مقاربة أميركية لإحياء التطبيع.. من بوابة “ما بعد السنوار”
قاربت الصحف الأميركية موضوع شهادة رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” يحيى السنوار من زاوية انعكاسه على صفقة التطبيع المُعلّقة بين الكيانين السعودي والصهيوني. معتبرة أن بشهادته تعززت فرص التوصل لحل وقف اطلاق نار وما يتبعها من إحلال “سلام” في المنطقة وتعبيد الطريق أمام محمد بن سلمان لإكمال مسار تطبيع علاقات بلاده الدبلوماية مع كيان العدو. في هذا السياق، تحدث موقع “ذا أنترسبت” عن أن الشهيد السنوار كان قد وُصِف قبل شهادته، في الرواية الأميركية، بأنه “عقبة رئيسية أمام وقف إطلاق النار في غزة”. يتابع الموقع “ولكن بدلاً من التركيز على هذا الهدف، استغل كبار المسؤولين الأميركيين وأعضاء الكونجرس من كلا الحزبين وفاة السنوار لدفع أجندة أوسع نطاقاً ــ بما في ذلك فتح الباب أمام المرحلة التالية من الطموحات الجيوسياسية الأميركية”. وبالفعل حاول سيناتورز أميركيين ركوب الموجة، ففي أعقاب نبأ وفاة السنوار، قال السيناتور ريتشارد بلومنثال، ديمقراطي من ولاية كونيتيكت، في منشور على موقع X: “بعد المحادثات الأخيرة مع زعماء إسرائيل والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، لدي أمل حقيقي في أن يخلق موت السنوار فرصًا تاريخية حقيقية لأمن إسرائيل ووقف القتال والسلام والاستقرار الإقليميين من خلال تطبيع العلاقات. يجب اغتنام اللحظة”. تعليقا على هذا التصريح، قال الموقع الأميركي: تحت سطح تصريحات بلومنثال مباشرة تكمن صفقة ضخمة نوقشت على نطاق واسع من شأنها أن تخلق في الواقع مستعمرة جديدة للنظام الأميركي والخليجي في غزة، وتلزم الولايات المتحدة بالذهاب إلى الحرب من أجل المملكة العربية السعودية، وتدفعنا إلى عمق حرب باردة جديدة مع الصين. وتابعت تقييمها أن المشرعين يسعوون إلى ربط هذه السياسات بعيدة المدى بشمّاعة “إعادة إعمار غزة” لجعل معارضة الاتفاق أكثر صعوبة، معتبرة أنه سوف يتم فرض الاتفاق على الشعب الفلسطيني. قال السيناتور الأميركي الصهيوني ليندسي غراهام، في مقابلة أجريت معه مؤخرًا، أنه يُعمل على “دولة مستقلة ذات سيادة تسمى فلسطين مع ضمانات أمنية لإسرائيل للتأكد من عدم وجود مستقبل مثل السابع من أكتوبر”، وتابع “ستكون أشبه بإمارة أكثر من كونها ديمقراطية. سيأتي محمد بن سلمان ومحمد بن زايد من الإمارات العربية المتحدة لإعادة بناء غزة … وإنشاء جيب في فلسطين”. أمام الحديث المتكرر لسياسيين أميركيين عن “صفقة ما بعد السنوار”، يذكّر موقع “ذا أنترسبت” بأنه “على الرغم من ادعاءات المسؤولين الأميركيين برغبتهم في تحقيق العدالة للفلسطينيين أو دعمهم لحل الدولتين ، فإنهم لا يذكرون كثيراً حق الفلسطينيين في تقرير المصير. ولم تتضمن أي من الخطط التي طرحت بعد الحرب، من انتخابات أو عملية تسمح للفلسطينيين بالتعبير عن رأيهم في مستقبلهم بعد تحملهم للكارثة الإنسانية التي فرضتها الحرب الإسرائيلية ضدهم”. سردية “ما بعد السنوار” تخدم الرواية الأميركية في نواحي عديدة، أهمها داخليا: في إكمال المشهدية المُقدّمة لرأيها العام الداخلي، القائمة على تبرئة النظام الأميركي وتصوير أهدافه في سياق أكذوبة محاربة الإرهاب، لتبرير الدعم اللامتناهي لحرب الإبادة الإسرائيلية. مقال موقع يشير إلى نموذج أميركي ربط “اغتيال” الشهيد السنوار حصرا بوقف إطلاق النار، ففي الوقت الذي ربط فيه العديد من الشخصيات المؤثرة في الكونجرس ذلك بالرؤية الإقليمية الأوسع، قال السيناتور آدم شيف في تغريدة له على منصة “إكس” أنه على اعتبار ان السنوار كان المخطط لعملية “طوفان الاقصى”، “أتمنى أن يكون موته بمثابة بداية نهاية الحرب وعودة كل رهينة”. في سياق متّصل، في كتاب “الحرب”الجديد لبوب وودوارد، قال غراهام لبايدن في اجتماع عقد قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول، إن الرئيس ديمقراطي هو فقط القادر على تأمين معاهدة دفاع بين الولايات المتحدة والسعودية. وبحسب الكتاب، قال غراهام لبايدن: “لن يصوت الديمقراطيون لصالح الاتفاق إذا قدمه [الرئيس السابق دونالد] ترامب لأنهم يكرهون [رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو] ويكرهون ترامب”. وأضاف: “سيصوت الجمهوريون لصالح الاتفاق الدفاعي مع المملكة العربية السعودية إذا شجعتنا إسرائيل على ذلك. يمكننا الحصول على 45 صوتًا جمهوريًا”. وأكد بايدن لجراهام أنه يستطيع الحصول على بقية الأصوات من الكتلة الديمقراطية، بحسب وودوارد. وبحسب الكتاب، قال غراهام لمحمد بن سلمان في مارس/آذار 2024: “إذا كنت تريد الاعتراف بإسرائيل، فعليك أن تفعل ذلك في عهد بايدن. لا توجد طريقة تمكنك من إقناع الديمقراطيين بالتصويت لصالح اتفاقية دفاعية لخوض حرب مع المملكة العربية السعودية قدمها دونالد ترامب”. وهو ما تطابق مع مقال للكاتب الأميركي توماس فريدمان، قال فيه: إذا كان يريد محمد بن سلمان معاهدة أمنية مع الولايات المتحدة، فيجب إطلاق العملية بينما لا يزال بايدن رئيسًا. (الديمقراطيون في مجلس الشيوخ لن يصوتوا أبدًا لصالحه في عهد دونالد ترامب). وهذا يعني أنه سيتعين على محمد بن سلمان تطبيع العلاقات مع إسرائيل قبل إنشاء دولة فلسطينية فعليًا. نيويورك تايمز: التطبيع بات أبعد مع اغتيال السنوار وفقا لمقال على صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، “أصبح هذا الاتفاق أبعد من أي وقت مضى، حتى بعد مقتل زعيم حماس يحيى السنوار، الذي تم استغلاله على نطاق واسع باعتباره فرصة محتملة لاتفاق سلام. وبدلاً من ذلك، تعمل المملكة العربية السعودية على تدفئة علاقاتها مع عدوها اللدود التقليدي، إيران، في حين تصر على أن أي اتفاق دبلوماسي يعتمد الآن على قبول إسرائيل لدولة فلسطينية، وهو تحول ملحوظ بالنسبة للمملكة”. تابعت الصحيفة: الواقع أن الشرق الأوسط يشهد انفراجاً دبلوماسياً، ولكن ليس ذلك الذي تصوره رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي يواصل القول إن إدارته قادرة على التوصل إلى اتفاق مع الرياض. ففي هذا الشهر، التقى وزراء خارجية دول الخليج الفارسي لأول مرة كمجموعة مع نظرائهم الإيرانيين. وهو تقارب هش في مرحلة مبكرة من شأنه أن يعمل فقط على تقليص قرون من العداوات الطائفية، ولكنه يمثل تحولاً حاداً في منطقة حيث أغرق التنافس بين الرياض وطهران المنطقة في إراقة الدماء لعقود من الزمان. وفي إجابتها على تساؤل “ما الذي تغيّر؟، يقول الكاتبان: بدأت الصور تتدفق من غزة لأطفال مدفونين أحياء تحت الأنقاض، وأمهات ينتحبن على أطفالهن القتلى، وفلسطينيين يتضورون جوعاً بسبب منع إسرائيل للمساعدات من دخول القطاع ــ وكل هذا جعل من المستحيل على القيادة السعودية أن تتجاهل قضية الدولة الفلسطينية. نقلت الصحيفة عن علي الشهابي، رجل الأعمال السعودي المقرب من العائلة المالكة والذي يشغل منصب عضو المجلس الاستشاري لمشروع نيوم، درة تاج رؤية 2030: “ما فعلته غزة هو إعاقة أي اندماج إسرائيلي في المنطقة”، محاولا ترويج رواية خضوع بلاده لمشيئة التوصل إلى “حل الدولتين”، حيث قال للصحيفة: ترى المملكة العربية السعودية أن أي ارتباط بإسرائيل أصبح أكثر سمية منذ غزة، ما لم يغير الإسرائيليون مواقفهم ويظهروا التزامًا حقيقيًا بالدولة الفلسطينية، وهو ما رفضوه. وذكرت الصحيفة أن “اتفاقيات ابراهام تعرضت لانتقادات بسبب عدم تحقيق السلام في المنطقة الذي وعد به الرئيس السابق دونالد ترامب، الذي توسطت إدارته في إبرام الاتفاق. لم تخض أي من الدول العربية التي وقعت على الاتفاق حربًا مع إسرائيل منذ عقود، ولم تشمل الاتفاقية إيران وسوريا، اللتين تخوضان صراعًا نشطًا مع إسرائيل”.