عودة الجزائر لدورها كوسيط.. وتنازل السعودية.. ومرونة ايران.. كلها عوامل تقف خلف اتفاق النفط التاريخي..
وإنقاذ أوبك من الانهيار.. وتحسن تدريجي في الأسعار.. فهل يتم الحفاظ على هذا الانجاز؟ وما هي مخاطر انهياره؟
الاتفاق “التاريخي” الذي توصل اليه وزراء نفط أوبك في اجتماعهم التشاوري في الجزائر يوم الأربعاء الماضي، حقق ايجابيات كبيرة، أولها انقاذ المنظمة من الانهيار، وثانيها تجاوز الخلاف الإيراني السعودي الذي كان عقبة في استقرار الإنتاج، وبالتالي الأسعار طوال العامين الماضيين، وثالثها عودة الجزائر كوسيط يحظى باحترام الجميع، بسبب موقفها الحيادي وعلاقاتها الطيبة مع معظم الدول الاعضاء.
الاختراق الكبير الذي حدث في الجزائر جاء بسبب “تنازل” السعودية عن موقفها المتصلب، والموافقة ليس فقط على تجميد الإنتاج، وانما خفضه، واستثناء ثلاث دول وهي نيجيريا وليبيا، الى جانب ايران من أي تجميد، او تخفيض بسبب ظروفها الخاصة.
الاتفاق نص على تحديد سقف اعلى للإنتاج في حدود 32.4 ـ 33 مليون برميل يوميا، مما يعني خفض الإنتاج بحدود 750 الف برميل، من المتوقع ان تتحمل الدول الخليجية الثلاث أي السعودية والامارات والكويت الحصة الأكبر، ان لم يكن الحصة كلها، فهذه الدول الثلاث زادت انتاجها بحوالي 1.75 مليون برميل على مدى العامين الماضيين.
روسيا الدولة التي تحتل المرتبة الاولى في انتاج النفط وتصديره خارج أوبك رحبت بالاتفاق، ولكنها تعارض أي تخفيض لإنتاجها، مثلما قال وزير نفطها الكسندر نوفاك، ولكنها ستوافق حتما على تجميد الإنتاج مثلما تعهدت في مؤتمر الدوحة في نيسان (ابريل) الماضي، وهو الاتفاق الذي اجهضته السعودية بسبب إصرارها على التزام ايران بتجميد انتاجها اسوة بالآخرين، وهو ما لم يحدث.
المحللون والخبراء يطالبون بتوخي الحذر، وعدم الإغراق في التفاؤل رغم ارتفاع أسعار النفط، وملامستها حاجز الخمسين دولار النفسي، ويقولون ان هناك بعض جوانب غامضة في الاتفاق، خاصة حول آليات التطبيق، ومدى امكانية الالتزام بالتجميد وحجم الخفض للإنتاج.
السيد عبد الصمد العوضي، الخبير الكويتي العالمي بقطاع النفط، قال لـ “راي اليوم” معلقا على الاتفاق “لا شك ان السعودية قدمت تنازلا كبيرا أنقذ المنظمة (أوبك) بقبولها للمرة الأولى بخفض انتاجها وليس فقد تجميده، واستعادة بذلك مكانتها داخلها، وتوقع “ان تطالب السعودية الامارات والكويت بتحمل عبء تخفيض الإنتاج معها، وتقاسم الكمية المطلوب تخفيضها وهي 750 الف برميل”.
المملكة العربية السعودية أقدمت على هذا الموقف المرن، في رأي هذه الصحيفة “راي اليوم”، لانها ادركت انها الخاسر الأكبر من تدهور الأسعار في وقت تتضاعف فيه خسائرها المادية، بسبب انخفاض الأسعار مما أدى الى تراجع احتياطاتها المالية الى حوالي 450 مليار دولار، بعد ان كانت تقترب من 800 مليار دولار، وارتفاع العجز في موازنتها، وزيادة أعباء الحرب في اليمن، وتصاعد التذمر في أوساط مواطنيها بسبب سياسية التقشف التي بدأت فرضها في محاولة لسد العجز في الميزانية.
وجاء اعتماد النواب والشيوخ الأمريكي لقانون “العدالة ضد رعاة الإرهاب” ليحدث تحولا في الموقف السعودي تجاه الحليف الأمريكي من حيث وضع السياسات النفطية التي تراعي مصالح شعبها دون أي اعتبار لموقف أمريكا، مثلما كان عليه الحال طوال السنوات الخمسين الماضية، وحتى قبل تأسيس منظمة أوبك.
السعودية بدأت الآن خطوات متساءلة لتحسين صورتها في العالم، وتوظف شركات علاقات عامة في هذا الإطار، ولعل الخطوة الأبرز هي كسب الدول الأعضاء في منظمة أوبك التي تضررت كثيرا من سياستها السابقة الرافضة لتجميد الإنتاج كخطوة أولى لرفع الأسعار، مثل فنزويلا والجزائر ونيجيريا وليبيا والعراق، على حد قول السيد العوضي.
اتفاق الجزائر النفطي يشكل “صحوة” سعودية وعقلانية إيرانية، وعودة جزائرية للساحة النفطية، وربما السياسية كوسيط فاعل مقبول بعد غياب استمر حوالي العقدين.
“راي اليوم”