الرَّدُّ الثأريّ الإيرانيّ بدأ مُبكّرًا
عبد الباري عطوان
الرَّدُّ الثأريّ الإيرانيّ بدأ مُبكّرًا باحتجاز السّفينة الإسرائيليّة الأُولى قُرب مضيق هرمز واستِهداف “الجسر البرّي” من الإمارات إلى حيفا مُرورًا بالسعوديّة والأردن.. خمس حقائق تُفَسِّر هذا التحوّل ما هي؟ ولماذا أغلقت الكويت وقطر أجواءهما وقواعدهما في وجْهِ الطّائرات الأمريكيّة؟ وما هي الأهداف القادمة المُرجَّحَة؟
إقدام مروحيّة إيرانيّة تابعة للحرس الثوري ظُهر اليوم بإنزالها عددًا من المُسلّحين على ظَهر سفينة إسرائيليّة قُرب مضيق هرمز كانت في طريقها من الإمارات إلى الهند وجرّها إلى المِياه الإقليميّة الإيرانيّة، جاء خطوة أولى في إطار الرّد الثّأري المُتوقّع لقصف القنصليّة الإيرانيّة في دِمشق، ومِنَ المُؤكّد أن خطوات أُخرى أوسع وأكثر قُدرة تدميريّة، وربّما في العُمُق الإسرائيليّ المُحتل بالصّواريخ والمُسيّرات ستتلوها في أيّ لحظة.
***
إلقاء نظره تحليليّة مُتعمّقة على هذه الغارة البحريّة الإيرانيّة، وفي هذا التّوقيت الحسّاس، يُمكن الخُروج منها بعدّة حقائق:
الأولى: الهُجوم على السّفينة الإسرائيليّة ومِن قِبَل بحريّة الحرس الثوري وجرّها إلى اليابسة الإيرانيّة، يعني أنّ إيران وضعت استراتيجيّة انتقاميّة مُتَعَدِّدَة الفُصول، وأنّها هي، وليس أذرعها الحليفة، التي ستكون رأس حربة الانتقام والثّأر لضحاياها بالقنصليّة الإيرانيّة في دِمشق.
الثانية: وُقوع هذا الهُجوم بالقُرب من مضيق هرمز يعني أنّ إيران وبحريّتها، وضعت يدها على المضيق عسكريًّا، وربّما كمُقدّمة لإغلاقه في وجه المِلاحة البحريّة ليس لإسرائيل فقط، وإنّما في وجه الأمريكان والبريطانيين والدّول الغربيّة الأُخرى المنضوية تحت راية حِلف النّاتو، أو المُتحالفة معه، وهذا قد يشمل دُوَلًا عربيّة خليجيّة وخاصَّةً المُوقّعة لاتّفاقات “سلام أبراهام”.
الثالثة: احتجاز سفينة إسرائيليّة تابعة لرجل الأعمال الإسرائيلي إيال عوفر قُرب الإمارات، كانت في طريقها إلى الهند، يعني أنّ الحرس الثوري الإيراني قرّر تعطيل الجسر البرّي الذي يربط الهند بدولة الاحتِلال انطِلاقًا من دبي وأبو ظبي ومُرورًا بالسعوديّة والأردن وصولًا إلى حيفا، وهو الجسر الذي يُشَكِّل بديلًا للمِلاحة الإسرائيليّة في البحر الأحمر، التي تعطّلت بفِعل الهجمات التي يشنّها سِلاح البحريّة اليمني تضامُنًا مع الصّامدين في قطاع غزة.
الرابعة: الاستيلاء على السّفينة الإسرائيليّة يأتي تنفيذًا سريعًا لتهديدات قائد سلاح البحريّة في الحرس الثوري الإيراني قبل يومين التي قال فيها “إنّ الوجود الإسرائيلي في الإمارات يُمثّل تهديدًا لإيران، لأنّ هذا الوجود ليس اقتصاديًّا مثلما يُشاع، وإنّما أمنيًّا وعسكريًّا أيضًا”.
الخامسة: من الواضح أن السيّد علي خامنئي المُرشد الأعلى للثّورة الإيرانيّة، وباحتِجاز هذه السّفينة ونسْف الجسر البرّي، قد صادق على الخطّة الانتقاميّة العسكريّة لضربِ الاحتِلال الإسرائيلي التي وضعتها أمامه القيادة العسكريّة، وبدأت عمليّة التّنفيذ لها فورًا ودُونَ تأخير، وعلينا توقّع ضربات أُخرى مُفاجئة، صاروخيّة، وبالمُسيّرات في الأيّام وربّما السّاعات المُقبلة.
نَخلُص من كُل ما تقدّم بالوصول إلى نتيجةٍ واضحةِ المعالم، وهو أنّ الرّد الإيراني ربّما لن يتأخّر، وسيكون مُوَسَّعًا، وعلى جبهاتٍ عديدة، وأنّ كُل الرّهانات الأمريكيّة والإقليميّة على تراجعٍ إيرانيٍّ خوفًا من الحُشودات والتّهديدات الإسرائيليّة والأمريكيّة قد سقطت، ولم يكن لها أيّ تأثير على صانع القرار الإيراني الذي قرّر قلب الطّاولة على المُعتَدين والانتِقال من مرحلةِ الصّبر الاستراتيجي والنّفس الطّويل إلى مرحلةِ الرّد بقُوّةٍ على تجاوزات دولة الاحتِلال واستِهدافها لأهدافٍ إيرانيّة، وكانت عمليّة اغتِيال الشّهيد الجنرال محمد رضا زاهدي رئيس فيلق القدس في سورية ولبنان وفِلسطين وستّة من مُساعديه القطرة التي أفاضت كأس الصّبر.
العالم كُلّه يعيش حالة من الانتظار والرّعب المُزدوجة، وبلغت ذروتها أمريكيًّا وإسرائيليًّا في السّاعات القليلة الماضية، وباتت مِثل الذي ينتظر تنفيذ حُكم الإعدام في أيّ لحظة، ولعلّ حالة الزّحام غير المسبوقة في مطار اللّد (بن غوريون) في تل أبيب بسبب الأعداد الضّخمة جدًّا من اليهود الذين يفرّون من فِلسطين المُحتلّة بحثًا عن ملاذاتٍ آمنة هي أحد أوجهه، والصُّوَر المنشورة لا تكذب.
إسرائيل أرادتها حربًا إقليميّةً مُوسّعة، تُورّط أمريكا والغرب فيها، وها هي أمريكا مِثل الخروف تنقاد إليها وهي مفتوحة العينين، وسيكون لإسرائيل ما أرادت، وستدفع ثمنًا وجوديًّا غاليًا وستفتح على نفسها أبواب الجحيم وعلى أكثر من خمسِ جبهاتٍ، إن لم يكن أكثر، فحرب الإبادة في غزة وقصف القنصليّة الإيرانيّة في دِمشق جبّا ما قبلهما.
التّسريبات الإعلامية الأمريكيّة تقول إنّ إيران أعدّت خطّةً انتقاميّةً لضرب حيفا، ومفاعل ديمونا، والبُنَى التحتيّة للمياه والكهرباء في العُمُق الإسرائيلي المُحتل بهُجومٍ بمئة مُسيّرة ومئات الصّواريخ الباليستيّة “فرط صوت” تصل إلى أهدافها في 12 دقيقة، أو مُجنّحة في غُضونِ ساعتين، وهذا يعني نُقطة النّهاية للمشروع الصّهيوني.
دُخول أمريكا هذه الحرب يعني تدمير مُعظم، إنْ لم يكن جميع، قواعِدها في دول الخليج والأردن والعِراق، ولهذا لم يُفاجئنا طلب كُل من قطر (قاعدة العديد) والكويت (قاعدة علي السالم، وأحمد الجابر)، وإغلاق المجال الجوّي في البلدين أمام أيّ طائرات تنطلق منها لضرب إيران.
***
إدارة الرئيس بايدن الأمريكيّة المُحاطة بمجموعةٍ من عُملاء إسرائيل تتحمّل المسؤوليّة الأكبر عن كُل ما يُمكن أن تشهده المرحلة المُقبلة من دمارٍ لمصالحها، ولدولة الاحتِلال كنتيجة لحُروب الإبادة التي تشنّها دولة الاحتِلال في غزة والضفّة بمُباركتها ومُشاركتها، فمِنَ المُؤسف أن إمريكا لم تستطع لجم هذه الحُروب والهجمات الإسرائيليّة على سورية وفِلسطين المُحتلّة، وبعد أن تورّطت فيها، خاصَّةً في الأخيرة، بدأت تُطالب إيران بضبْط النّفس وعدم الرّد سواءً عبر الوُسطاء “العرب” أو من خِلال تحريك حامِلات الصّواريخ إلى الشّواطئ الفِلسطينيّة حِمايةً لدولة الاحتِلال.
الرّد الإيراني بدأ، وأصبحنا نُشاهد، بل ونلمس ثِماره الأُولى في الخليج، وربّما قريبًا جدًّا في قلب فِلسطين المُحتلّة وفي أيّ لحظة، فزَمَنُ الرّد في المكان والزّمان المُناسبين قد ولّى إلى غيرِ رجعةٍ، أو هكذا نعتقد ونأمَل، والقادمُ أعظم.. والأيّام بيننا.