية والموالية للولايات المتحدة.
المصدر | كينيث كيتزمان - منتدى الخليج الدولي