هل كان هناك مبرر لخصخصة ارامكو حسب رؤيا بن سلمان 2030
وبيع 5% من ارامكو قيمتها السوقية بـ 75 مليار دولار في الوقت الذي تستثمر فيه السعودية 460 مليار دولار في الاقتصاد الامريكي ؟ ومن يقرر اسعار النفط ولمصلحة من؟
د. عبد الحي زلوم
1- هل كان هناك قتلة اقتصاديون ساهموا في وضع رؤيا 2030 ؟
كان أول ما طرأ في خاطري حين قراءتُ موجزاً عن رؤية بن سلمان 2030 أنه كان بين مستشاريه الذين ساهموا في إعدادها قتلة اقتصاديون أمريكيون الذين فضح أمرهم جون بيركنز الذي ٱشتهر بعد تأليفه كتاب “اعترافات قاتل اقتصادي”، الذي ترجم إلى ثلاثين لغة أجنبية يروي خلاله انه بعد تخرجه من الجامعة تمت مقابلته من كبريات وكالات الاستخبارات الأمريكية والتي احالته إلى شركة هندسية استشارية. يروي بيركنز الدور الذي لعبه كقاتل اقتصادي في عمليات الإستعمار الإقتصادي لبلدان العالم الثالث و من خلال رشوة وإبتزاز رؤساء وملوك الدول النامية على قبول أخذ قروض من الولايات المتحدة الأمريكية تحت ذريعة تطوير بنيتها التحتية وجلب التقدم والمنفعة مقابل منح الشركات والبنوك الأمريكية كافة الإمتيازات في جميع المناقصات والعقود، لكن الحقيقة كانت إدخال هذه الدول في مستنقع الديون والتبعية الإقتصادية للولايات المتحدة، و إذا ما حاول أحد الزعماء السياسيين رفض شروط التعاون أو الإذعان للحكومة الأمريكية فإن هذه الأخيرة ترسل أجهزة خاصة سماها في كتابه ب”الجاكلز″ لتصفيته، مستشهداً بما حدث لعدة رؤساء وملوك بدأً بالإطاحة برئيس وزراء إيران السابق محمد مصدق وإغتيال الملك فيصل وعمر توريخوس ببنما إلى صدام حسين في غزو العراق.
صرّح الامير محمد بن سليمان أن القيمة السوقية لارامكو هي 2 تريليون دولار وسارعت الوول ستريت جيرنال بتبخيس السعر وقالت إن قيمتها اقرب الى 1.5 تريليون دولار . اذا فقيمة الـ5% الذي يراد بيعها تساوي 75 مليار دولار حسب تقدير الوول ستريت جيرنال فهل دولة تستطيع أن تستثمر في الاقتصاد الامريكي 460 مليار دولار بحاجة الى 75 مليار دولار ؟ لو اراد بن سلمان ان يبيع 49% من ارامكو وذلك يعني الحصول على 735 مليار دولار فهل هذا المبلغ يساوي بيع جوهرة الاقتصاد السعودي بينما كان يتوفر مثل هذا المبلغ قبل سنتين في صناديق الاستثمار السيادية السعودية في الخارج؟
لكن في المقابل لماذا لا تشتري السعودية في جزء من صناديقها السيادية كبرى شركات النفط الامريكية ايكسون موبيل والتي قيمتها السوقية 345 مليار دولار وتشتري فوقها شركة جيرنال متورز للسيارات وقيمتها السوقية 55 مليار دولار ما مجموعهما 400 مليار { حسب قيمتهما كما في 14/7/2017} بدلاً من الاستثمار في البنية التحتية الامريكية التي ترفض الشركات الامريكية الكبرى المساهمة في بناءها نظراً لعائدها الاقتصادي المتدني ؟ ولم لا تشتري شركة البوونغ وقيمتها السوقية 125 مليار دولار؟
ولا يفوتني هنا أن أبين ان مبلغ 460 مليار دولار يساوي كافة عائدات النفط للعربية السعودية لانتاجها بمعدل 10 مليون برميل وبسعر اليوم 45 دولار يساوي كل مبيعات النفط السعودي لسنتين و 285 يوماً ! هل يحق لنا أن نقول يا حرام خاصة وأن الحكومة السعودية لم تدفع مستحقات مقاوليها مما تسبب في افلاسهم وهم عماد بناء اي خطة تنمية وتسبب في عدم دفع رواتب ومستحقات مئات الاف الغلابة من العمال لدرجة أن جاعوا واضطرت حكومة الهند ان ترسل لمواطنيها الغذاء بالطائرات.
2- مدخرات السعودية في صناديقها السيادية في تناقص ومديونيتها في ازدياد
كان هذا ما كتبته رويترز نقلاً عن خبراء عالميين بعنوان : “هبوط غامض ومستمر في الاحتياطيات الخارجية السعودية”:يبدو أن صافي الأصول الخارجية لدى مؤسسة النقد العربي السعودي ، بسبيله إلى تسجيل انخفاض حاد هذا العام… .فقد انخفضت تلك الأصول من مستوى قياسي بلغ 737 مليار دولار في أغسطس آب 2014 إلى 529 مليارا في نهاية 2016 مع اتجاه الحكومة لتسييل بعض الأصول لتغطية العجز الضخم في الموازنة.” والشيء بالشيء يذكر فكلفة حرب اليمن هي 6 مليارات دولار شهرياً ! وهذا يعني ان اربعة ملايين واربعمائة واربعين الف برميل يوميا اي 44٪ من انتلاج النفط السعودي يذهب لتمويل الحرب علـي اليمن.
3- هل انخفاض اسعار النفط قضاءً وقدراً ؟ ومن الذي يقرره ولمصلحة من ؟
وصلت معدل اسعار النفط في الربع الاول لـ2017 نفس معدلها لسنة 2016 اي 45 دولار للبرميل . فلماذا هذا الهبوط ومن يقرره ؟
دراسة مادةالحالة 096-383-9 في كلية الدراسات العليا للإدارة في جامعة هارفارد تقول:” السيطرة على سعر النفط وكمية انتاجه هما من ركائز الامن القومي الامريكي” وهنا اريد أن أؤكد أن السيطرة على السعر والكم لان السعر مربوط بالكم . فإذا كان السعر والكم من ركائز الامن القومي فمن البديهي ان الولايات المتحدة لا تجيره الى أحد وأنها هي التي تقرره حسب مصالحها وليس لمصالح المنتجين .
في مقابلة مع الشيخ حمد بن جاسم رئيس وزراء قطر السابق مع الفينانشال تايمز “في 15 إبريل 2016 قال فيها :” على ثلاثين عاماً ظلت منطقة الخليج تتحكم باسعار النفط من أجل الغرب . فماذا ربحنا في المقابل؟ عندما كانت أسعار النفط تهبط كانوا يقولون لنا تحكموا في السعر . وعندما كانت تصعد كانوا يصرخون ويقولون لا تفعلوا ذلك.” وهكذا قطع الشيخ حمد بن جاسم قول كل خطيب!!!
4- المستفيد والمتضرر من انخفاض اسعار النفط ؟
عندما انخفض سعر النفط من 105 إلى 45 دولار كمعدل كانت خسارة دول وشعوب دول الخليج المنتجة لحوالي 18 مليون برميل يومياً يساوي حوالي 395 مليار دولار سنوياً نصيب السعودية من هذه الخسارة حوالي 220 مليار دولار سنوياً وهذا يساوي 3 اضعاف الـ5% التي تريد السعودية ان تبيعها من ارامكو . لو كان امر التسعير سيادياً لامكن المحافظة على سعر 100 دولار فما فوق بكل بساطة بخفض الانتاج لاستيعاب الفائض عن الطلب في السوق . ولكن ما هي نتيجة مثل هذا التخفيض ؟؟كان يمكن المحافظة على السعر لو خفضت دول الخليج انتاجها بـ 20% . ثمن مبيع 10 مليون برميل انتاج السعودية على معدل 45 دولار يساوي165 مليار دولار تقريباً . لكن بيع 8 مليون برميل على سعر 110 دولار للبرميل يساوي حوالي 320 مليار دولار .اي لو خفضت السعودية الانتاج بـ20% فقط لكان دخلها افضل ب155 مليار دولارسنوياً افضل من انتاجها 10 مليون بالسعر الحالي بالاضافة انها توفر 2 مليون برميل في اليوم للاجيال القادمة . هنا يستحضرنا السؤال لماذا الانتاج فوق حاجة التنمية وتحويل النفط الى اوراق تذهب الى خزينة الولايات المتحدة لسداد عجوزاتها بدلاً من المحافظة على هذه الثروة في مكامنها؟.. هذا بإفتراض ان دول النفط تستطيع أن تمارس سيادتها في التحكم بكمية الانتاج ؟
عندما نقول أن سعر الـ100 دولار للبرميل ليس رقماً مبالغاً به فقد وصل سعر البرميل في ديسمبر 1979 إلى 38 دولار والتي تساوي بدولارات اليوم 120 دولاراً.
5- من الخاسر ومن المستفيد من هبوط اسعار النفط ؟
الدول المستهلكة وغير المنتجة هي المستفيد الاول . وفي حالتنا هذه نبين ان خسارة دول الجزيرة العربية السنوية لانخفاض السعر من 110 دولار الى 45 دولار يساوي تقريبا 427 مليار دولار سنوياً كان يمكن الحفاظ عليها لو تمّ الابقاء على السعر . ولكن في المقابل تستهلك الولايات المتحدة 18 مليون برميل في اليوم ايضاً وبذلك وفر اقتصادها نفس المبلغ الذي خسرته دول النفط اي 427 مليار دولار . وقد دأبت الولايات المتحدة باللعب باسعار النفط لتحفز اقتصادها عند برودته وزيادة الاسعار عند سخونته .
كان نتيجة خسارة المليارات للدول العربية المنتجة هو قوانين التقشف من زيادة أسعار الوقود والماء والكهرباء وزيادة الرسوم وفرض الضرائب الجديدة بما فيها ضريبة المشتريات وضريبة الدخل من جملة اجراءت أخرى. ولكن في المقابل تمّ تمرير 427 مليار في الولايات المتحدة للمستهلك لتحفيز الاقتصاد وذلك عن طريق خفض اسعار البنزين والماء والكهرباء … الخ فالخسارة اصابت مواطن الدول المنتجة والربح اصاب مواطن الولايات المتحدة . هل تريدون توضيحاً أكثر من ذلك؟
سأل أحد طلبة كلية البترول السعودية في الظهران، وزير بترول المملكة العربية السعودية الاسبق أحمد زكي اليماني في يناير 1981، هذا السؤال:
“المواطن السعودي الذي ينظر إلى السياسة النفطية الحالية سيجد بأن المملكة تنتج أكثر مما يحتاجه اقتصادها، وتبيع نفطها بأسعار أقل من المعدلات الجارية، بل أقل من الأسعار التي تبيع بها دول الخليج الأخرى . … ألا تعتقد بأنه حان الوقت لأن نتوقف عن التضحية بأنفسنا في سبيل إرضاء مستهلكي النفط؟”.
مثل هذه المحادثة لم تغب عن آذان مخابرات الولايات المتحدة، فلقد وردت في إحدى حالات الدراسة ( CASE STUDY ) عن ” السيطرة على النفط العالمي ” لكلية الدراسات العليا للادارة بجامعة هارفارد.
مما يؤسف له أن وَقَفَ بعض وزراء النفط العرب أمام شاشات التلفزة يدافع عن قرار خيبتهم وإغراق الأسواق العالمية بما يزيد عن الطلب مما أدى إلى تدهور الأسعار إلى أقل من النصف وأن قرار انتحارهم الاقتصادي ما هو إلا قرار سيادي موجه ضد صناعة النفط الصخري . بدأ الاعلام الأمريكي بترويج اكذوبة الزيت الصخري وأن الولايات المتحدة قد وصلت الى الاكتفاء الذاتي نفطياً .وبإختصار زاد النفط الصخري من انتاج الولايات المتحدة واحتياطها لكنها ما زالت مستوردةً للنفط كمية تزيد عن كل انتاج الكويت وإن انتاج الزيت الصخري سيصل خلال سنتين الى ذروته وان احتياطي النفط في السعودية نفسها يساوي 265 مليار برميل في حين أن احتياط النفط في الولايات المتحدة بما فيه النفط الصخري يساوي 35 مليار فقط.
خلق الله النفط خلال مئات ملايين السنين كما يقول الجيولوجيون ويقوم بعض عباده بإضاعته بجرة قلم !.
إن الرهان على الولايات المتحدة هو رهان خاسر فإمبراطوريتها في افول.وليس للامبراطوريات حليف ولا صديق فاعتبروا بشاه ايران وماركوس ونوريغا بل وحسني مبارك.
مستشار ومؤلف وباحث