هل من دواء للصراع بين المسلمين ابتداء من العراق ومرورا بالسودان وانتهاء بالسعودية؟

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 2918
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

د. كمال الهلباوى
 من أخطر التحديات التى تواجة الأمة، وكل الأمم، يقفز إلى الذهن الصراع، سواء بين فردين أو أسرتين أو أبناء الوطن الواحد أو قطرين أو كان عالميا. وهذا الأسوأ ونتيجته محزنة للمهزوم أو المنتصر، لما يفقده الطرفان أو الأطراف وخصوصا من الدماء والقتلى أو الشهداء.
هناك من يقدر الصراع ويحسب له حساباته ، وهناك من يقدم عليه أو يقع فيه عنوة أو جهلا أو خبلا أو عبثا. زادت سوءات الصراع مع تقدم التكنولوجيا واستخدام أحدثها فى الصراع الظاهر أو الباطن، ومن لا يشترك فى الصراع مباشرة ويظن أنه قد نجأ يشعر على الأقل ، بعدم الاستقرار، ولا يهنأ بالعيش حتى بعد أن يضع الصراع أوزاره إن حدث.
توقفت أمام الصراع فى عدة بلدان كلها من بلاد المسلمين، وشاهدت عن قرب أطراف الصراع فوجدت عجباً!. الصراع أخطر من الأعاصير والرياح العاتية ومن أمواج المحيطات والبحار ،وأحيانا يكون أخطر من الرعد والزلازل لأنه من صنع أيدينا، وكثيرا ما يكون من قلة العقل وأحيانا ينغمس فيه من لا يشعر بخطورة نتائجه وخصوصا إذا أدمن الصراع.
البلدان المسلمة التى توقفت عندها لدراسة الصراع فيها أو معها هى، أفغانستان والسودان والصومال والعراق وسوريا وليبيا واليمن ومصر وتركيا وماليزيا والجزائر وتونس، ومؤخرا قطر والبحرين والسعودية والامارات وغيرها. بعض هذه البلاد حكمها الاسلاميون وشاركوا فى الصراع طوعا أو كرها، ويظل السؤال قائما، ماذا تغير فيها عندما حكمها الاسلاميون ؟.
شاهدت بل وشهدت عن قرب، بعض أحداث ووقائع الصراع (الجهاد) فى أفغانستان بل أهمها. وفرحت الأمة – فى معظمها بهزيمة السوفيات، وخروج الاحتلال وهزيمة الشيوعية. وحكم الاسلاميون أفغانستان ، سواء الشيخ مجددى فى الفترة الانتقالية لمدة شهرين بعد خروج السوفيات ثم برهان الدين ربانى رحمهما الله تعالى، ولم يتوقف الصراع، ولم تتوقف الصواريخ من بعض المجاهدين والشيوعيين على كابل – تنافساً على السلطة – حتى سقط حكم ربانى (المجاهدين ). وجاء طالبان الى الحكم، واستمر الصراع ولم يتوقف حتى اليوم . وأخطر ما فى الدور الأمريكى أنهم كانوا يخططون ويرتبون من الخلف لافغانستان، وفرضوا خطتهم فرأينا كرازاى رئيسا ثم أشرف غنى من خارج صفوف المجاهدين وطالبان، وإستمر الصراع الدامى حتى اليوم وغدا للاسف الشديد .
فى السودان – إختصارا- قامت ثورة الإنقاذ 1989 أو الانقلاب الاسلامى ضد حكومة منتخبة ديموقراطية برئاسة الصادق المهدى، وهو أيضا اسلامى، ثم استمر الصراع بين أطراف الأنقاذ أنفسهم، وحدثت مجازر دارفور وغيرها ووقع إنفصال الجنوب، كل هذا فى عهد الاسلاميين، واستمر الصراع ولايزال ولم يجتمع شمل الاسلاميين بعد.
أما الصراع الدامى فى العراق – حديثا منذ 1990– فقد بدأ مع غزو صدام حسين للكويت، ولم يكن صدام إسلاميا، وكان من نتيجة ذلك التدخل الامريكى والفتوى الشاذة من العلماء والشيوخ بالاستعانة بغير المسلمين لحماية الكويت، واخراج صدام حسين، فكان تدمير العراق ،ونقل السلطة الى الاسلاميين من الشيعة والسنة الذين حكموا وجاء بعضهم مع بريمر، ولم يتوقف الصراع حتى بعد أن غادر بريمر.
واستمر الصراع حتى اليوم، بل حتى بين بعض فصائل من الشيعة. الصراع على الحكم والسلطة والثروة. ماذا فعل الاسلاميون منذ خمسة عشر سنة فى العراق؟! للأسف شهد العراق دمارا وخرابا لم يلمسه من قبل حتى أيام صدام حسين كما يقول بعضهم اليوم.
كانت المغرب وخصوصا بعد رحيل محمد الخامس ، أقل صراعا داخليا، من غيرها من البلاد العربية ( وخصوصا شمال افريقيا) مثل الجزائر وليبيا وتونس. وفى السنوات العشر الأخيرة تولى الاسلاميون الحكم فيها، ويظل السؤال قائما ماذا تغير بالفعل من التحديات العديدة التى تواجه الحكومات فى تلك الدول مثل البطالة والانتاج والاستيراد والنهضة والخروج من التخلف والفساد والعنف الذى يقع أحيانا، رغم الهدوء والاستقرار النسبى فى المغرب.
أما الصراع فى السعودية فأمره عجيب، وخصوصا مع تولى الأمير محمد بن سلمان السلطة وليا للعهد فى عهد أبيه الملك سلمان الذى غير النظام التقليدى المعهود فى شأن ولاية العهد، وبدأ أخطر صراع داخل الاسرة المالكة منذ توليها الحكم ، وإنتهازها فرصة وجود الحرمين الشريفين تحت الادارة السعودية لتروج أنها الدولة الراعية للاسلام ،وأحيانا الدولة الوحيدة التى تقوم على الاسلام الصحيح وفق تصور الاسرة المالكة والعلماء الذين ساروا فى درب وفهم الشيخ ابن عبدالوهاب فقط لا غير.
ولما كان من سمات الصراع أنه يتسع بمرور الايام فى مثل هذه البيئات ، فقد اتسع الصراع ولم يقتصر فى السعودية على الأسرة المالكة بل شمل العلماء والأمراء المعترضين، وامتد الصراع إلى اليمن ، وبالتنسيق مع الامارات ، وامتد الصراع متمثلا فى حصار قطر الدولة الخليجية الشقيقة ،بل وكانت السعودية ، كما ذكرت المصادر الأمريكية الأعرف بما يدور فى السعودية ، على وشك غزو قطر كما فعل صدام مع الكويت لولا التدخل الأمريكى من جانب وزير الخاريجة السابق تيلرسون، الذى استطاع أن يوقف أو يؤجل هذه الخطة الخبيثة التى تزيد الصراع صراعاً والدمار دماراً. كل صراع له ثمن ، ويحصل عليه بلا تعب من يخطط له وليس من يقع أو يخوض فيه .
هذه بعض نماذج من الصراع، ولايزال الصراع مستمرا وكذلك فى الصومال حتى عندما حكمها الاسلاميون فى عهد الشيخ عبدالرشيد. أما فى مصر فلايزال الصراع مستمرا على جبهات عديدة، سواء إختلف أصحاب الصراع بشأن 30 يوينو أكان ثورة أم كان إنقلابا. وليس هناك من يدرى كيف يتوقف الصراع، أو من يعمل لذلك، مع علم الجميع أن المستفيد الوحيد منه هو الصهيونية واسرائيل والهيمنة والتخلف والفساد والارهاب. وقس على ذلك الصراع فى بقية البلدان مع إختلافات شكلية ونتائج دائما كارثية .
من مشاكل الصراع فى بلادنا أنه عندما يقوم أو ينشب، فإنه يتسع ولا يتوقف ، لأن التخطيط والمخطط للصراع أو المستفيد منه، هو الذى يعرف كيف ومتى يوقف هذا الصراع . والصراع باهظ التكاليف ومدمر، ونحن جميعا نرى ذلك – اسلاميون وعلمانيون -ونقع فيه، وأحيانا نتهم غيرنا ونبرئ أنفسنا . أليس عجيبا ان تستمر فتنة الصراع من آخر أيام الخلفاء الراشدين رضى الله تعالى عنهم وأرضاهم حتى هذا اليوم متمثلا فى فتنة السنة والشيعة، رغم أن العدو الحقيقى فى النهاية لن يترك السنة ولا الشيعة.
فى الخاتمة نقول: هل يتعلم العرب والمسلمون المنغمسون فى الصراع، الحوار بدلا من الصراع. هل يتعلم العرب حتى من الكوريتين، تحاورا وتجاوزا الصراع وطلبت كوريا الجنوبية من أمريكا سحب قواتها وقواعدها العسكرية فأنقذت نفسها من الاستغلال الأمريكى وأنقذت كوريا الشمالية نفسها من المواجهة والابتزاز. وللحديث صلة. وبالله التوفيق
كاتب وسياسي مصري