لِتُرمَ جمرات الحجّ على قصور شياطين العصر
“حُجّوا إلى ربّكم الذي تشاؤون.. لكن بصمت” بهذا ينضح كأس الفكر الوهابي. هم الذين شاء الله أن يجسّد بهم من أتى على ذكره في القرآن بـ”فرعون ذي الأوتاد”، وما فرعون هذا العصر إلا المصالح الأميركية وما أوتاده إلا جنوده من بني سعود. المهلكة التي استضافت على أرضها من يسبّ الذات الإلهية، ها هي تهدد الحجاج كما كل عام من مغبة أن يأتِ أحد على ذكر قوى المقاومة أو أن يُمسّ أحدهم الصهاينة ولو بطرف كلمة. وهذا العام كان هجوم بعض المسعودين أكثر حدية ووضوح، تبعاً لما باتت عليه شعوب العالم الإسلامي والعربي بتد جوفان الأقصى من بيّنة ونضج، فجبهتي الحق والباطل اليوم أصبحتا كالشمس التي لا تُغطّى بالغربال، حتى أُزيلت الغشاوة عن أعين كثيرين وبات اليقين بحالة النفاق المستشرية بين حكام بلاد الحرمين الشريفين أمراً سائدا وغير استثنائي. وضمن بوطقة المطبلين لهذا النهج الذي ما أنزل الله به من سلطان، كتّاب البلاط الذين لا ينبرون يغمّسون أقلامهم بدماء أبرياء غزة واليمن وسوريا والسودان، ليخطّوا بها نجاسات من قبيل بدعة “الحج للحج فقط”! بأي وجه حقّ يدّعي هؤلاء أن الحج لا بعد سياسي أو اجتماعي فيه، وبأي وقاحة يأتون على تحذير حجاج بيت الله من أن يعلنوا مناصرتهم للجانب الحق من كل ما يجري في غزة والمنطقة ويعلنوا البراءة من كل المطبيعن والمتخاذلين والمتهاونين بحقوق هذه الأمة؛ ممن يدّعون إيمانهم بألوهية الله قولاً لكن أفعالهم لا تنطوي إلّا على تأليه كبار الطغاة ممّن حلبوا خيرات البلاد وتصرّفوا بها. الرد على هذه الأصوات أتى في كتاب الله في الآية من سورة التوبة التي قال تعالى فيها ﴿أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين﴾. وبالفعل فإن أبناء سعود مذ أن أتوا إلى أرض الحرمين الشريفين واحتلوها، وهم يعملون سنوياً على تحويل هذه المراسم إلى فرائض تعبّدية بحتة فيها الاغتراب عن واقع البلاد وشعوبها الإسلامية، فيغطّون على التنكيل الذي يمارسونه ضد الحجّاج حاملي راية الإسلام الحقيقي، من خلال إضفاء تحسينات شكلية عليها لإطفاء جوهرها الأصلي الذي يدعو لأن تكون مكة مكانا يجتمع فيه مسلمي العالم ليوحّدوا موقفهم ضد المُستعبَدين من فرعون العصر. نتساءل عند قراءة وسماع ما يصدر عن أذناب الفكر الصهيوني في البلاد، ترى إلى من يتوجهون؟ من هم الذين سينصتون لترّهاتهم وتهديداتهم التي لا تقوى على هزّ جناح بعوضة. لعلهم غير موقنين لحقيقة مشاعر الملايين تجاه حكمهم الظالم على بيت الله، الذي حوّلوه إلى أحد العقارات التي تقع تحت سلطتهم فيستضيفون فيها من يرغبون ويُبعدون عنها سواهم. ألم يعلم مرتزقة الصحف السعودية بأن ملايين المسلمين اليوم عند رميهم إبليس بالجمار، إنما هم موقنين أن إبليس هذا تمثّل اليوم على شكل قامات ترتدي العقال وتلوّح بالسيف ولها لسان ينطق وعين ترى وتُرى. ألم يعلم هؤلاء أن قلب كل مسلم اليوم كما الأمس يعتصر ألما من عجزه عن التوجه إلى قصور من نصّبوا أنفسهم ملوكا على هذه المقدسات ليرمي الجمرات عليهم بما يجسّدونه من تهديد لمصالح المسلمين. إن الجميع على يقين بأن الحج الحقيقي في هذه الظروف وفي ظل هذا التواطؤ المقيت والمفضوح من ملوك البيانات، هو الحج الذي لا يطأ فيه المسلم أرض بيت الله إلا والسلاح على كتفه ليحررها من مماليك الدماء، فيتجسد حينها المعنى والبُعد الحقيقي للحجّ ويكون لـ”لبيك اللهم لبيك” صدى يصل إلى السماء. “الحج لأجل الحج” ليست صعبة، لكنها العار بعينه في ظلّ ما يعايشه المسلمون في أنحاء العالم. “الحج لأجل الحج” الذي تطلبون؛ يعني إعلان البراءة من المسلمين ونصرة المشركين، وهو بالضبط ما يعمل عليه بنو سعود من خلال اجتثاث البُعد السياسي الذي لا يقل أهمية وعظمة عن البُعد التعبّدي لمناسك الحجّ. هؤلاء المأمورين بدسّ السمّ في العسل، يحكّهم جلدهم من سماع كلمة “مقاومة” ولو همساً، يريدون من المتعبدين في حضرة الله أن يخلعوا ثوب إنسانيتهم قبل أن يدخلوا الحرم، لكي لا يتعرّوا هم أمام الملأ ويظهر الموقف الحقيقي للمسلمين من هذه العائلة التي أحكمت قبضتها على أول بيت وُضع للناس. وحرصهم وجزعهم هذا لا يدل إلا على يقينهم بأن المؤمنين في جميع أنحاء العالم، قد عرفوا طريق الحقّ وميّزوا يوسف عن إخوته.