سلمان يفاجئ مواطنيه بإصدار أوامر بتخفيض مرتبات وامتيازات الوزراء وأعضاء مجلس الشورى..
هل هي مقدمة لفرض ضرائب وتخفيض رواتب موظفي الدولة والجيش والامن؟ وما هي النتائج المترتبة على ذلك؟
فاجأ العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز مواطنيه اليوم (الاثنين)، عندما أصدر مجموعة من الأوامر الملكية بتخفيض رواتب ومزايا الوزراء وأعضاء مجلس الشورى، بنسب تتراوح بين 15 – و20 بالمئة، في إطار سياسة التقشف التي تمارسها حكومته لخفض النفقات، وسد العجز في الموازنة العامة، التي بلغت 90 مليار دولار هذا العام، ومئة مليار العام السابق.
هذه الخطوة جاءت بعد ما يقرب العام من تخفيض السلطات السعودية للدعم على المحروقات، والخدمات الأساسية، مثل البنزين والكهرباء والماء، وفرض ضرائب غير مباشرة على المواطنين، مثل ضريبة القيمة المضافة، وزيادة الرسوم على الكثير من المعاملات والوثائق الرسمية.
البدء بتخفيض رواتب الوزراء ومكافآت أعضاء مجلس الشورى، قد يكون مقدمة تمهيدية لتخفيض مرتبات العاملين في القطاع العام، او الوظائف الحكومية الرسمية، لان تخفيض رواتب الوزراء وأعضاء مجلس الشورى على أهميته لن يوفر مبالغ كبيرة تنقذ ميزانية الدولة من عجزها الضخم، لان عدد هؤلاء مجتمعين لا يزيد عن 200 شخص في أفضل الأحوال.
وما يعزز هذا الافتراض تأكيد البيان الصادر عن الديوان الملكي، ان العاهل السعودي أصدر امرا ملكيا بعدم تخفيض أجور، او بدلات المشاركين في العمليات العسكرية جنوب المملكة، أي على الحدود اليمنية السعودية التي تشهد معارك طاحنة، الى جانب المشاركين في العمليات العسكرية والاستخبارية والأمنية خارج الوطن، في إشارة الى القوات السعودية التي تقاتل داخل اليمن نفسه أيضا، الامر الذي يوحي بأن زملاءهم الآخرين الذين يتواجدون في مناطق لا توجد فيها عمليات عسكرية، ربما يواجهون تخفيضات في مرتباتهم وامتيازاتهم لاحقا.
قبل بضعة أيام صدر تقرير عن شركة “كامكو” العالمية للاستثمار، ومكتبها في الكويت، يرسم صورة قاتمة عن العجوزات في موازنات معظم الدول الخليجية، ويقدرها بحوالي 153 مليار دولار حتى نهاية العام 2016، وتستحوذ المملكة العربية السعودية وحدها على ما نسبته 55 بالمئة من هذه العجوزات (84 مليار دولار)، تليها الكويت وقطر والامارات.
مشكلة السعودية الحقيقية ليست في انفاقها الداخلي، وانما في التزاماتها وتدخلاتها العسكرية في اليمن وسورية والعراق، والمساعدات المالية الضخمة لحلفائها في “عاصفة الحزم” المباشرة منها او غير المباشرة، فالحروب في البلدين الاولين (اليمن وسورية) مكلفة جدا ماديا وبشريا، بسبب صفقات الأسلحة الضخمة التي يتم شراؤها لتعويض الخسائر في الجبهات، وتقدر بمليارات الدولارات.
النقطة الأهم التي لا يلتفت اليها كثيرون داخل السعودية خصوصا، ان المملكة باتت مسؤولة عن اعاشة عشرين مليون يمني على الأقل وحكومتهم، وسفارات بلادهم في العالم بأسره، الامر الذي يضيف عبئا باهظا على كاهل الميزانية السعودية، ولسوء حظ القيادة السعودية من كل ذلك، ان هذا العبء ربما يستمر لسنوات في ظل غياب الحسم العسكري والحلول السياسية للازمة اليمنية.
لا نعتقد ان المواطنين السعوديين سيتقبلون سياسات التقشف هذه، وتخفيض الرواتب التي يمكن ان تطبق عليهم في المستقبل المنظور، وسيشعرون بالقلق ازائها، لان رواتبهم، او بالأحرى الغالبية العظمى منها، تظل منخفضة بالمقارنة بحالة الغلاء المتصاعدة في مختلف أوجه الحياة المعيشية، وبعد رفع الدعم عن سلع أساسية، والرسوم والضرائب الخفية.
رواتب الوزراء مرتفعة جدا، ومكافآت أعضاء مجلس الشورى كذلك أيضا، وتخفيضها بنسبة 20 بالمئة لن يؤثر كثيرا على نمط معيشهم، ولكن أي تخفيضات ولو بنسب اقل كثيرا، تُفرض على رواتب الموظفين الصغار، او المتوسطين، ستترتب عليها معاناة حقيقية، لان الشعب السعودي تعود على الرخاء والرفاهية، ولا يوجد أي سبب حقيقي لتقشفه، واذا وجد هذا السبب فليس له دخل فيه، ولم يستشر به.
سيتساءل المواطن السعودي عن الثروات والامتيازات الطائلة للأمراء وعليّة القوم وارصدة كبار التجار ورجال الاعمال، وعما إذا كان هؤلاء سيتحملون مسؤولية الأوضاع المالية المتدهورة لبلادهم، مثلما سيطالب في الوقت نفسه بحقوقه السياسية طالما ان “دولة الرفاه” بدأت تتآكل تدريجيا.
المملكة العربية السعودية مقبلة على أوضاع مالية وسياسية صعبة، والعقد الاجتماعي بين الدولة والمواطن، الذي ساد طوال السنوات الثمانين الماضية، يواجه امتحانا عسيرا، وقد لا يصمد طويلا.