النيران تشتعل في الشرق الأوسط.. وواشنطن المسؤول الأكبر

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 1905
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

 لطالما اعتبرت منشأة "بقيق" لتجهيز النفط في السعودية نقطة اختناق ضعيفة في تجارة النفط العالمية. ومن الضروري فصل الغاز الضار وتحقيق الاستقرار في النفط الخام لجعله آمنا للنقل على صهاريج النقل إلى المحيط، ويمكن للمنشأة معالجة حوالي 7 ملايين برميل من النفط الخام يوميا، وهو ما يمثل حوالي 8% من إجمالي إنتاج النفط العالمي. وبالتالي، فليس من المستغرب أن الهجوم الأخير على بقيق، الذي أدى مؤقتا إلى إخراج نصف إنتاج السعودية من السوق أدى إلى ارتفاع حاد في أسعار النفط.
أعلنت حركة "الحوثي" في اليمن، التي أصبحت الحكومة الفعلية في معظم الأجزاء الشمالية والغربية من ذلك البلد مسؤوليتها عن الهجوم، والذي يعد محاولة الحوثيين الأخيرة للرد على الدمار الذي خلفته الحرب الجوية السعودية على اليمن. والتي حولت اليمن إلى الكارثة الإنسانية الأولى في العالم. ورغم أن قدرات الحوثيين على إلحاق الضرر تحسنت مع مرور الوقت، فإن محاولات الانتقام لا تقارن بالمعاناة الإنسانية الهائلة التي لحقت باليمنيين.
ونظرًا لمسار الحرب في اليمن وآثارها غير المباشرة، قامت الإمارات بالشيء الصحيح مؤخرا حين قررت إخراج نفسها من الحرب، كما فعل الكونجرس الأمريكي الشيء الصحيح حين أصدر قرارا من الحزبين بسحب مشاركة الولايات المتحدة في الحرب، لكن الرئيس "دونالد ترامب" فعل الشيء الخطأ باعتراضه على ذلك القرار.

إذكاء الصراع
وفي غضون ساعات من الهجوم على بقيق، رد وزير الخارجية "مايك بومبيو" بالطريقة التي يتفاعل بها دائما مع أي مشكلة في الشرق الأوسط، وهو إلقاء اللوم الكامل على إيران بشكل لا لبس فيه. وقال "بومبيو": "ليس هناك دليل على أن الهجمات جاءت من اليمن"، في بيان سريع مثير للاهتمام لم يراع التبني السريع من الحوثيين للمسؤولية، لا سيما أن "بومبيو" لم يقدم أي دليل على تأكيده على تورط إيران.
ويمكن قراءة إعلان وزير الخارجية السريع والاستباقي في إطار التصريحات المتسرعة من جانب صانعي السياسة في الولايات المتحدة حول أنشطة خصومهم، التي أصبحت مقدمة للحروب الأمريكية. خلال إدارة "ليندون جونسون" كان هناك إعلان سريع بأن فيتنام الشمالية هاجمت السفن الحربية الأمريكية في المياه المفتوحة لخليج تونكين في أغسطس/آب 1964. وخلال زمن إدارة "جورج دبليو بوش" كان إعلان "ديك تشيني" نائب الرئيس أن "صدام حسين" لديه الآن أسلحة دمار شامل النقطة الافتتاحية في حملة تسويق حرب هجومية ضد العراق.
وأعقب كل هذه الإعلانات ضغوط كبيرة للبحث عن أدلة لدعم ما أعلنته السلطة السياسية بالفعل. وبالنظر إلى ميول وممارسات الإدارة الحالية، ليس هناك شك في أن شيئا مماثلا يحدث داخل السلطة التنفيذية اليوم.
وإذا أرادت الإدارة تقديم حجة مشروعة مفادها أن إيران ربما تكون قد قامت بالهجوم على بقيق، فلن تحتاج إلى الاعتماد على تفسيرات مشكوك فيها للصور أو أي مواد أخرى ستعلن عنها. ويمكنها أن تشير فقط إلى دوافع إيران ونواياها والحوافز التي ولدتها سياسات الولايات المتحدة.
لكن على عكس ما يروج له "بومبيو"، فلا تملك إيران في حمضها النووي رغبة ذاتية في مهاجمة الصناعات النفطية في البلدان الأخرى. وكانت المرة الأولى التي أصبحت فيها البنية التحتية النفطية لدول الخليج هدفا لإيران خلال الحرب الإيرانية العراقية المدمرة للغاية في الثمانينيات. وكان العراق هو من بدأ الحرب وهاجم منشآت النفط الإيرانية، ودعمت دول الخليج العربية المجهود الحربي للعراق. لذلك بطبيعة الحال حاولت إيران الرد، وكذلك كان الحال مع "حرب الناقلات" في الخليج. وعلى النقيض خلال فترة سريان الاتفاق النووي، كان لدى إيران سبب قوي لعدم ممارسة ألعاب عنيفة مع البنية التحتية النفطية لأي دولة خشية أن يؤدي هذا التطور إلى ردود فعل عنيفة تضر بصناعة النفط الخاصة بها، والتي كانت مهمة جدًا لاقتصاد إيران.
لكن كل ذلك تغير في العام الماضي عندما تخلت إدارة "ترامب" تماما عن التزامات الولايات المتحدة بموجب الاتفاقية التي قيدت البرنامج النووي الإيراني على الرغم من وفاء إيران بالتزاماتها الصارمة بموجب الاتفاقية. وبدأت واشنطن على إثر ذلك حملة "أقصى قدر من الضغط" على طهران، وهي الحملة التي أصبحت حربا اقتصادية غير مقيدة ضد إيران. وقد أبدت إيران التزامها بالاتفاقية من خلال الوفاء بالتزاماتها لمدة عام آخر على الرغم من عدم امتثال للولايات المتحدة. لكن في وقت سابق من هذا العام، نفد صبر إيران، خاصة عندما أنهى "ترامب" آخر الإعفاءات للدول التي كانت لا تزال تستورد النفط الإيراني، وأعلن هدفه تخفيض مبيعات النفط الإيراني إلى الصفر.

البحث عن مخرج
وقد أكد "بومبيو" في تغريدة له أن "إيران شنت الآن هجومًا غير مسبوق على إمدادات الطاقة في العالم". وعلى مدار العام ونصف العام الماضيين، كانت الولايات المتحدة تهاجم، من خلال الضغط الاقتصادي والسياسي، إمدادات الطاقة القادمة من إيران. وعلى سبيل المقارنة، بلغ إنتاج النفط الإيراني 5 ملايين برميل يوميًا في عهد الشاه ولم يكن أقل بكثير من 4 ملايين برميل يوميًا خلال معظم التسعينات والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين. وتهدف السياسة الأمريكية إلى إبقاء هذا النفط خارج السوق إلى أجل غير مسمى. وتشير التقديرات الأولية لتأثير هجوم بقيق إلى انقطاع قدره حوالي 5 ملايين برميل يوميًا، والتي، وفقا لسرعة عمليات الإصلاح، يمكن استعادتها جزئيا خلال أيام واستعادتها تماما في غضون بضعة أسابيع.

وقد كان القادة الإيرانيون صريحين في تحذيرهم من أنه إذا لم تتمكن إيران من تصدير نفطها، فلن يكون بمقدور المنتجين الخليجيين الآخرين القيام بذلك لكن إدارة "ترامب" لم تكن تستمتع.

وبعبارة أخرى، لا يوجد دليل على أنه في غياب الحرب الاقتصادية للإدارة ضد إيران، فإن إيران كانت لتفعل أي شيء مثل مهاجمة منشأة بقيق أو سيكون لديها أي حافز للقيام بمثل هذا الهجوم. وتعد هجمات إيران نتيجة مباشرة وغير مفاجئة لسياسة الإدارة المتمثلة في العداء المتواصل وإلحاق الألم الاقتصادي بلا نهاية واضحة.

قد يبدو إذكاء النزاعات، إما من خلال الحرب الاقتصادية أو تسهيل القصف الجوي، بمثابة سياسة قابلة للتطبيق إذا تجاهل المرء قدرة الطرف الآخر على الرد. لكن لا الحوثيين ولا الإيرانيين كانوا سيمثلون أنهم موتى في مواجهة حملة التركيع الأمريكية. واليوم، يبقى السبيل الوحيد للخروج من الفوضى هو التراجع عن الحملة بما يكفي لجعل الدبلوماسية ممكنة، وهو الطريق الذي أظهر الرئيس "ترامب" مؤخرا اهتمامه به. لا يزال هذا هو السبيل الوحيد للخروج، على الرغم من تعرض هذا الاحتمال لانتكاسة بعد حادث بقيق.


المصدر | باول بيلار - ناشيونال إنترست