مراهنة السعودية على صفقة قمة الخليج
قاسم عز الدين
القمة الخليجية في المنامة وُصفت قبل انعقادها بـ"قمة التحديات"، بسبب الانحدار السعودي بعد معركتي حلب والموصل. وسرت توقعات بإعلان "حلم الاتحاد الخليجي" لحماية الدول الخليجية مما تسميه العدوانية الإيرانية. لكن القمة أسفرت عن توطيد الصلة مع بريطانيا، مدخلاً تراهن عليه السعودية لإبرام صفقة ضد إيران مع الإدارة الأميركية الجديدة بحسابات مغلوطة.
هي القمة الخليجية السابعة والثلاثون منذ تأسيس مجلس التعاون الخليجي العام 1981، وبموازاة هذه القمم جرى عقد 141 اجتماعاً وزارياً تحضيرياً. وهي في الأغلب الأعم تحاول توطيد التعاون السياسي والاقتصادي والأمني بين الدول الخليجية، من أجل التوصل إلى "حلم الاتحاد" والعملة الموحدة بحسب بيانات قمم العشرية الأولى من القرن الحالي. لكن قمة السنة الماضية (أيار/ مايو 2015) قفزت بحضور فرنسوا هولاند للبحث عن "تحالفات استراتيجية في عالم اليوم لمواجهة التحديات المختلفة"، بحسب تعبير ملك البحرين وعلى وقع مطرقة تغيير واشنطن شراكة روزفيلت ــ عبد العزيز المعروفة باستراتيجية النفط مقابل الأمن.
القمة الحالية "غير مسبوقة" كما وصفتها صحافة السعودية والبحرين. ولم يتبيّن السبق فيها من جدول الأعمال والقرارات والبيان الختامي، سوى ما يمكن استدلاله من معانٍ وراء الكلمات في التعبير عن أزمة خيارات الحرب السعودية في اليمن وسوريا والحروب الأخرى بالوكالة. وهي في حقيقتها وأبعادها نتيجة أزمة المراهنة في هذه الحروب على إضعاف إيران وتحجيمها إلى داخل حدودها كما يحلو لدول الخليج أن يتراءى لها أن يكون ما تسميه "حسن الجوار".
ولم تقف قمة المنامة ولا مستشاروها وإعلاميوها على ما يشير إلى التساؤل عمّا إذا كان من الأفضل إعادة النظر بخيارات سياسية ومراهنات دموية تؤدي إلى اصطدام بحائط مسدود لا كوّة فيه نحو ضوء في آخر النفق. بل على العكس استخلص العديد من خبراء المناسبة، أن تشخيص التحديات لا يشوبه شائبة لكن الشائبة هي في عدم تشخيص الحلول على قول زيادة الشيء من الشيء نفسه لعلّ الشوك يثمر عنباً. وفي هذا السياق درجت أعمال القمة الحالية على ما درجت عليه سابقاً من دون تنقيح لغوي يلائم شيئاً من المتغيرات الإقليمية الكبرى على الأقل في معركتي حلب والموصل وفي التفاهمات الروسية ــ التركية وهي غيض من فيض.
وبقيت القمة على حجر الزاوية في سردية العدوانية الإيرانية وما وصفته في هذا الشأن بتحالف "الطائفية والإرهاب" أي إيران وأنصار الله وحزب الله والحشد الشعبي وليس طائفية حلفاء "داعش" والنصرة والقاعدة وإرهاب هذه الجماعات ومثيلاتها.
السعودية في خياراتها لمواجهة إيران بالحرب على اليمن وفي الحروب الأخرى بالوكالة، تعتمد على خيمة واشنطن وحمايتها. وهي لا ترى أزمة مراهناتها في المنطقة سوى من باب تراجع الولايات المتحدة الأميركية عن بسط خيمتها، وتظنه تراجع "أوباما المتردد" أو ما تسميه تراجع "المجتمع الدولي" عن التدخل العسكري المباشر الذي يعزّز الخيارات السعودية في المنطقة. وفي هذا السبيل لا يخطر للسعودية تغيير مسار الهاوية بالبحث عن سُبل النجاة في إمكانية الحد من الخسائر. إنما تكثّف جهودها مع الدول الخليجية آملة أن تستعيد إدارة ترامب خيمتها فوق السعودية في سياق عداء ترامب وجنرالاته لإيران.
القمة الخليجية ــ البريطانية الموازية في المنامة، قد لا يُعوّل عليها في ما سُمي "شراكة استراتيجية لاحتواء عدوانية إيران". فرئيسة الوزراء البريطانية "تيريزا ماي" لا تُتاح لها صفقة "مارغريت تاتشر" التي حصدت مئات مليارات الدولارات وقت الفورة النفطية. لكنها تحظى بعقود تجارية في سوق خليجي يزداد شحّه يوماً بعد يوم، وتحظى كذلك بمقر عسكري في قاعدة "الجفير" في البحرين، ووعداً بمكاسب "إعادة الإعمار" في اليمن، وذلك أملاً بأن تلعب بريطانيا دوراً مع واشنطن في المراهنة على شراكة استراتيجية أميركية ــ بريطانية ــ كندية.
الحسابات السعودية ترتكز على عدائية دونالد ترامب المعلنة ضد إيران. وأيضاً عدائية وزير دفاعه "جايمس ماتيس" ومستشاره للأمن القومي "مايك فلين". وهي حسابات حقل لغير بيدر تحاول أن تستغل عدائية ترامب لإيران أملاً بأن تتمدّد هذه العدائية إلى عدائية مماثلة ضد روسيا والدولة السورية والعراق وكل ما تراه السعودية مزعجاً. وهي المحاولة نفسها التي يسعى إليها نتانياهو ــ لبيرمان مع الإدارة الأميركية في استغلالهما العدائية المشتركة لإيران، من أجل تمدّد العدائيات إلى ما يزعج إسرائيل. لكن السعودية تراهن أكثر من ذلك على عدائية مشتركة ضد إيران، تعزّز الحلفاء وتعود بالخيمة الأميركية إلى شراكة روزفيلت ــ عبد العزيز.
عداء الإدارة الأميركية الجديدة لإيران هي صراع مصالح ندّية اقتصادية وجيو - سياسية بين طهران وواشنطن في المنظومة الدولية. ولا يندرج في هذا العداء المباشر تقاطعات مع غير إسرائيل ربما. لكنه يندرج فيه طابع آخر من تقليم الأظافر ضد الخليج والسعودية لعل تفعيل قانون "جاستا" أحد أشكاله. واللافت أن السعودية التي يستعصي عليها الوقوف على أزمة خياراتها السياسية والحربية في المنطقة، ربما يحدوها الأمل بأن تنجح صفقة تجارية مع بريطانيا بصفقة سياسية مع واشنطن.
المصدر: الميادين نت