لا ضرائب بدون مشاركة في القرار
هاني الفردان
هناك قول مأثور لعضو محكمة العدل العليا الأميركية أوليفير هولمز قال فيه: إن «الضرائب هي ما ندفعه لقيام مجتمع متمدن».
تستعد البحرين ودول الخليج للتوقيع النهائي على ضريبة القيمة المضافة والسلع الانتقائية، إذ وضع وزراء المالية لدول الخليج العربية الترتيبات النهائية لآلية التطبيق خلال اجتماعهم الذي عُقد الخميس (27 أكتوبر/ تشرين الأول 2016) في مدينة الرياض.
وتعد ضريبة القيمة المضافة ضريبةً غير مباشرة، ويُشار إليها في بعض الأحيان بأنها نوع من أنواع ضريبة الاستهلاك.
وتُفرض في الدول التي تطبقها على معظم توريدات السلع والخدمات التي يتم شراؤها وبيعها.
وتعتبر ضريبة القيمة المضافة واحدةً من أكثر ضرائب الاستهلاك شيوعاً حول العالم، حيث تطبِّق أكثر من 150 دولة ضريبة القيمة المضافة (أو ما يعادلها: ضريبة السلع والخدمات)، بما فيها جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، والبالغ عددها 29 دولة، بالإضافة إلى كندا ونيوزيلندا وأستراليا وسنغافورة وماليزيا، وقرَّرت دول الخليج حديثاً الانضمام إلى هذه المنظومة.
فرض ضريبة مباشرة على المواطنين (ضريبة القيمة المضافة) أثار جدلاً في الشارع البحريني خصوصاً والخليجي عموماً؛ كونها ستمسُّ دخل المواطن بشكل مباشر، وستؤثر فيه، في ظل جملة إجراءات فرضت أخيراً، أثرت بشكل مباشر على دخل المواطنين، منها رفع الدعم عن السلع الرئيسية، رفع أسعار الوقود، تعديل (زيادة) رسوم الكثير من الخدمات الحكومية، واستحداث بعضها، وغيرها.
لا يمكن أن يكون المواطن البحريني ممانعاً في دفع الضرائب، في حالة كانت منظومة الاستثمار في تلك الأموال معروفة وواضحة بشكل شفاف، ولها أثر مباشر وعيني على مصالح الفرد.
لا يمكن أن يكون المواطن ممانعاً في دفع الضرائب، في حال وجد وتلمس عوائدها بشكل مباشر عليه وعلى مجتمعه. ولا يمكن أن يكون المواطن ممانعاً في دفع الضرائب في حال وجد رقابة حقيقية تمثله وتمكنه من محاسبة الحكومة في حال تقصيرها. من أهم الأسباب التي تجعل من الناس رافضين ومتخوفين من فرض الضرائب عليهم، ليس فقط ضعف الدخل، وتدني المستوى المعيشي وارتفاع الأسعار، بل عدم الثقة بالأجهزة التنفيذية، وعدم إيمانهم بوجود منظومة استثمارية شفافة، وعدم قناعتهم بوجود سلطة رقابية حقيقية قادرة على ضبط إيقاع كل تلك العملية.
إذا بدأت البحرين ودول الخليج في اعتبار جيب المواطن شريكاً في حل أزمتها المالية والاقتصادية، فلابد عليها أولاً أن تبدأ في اعتبار هذا المواطن شريكاً في صنع القرار بشكل فعلي وفعال، لا بأشكاله الحالية غير المقنعة ولا المجدية حتى بصورها البسيطة جدّاً.
كمواطن بحريني لو سئلت هذا السؤال: هل أنت مقتنع بأنك شريك في صنع القرار؟ هل أنت مؤمن بوجود سلطة رقابية فاعلة؟ هل تؤمن بوجود شفافية في المنظومة الاستثمارية للدولة؟
سيكون جوابي قطعاً «لا»، لا أجد نفسي شريكاً في صنع أي قرار، بل تفرض علي الأمور فرضاً حتى لو كان عبر تشريع أصدر من تحت قبة البرلمان، فالحقيقة أن هذا البرلمان لا يمثلني، كما لا يمثل فئة أزعم أنها كبيرة في المجتمع من مختلف توجهاته وانتماءاته، سواء كانوا معارضين أم حتى «موالين». سيكون جوابي بـ»لا»، في ظل غياب المنظومة الرقابية الحقيقية على أداء الأجهزة التنفيذية، فمجلس النواب المعني بذلك أضعف من أن يناوش الحكومة في محاسبة مسئول أو حتى سؤاله عن تقصيره، وليس استجوابه وإسقاط الثقة عنه، والأدوات الرقابية الأخرى كديوان الرقابة المالية والإدارية «حبر على ورق» بلا فاعلية، فعلى مدى 13 عاماً من التقارير لم يحاسب أحد على تقصير أو فساد ضجَّت به صفحات تقارير الرقابة.
الحديث عن شفافية منظومة الاستثمار، حدِّث ولا حرج، فهي أصعب من أن يفهمها أحد، أو يستطيع أن يسأل عنها أحد، فيكفي أن ننظر إلى سنوات الرفاهية وعز «ارتفاع أسعار النفط»، فإلى أين ذهبت كل تلك الأموال، ولماذا لم تستثمر تلك الرفاهية لمثل هذه السنوات العجاف؟!
مثال مباشر وحي من واقعنا، فهيئة التأمين الاجتماعي، تحصد أموالها من اشتراكات العمال، ومع ذلك فإن التمثيل العمالي للرقابة على أداء تلك المؤسسة لم يكن موجوداً بشكل حقيقي، وعندما وجد لم يشكل قوة وفارقاً، ومنذ سنوات سحب منهم ذلك التمثيل، وأصبحت أموال العمال والمتقاعدين في «مهب الريح» حتى اعتبر «فساد التأمينات» من أكثر الملفات الشائكة في البحرين.
لكي أكون شريكاً في الحل، ولكي أقبل بالضرائب ونتجه نحو المجتمع «المتمدن»، يجب على الدولة أن تقدم لي الضمانات الكافية والفاعلة في المشاركة بصنع القرار، ووجود الرقابة الحقيقية وشفافية الاستثمار.