هكذا تعلم قادة الشرق الأوسط دروسا خاطئة من تجربة جورباتشوف

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 787
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

في 30 أغسطس/آب الماضي، توفي آخر رئيس حكم الاتحاد السوفييتي، وهو "ميخائيل جورباتشوف". وتعد هذه فرصة لمراجعة دوره في انهيار الاتحاد بعد عملية الإصلاح الواسعة التي أطلقها لاستخلاص الدروس المتعلقة بهذه العملية الحساسة.

وكان هدف عملية الإصلاح هو جعل النظام السوفيتي والشيوعية أقوى، لكنها تسببت عن غير قصد في انهيار الاتحاد السوفييتي بشكل كامل. وقد تجنبت حكومات الشرق الأوسط تنفيذ الإصلاحات السياسية نفسها لمنع مثل هذه النتيجة لأنظمتها الخاصة.

المهم أن نتذكر أن "جورباتشوف" كان مؤمنًا حقيقيًا بالشيوعية وترقى في المناصب حتى وصل في النهاية إلى أعلى منصب في الحزب والدولة. وكانت المشكلة، كما رآها "جورباتشوف"، أن الحزب انحرف عن مبادئ مؤسس الاتحاد السوفيتي "فلاديمير لينين".

ومن وجهة نظر "جورباتشوف"، لم يفرض "جوزيف ستالين" (خليفة "لينين") دولة بوليسية شريرة وقمعية فحسب، بل أنشأ نظامًا اقتصاديًا غير فعال وغير قادر على المنافسة. وبينما حاول خلفاء "ستالين" تخفيف تجاوزات الدولة البوليسية، إلا أنهم لم يولوا اهتمامًا كافياً للفكر الحر والابتكار لحل مشاكل الاتحاد السوفيتي التي لا تعد ولا تحصى، ولا سيما في المجال الاقتصادي.

وكان "جورباتشوف" يقضي أحيانًا بعض الوقت في الريف لقراءة أعمال "لينين"، معتقدًا أنه سيجد إجابة لمشاكل الاتحاد السوفيتي في هذه الكتابات. وما لم يتوقعه هو أن غالبية شعوب الاتحاد سئمت من النظام الذي أنشأه "لينين" لدرجة أن الإصلاح الجزئي لم يعد يرضيهم. لقد أرادوا التخلص من النظام في مجمله.

ومن ثم، عندما بدأ "جورباتشوف" عملية الإصلاح التي تضمنت "الجلاسنوست" (الانفتاح) و"البيرسترويكا" (إعادة الهيكلة)، توفرت حرية سياسية كافية للمواطنين ليعلنوا أن عدم رغبتهم في استمرار هذا النظام. وكانت هذا الهامش من الحرية كافيا لإطلاق تحركات انتهت بانهيار الاتحاد السوفيتي.

وفي أعقاب الانقلاب الفاشل ضده من قبل بعض المتشددين السوفييت، في أغسطس/آب من عام 1991، عاد "جورباتشوف" إلى موسكو وألقى كلمة في البرلمان السوفيتي، وتخلل خطابه تعليقات تشير إلى أنه لا يزال يؤمن بالنظام الشيوعي، ومنزعجا من المشاعر المعادية للشيوعية.

وسار عدد من المواطنين إلى تمثال "فيليكس دزيرجينسكي" (الشخص الذي اختاره لينين لقيادة الشرطة السرية السوفيتية المخيفة) وقاموا بتحطيمه. وكان هذا العمل الرمزي إيذانًا بالنهاية الوشيكة لنظام سياسي فاشل. وبعد بضعة أشهر، انهار الاتحاد السوفيتي وحصلت الجمهوريات السوفيتية على الاستقلال.

((12))

دروس التاريخ

يشكل الإصلاح - الجزئي أو الشامل - تهديدا خطيرا في أذهان القادة الاستبداديين لأنهم لا يستطيعون التحكم في الآثار الجانبية لهذه العملية. ولا يعد قادة الشرق الأوسط استثناء من ذلك. وبينما يتشدق هؤلاء أحيانًا بالإصلاح، فقد اتبع معظمهم سياسات قمعية، وكان بعضهم محظوظا بوفرة الموارد المالية لشراء ولاء شعوبهم.

على سبيل المثال، يعتقد الرئيس المصري "عبد الفتاح السيسي"، على ما يبدو، أن أكبر أخطاء الرئيس الأسبق "حسني مبارك" كانت ترك هامش من الحرية في العقد الذي سبق الربيع العربي. ويبدو أن "السيسي" مصمم على عدم تكرار ما يراها أخطاءً فادحة ارتكبها سلفه؛ لذلك يحتفظ بقبضة أمنية وسياسات قمعية غير عادية.

وفي السعودية، رسم ولي العهد الأمير "محمد بن سلمان" خطا فاصلا واضحًا بين الإصلاحات الاجتماعية (التي فرضها من الأعلى) والإصلاحات السياسية (التي عارضها بشدة). وما تزال الاعتقالات ضد المعارضين في تزايد، كما هو الحال في بعض دول الخليج الأخرى.

ومع ذلك، فقد أظهر التاريخ أن القمع ليس استراتيجية رابحة على المدى الطويل. وليس بالضرورة أن يؤدي الإصلاح إلى انهيار الدولة والإطاحة بالقادة السياسيين. على العكس من ذلك، يمكن أن تمنح الإصلاحات السياسية شرعية مطلوبة بشدة لقادة الدول الاستبدادية، حيث سيكون العديد من النشطاء السياسيين والمواطنين ممتنين للعمل والعيش في بلد لا يؤدي فيه التعبير عن الرأي إلى السجن.

ويمكن للأنظمة الملكية تعزيز قوتها عبر الأخذ بسمات الملكيات الدستورية الحقيقية (وليس فقط البرلمانات الزائفة) التي تخدم مصالح مواطنيها. ولم يعد الشباب في دول الخليج غافلًا عن الحريات السياسية التي تتمتع بها الدول الغربية، وهذه الحقيقة وحدها يجب أن تدفع حكومات الخليج إلى اتخاذ إجراءات حقيقية.

ولتجنب مصير الاتحاد السوفيتي، يحتاج قادة الشرق الأوسط إلى وضع خارطة طريق للإصلاح الحقيقي تكون تدريجية، لكنها مع ذلك ذات مغزى من أجل إعطاء الشباب إحساسًا بأنه سيكون لهم رأي في القضايا التي تهمهم.

وهناك حقيقة واحدة واضحة هي أن الشباب العربي يريد مستقبلاً أفضل، وليس فقط منظورًا اقتصاديًا أفضل، بل حقوقًا سياسية أيضًا. إن تصور الإصلاح السياسي على أنه شيء يجب تجنبه بأي ثمن هو تجاهل لتطلعات الشباب الذي بات يشكل كتلة مهمة مما يهدد نموذج الحكم الحالي في الخليج على المدى الطويل.

 

المصدر | غريغوري أفتانديليان / منتدى الخليج الدولي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد