رغم طمأنة الحكومة المستمرة.. السيول ترعب السعوديين

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 3230
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

بدأت كوارث السعودية مع السيول عام 2009، عندما راح ضحيتها أكثر من 100 مواطن ومقيم في جدة، ومع ذلك ما يزال الخوف من خطر السيول قائمًا، مع توقع أن تجتاح مدن وقرى السعودية.

وهذه السيول التي خلفت قتلى ومصابين وخسائر مادية تُقدر بملايين الدولارات؛ تغرق الأنفاق والطرق الرئيسية، وتحتجز السعوديين داخل سياراتهم، وتؤدي إلى تعطيل مرافق الحياة كافة. ومع اعتبار مشاهد إنقاذ السعوديين للأشخاص والعائلات العالقة وسط السيول مادة دسمة على شبكات التواصل الاجتماعي، لا يغفل السعوديون عن تحميل الجهات الرسمية مسؤولية الكوارث الناجمة عن السيول، مع إدراكهم أن سبب فشل مشاريع البنى التحتية
أمام السيول هو الفساد، وقد شهد الخريف السابق لهذا الشتاء وقوع ضحايا للسيول، وهو ما يجعل السعوديين متخوفين من عدم جاهزية بلادهم لموسم أمطار هذا العام (2016).

سيول السعودية كارثية

في أبريل (نيسان) الماضي، كان السعوديون على موعد مع أمطار غزيرة أربكت حياتهم اليومية، فقد داهمت السيول منازلهم وقطعت الطرق، والنكسة كانت في وفاة 18 شخصًا خلال أسبوع واحد من الأمطار الغزيرة، أما في أغسطس (آب) فقد تسببت فيه السيول بغرق 20 شخصًا، وعزل ومحاصرة عشرات القرى في منطقة جازان جنوب غرب السعودية.

يأتي هذا الحدث مع توالي الأخبار المحلية في السعودية التي تؤكد جاهزية تعامل الحكومة مع السيول، كما يعلن قيام لجنة الأمطار والسيول بتوفير الآليات والتجهيزات، وتنظيف منهولات شبكة تصريف مياه الأمطار في المدن السعودية.

وكما تقول أمانة منطقة الرياض، فثمة خطة متكاملة تعمل على تنفيذها الإدارة العامة للتشغيل والصيانة، وسط إمكانيات بشرية وآلية عالية تدعمها منظومة تقنية متكاملة، وقد أنشأت أمانة منطقة الرياض «مركز المراقبة والتحكم»، لمراقبة الأنفاق خلال موسم الأمطار باستخدام نظام «أسكادا»، الذي يعمل على مراقبة مستويات المياه داخل الخزانات التجميعية، وإمكانية تشغيل المضخات الغاطسة عن بُعد.

 

وتوجهت المؤسسات السعودية نحو استخدام الإنترنت، كتطبيق «حاذر» الذي يقدم معلومات لسكان المدينة، عن المواقع الحرجة في مدينة الرياض، أثناء مواسم هطول الأمطار، كما أنه يمكن استخدام أجهزة الجوال التي تدعم تقنية تحديد المواقع (GPS).

وقال مدير عام التشغيل والصيانة في الأمانة عبد الله الشريف: «لدى الأمانة خطة طوارئ شاملة تتضمن تجنيد مشرف وفني وعامل يباشرون جميع مواقع التجمعات فور هطول الأمطار، مزودين بأكثر من 600 معدة لنزح مياه الأمطار، كما تضمنت خطة الطوارئ مسؤوليات وواجبات كل الجهات المشاركة أثناء هطول الأمطار، وعمليات التنسيق مع كل من الدفاع المدني، والشرطة، والدوريات الأمنية، وهيئة الأرصاد وحماية البيئة، والمرور، ووزارة النقل، وشركة المياه الوطنية، والشركة السعودية للكهرباء.«

ويخاف السعوديون من تكرار كوارث السيول، وقد توقع محلل الطقس والباحث في الظواهر المناخية زياد الجهني أن: «يشهد فصل الخريف هذا العام بجدة والقصيم والساحل الغربي هطول سيول غزيرة، كتلك التي شهدتها منطقة القصيم عام 2008، ومحافظة جدة في 2010«، يذكر أن حادثة سيول جدة التي وقعت في 25 نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2009، والتي تعرف بـ«الأربعاء الأسود» راح ضحيتها أكثر من 100 شخص، وأصيب المئات، وقدرت خسائرها بأكثر من 4,5 مليار دولار، منها الطرق والسيارات والمنازل.

أسباب السيول

السعودية كغيرها من دول الخليج معرضة بفعل الجغرافيا لكميات كبيرة من الأمطار، فهي منطقة صحراوية قد تأتيها الأمطار على شكل فيضانات لحظية غير متنبئ بها، تسبب آثارًا مدمرة، إذ تتجه مياه الأمطار إلى المسار المنخفض في الأرض، ويصعب رفعها إلى أعلى بواسطة المضخات.

 

وشهدت السعودية في السنوات الأخيرة العديد من كوارث السيول، رغم أنه حسب إفادة الاتحاد العربي لعلوم الفضاء تعد الأمطار التي عمت مناطق المملكة طبيعية جدًّا.

ويمكن القول إن نمو المدن السعودية خلال العقدين الماضيين عمرانيًّا أدى لارتفاع معدل استهلاك المياه، وهو ما زاد من كميات المياه المجلوبة للسكان، في ظل عدم اكتمال شبكات الصرف في مناطق عدة، نجم عن ذلك ارتفاع منسوب المياه الأرضية، وظهورها على سطح الأرض في بعض المناطق، وحدوث مشكلات بيئية وهندسية عديدة.

يقول الباحث الاقتصادي أحمد الدايل، إنّ «البنية التحتية السيئة جعلت الأمر يبدو كارثيًّا، حيث إنّ عدم وجود شبكة تصريف، بخاصة الجسور، جعلت المركبات تعلق في بحر من المياه»، إذًا المملكة غير مجهزة ببنى تحتية مؤهلة لتصريف السيول، حيث يعتبر غياب مشروعات تصريف السيول أحد الأسباب لهذه الكوارث، وهو ما يعني عجز الحكومة السعودية عن توظيف الموارد الضخمة للمملكة من عائدات النفط لمثل هذه المشاريع الحيوية».

وأضاف الدايل، أن «52% من أحياء العاصمة تخلو من شبكات تصريف السيول، ونسبة 26% من أحيائها تحت التنفيذ، كذلك توقف الصرف على البنية التحتية لتصريف السيول والأمطار 17 عامًا»؛ لذلك فإن «29 مدينة مهددة بمياه الأمطار، حيث إنّ مشروعات تصريف مياه الأمطار لا تغطي سوى 50% في المدن الرئيسة، و10% في المحافظات»، بحسب ما تشير الدراسات والتقارير.

كما أكّد أمين عام الهيئة السعودية للمهندسين الأسبق، صالح بن عبد الرحمن العمرو، فإن «من الأسباب الرئيسة التي أدت إلى عدم الاهتمام بمشروعات تصريف السيول، هي عدم الربط بين اعتماد المخططات السكنية للتنمية العمرانية، والدراسات الهيدرولوجية، بخاصة بعد كارثة سيول مدينة جدة».

ويمكن إضافة أسباب أخرى، كضعف مشروعات «سفلتة» الطرقات، والأساليب الخاطئة المتبعة في ردم الحفريات التي تسبب طفح المجاري.

من جانبه يرى محلل الطقس، والباحث في الظواهر المناخية زياد الجهني، أن «ضعف قدرة سدود المملكة الاستيعابية على حجز كميات وفيرة من مياه الأمطار الغزيرة؛ نتيجة ارتفاع مستوى الطمي في معظم أحواضها، تهدد المواطنين الذين توجد مساكنهم أو استراحاتهم في بطون الأودية بالمملكة».

الفساد يحول دون حل مشكلة السيول

«غرق المدن ليس مستغربًا في ظل وجود الفساد، وغياب معايير لتعيين الكفاءات، لا هندسة ولا إدارة للمشاريع، غرق لم يكشفه إلا المطر وبرامج التواصل»، يمثل هذا القول للخبير الاقتصادي السعودي «برجس البرجس»، حقيقة يدركها السعوديون مع كل حادثة سيول تتكرر في مناطقهم، وتخلف لهم خسائر بشرية ومادية.

 

وبدت مواجهة السيول أزمةً مستعصية على الحل، فالمواطن السعودي يرى عشرات السيارات فوق بعضها البعض وقد غمرت الطريق الغربي بمدينة الرياض الذي كلف إنشاؤه قبل ست سنوات 894 مليون ريال.

يُضاف إلى ذلك أن المواطن السعودي لم يلمس فعليًّا نتيجة لوجود الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، التي أنشأها العاهل السعودي قبل ثلاث سنوات، وهو ما دفع الداعية السعودي عادل الكلباني للتغريد عبر موقع التدوينات القصيرة، تويتر، قائلًا: «شكرًا يا مطر علمتنا أن هيئة مكافحة الفساد نايمة في العسل».

ويحسب السعوديون سبع سنوات هي عمر كارثة سيول جدة، دون نتائج فعالة لبرامج الاستعداد والتأهب التي لا تكف الحكومة عن الإعلان عنها، فمع توقع تكرار الكارثة ما زال السعوديون يقرؤون أخبار تحقيقات في قضايا فساد، خاصة بالسيول بالتوازي مع أخبار الخسائر البشرية والمادية لهذه السيول.

وتسبب الفساد وضعف الرقابة، في ضياع مبالغ مالية كبيرة خصصت سنويًّا لمشاريع الصرف الصحي ومواجهة السيول، يقول رجل القانون والكاتب السياسي باسم عبد الله: «ما خلفته السيول من دمار في البنية التحتية يكشف حجم الفساد المالي الكبير، ومحاكمة المسؤولين عن ذلك تحتاج إلى إرادة سياسية حقيقية من السلطات العليا، إلى جانب مراقبة شعبية قوية«، معتبرًا أن ما حدث في البنية التحتية «جرس إنذار ودق لناقوس الخطر من استشراء الفساد المالي في مشاريع البنية التحتية، خاصةً شبكات الصرف الصحي»، بينما يرى المهندس السابق في وزارة الشؤون البلدية والقروية داود الفرهود، أن «المشكلة تكمن في الحلول الوقتية، معالجتنا لمثل هذه الأزمات هي معالجة وقتية تأتي نتيجة ردود أفعال سرعان ما تنتهي دون وضع حلول جذرية».

ورغم أن تحقيقات الحكومية السعودية التي أجرتها الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد في السعودية (نزاهة)، أكدت على وجود شبهة فساد، ومخالفات في بعض مشاريع تصريف السيول العام الماضي، إلا أن معركة الحكومة السعودية مع هؤلاء الفاسدين معركة غير حامية الوطيس، فرغم الإعلان عن تحويل 332 مسؤولًا سعوديًّا من وزارة المياه، وموظفين في القطاعين العام والخاص، ورجال أعمال إلى القضاء بتهم فساد ورشوة واستغلال النفوذ تتعلق بالبنى التحتية الخاصة بالاستعدادات للسيول، بُرئ جميع المتهمين، وهو ما سبب إحباط وغضب بين السعوديين، لتعلن الحكومة مؤخرًا استئناف محاكمة بعض المتهمين بعد نقض عدد من أحكام البراءة الصادرة بحقهم.

ويشير نقل المحاكمة من جدة إلى الرياض إلى أن المحاكمة السابقة في جدة كانت متساهلة، كما أن بعض هؤلاء ما يزال هاربًا، فقبل عامين، خاطبت المحكمة الإدارية في جدة الإنتربول للقبض علي متهمي سيول جدة الذي غادروا السعودية ولم يحضروا جلسات محاكماتهم، وقد سلم الإنتربول أحد المتهمين في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي للسعودية.