8 سنوات على “رؤية 2030”: تراكم الخيبات
أكدت صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية، أن الحديث عن الحاجة إلى الحذر في الإنفاق يتصاعد في “السعودية”، بعد نحو 8 سنوات من إطلاق رؤية 2030 التي تضمنت مشاريع استثمارية بمئات مليارات الدولارات. وذكرت الصحيفة أن هناك عدة عوامل تدفع “السعودية” لاتخاذ مثل هكذا خطوة، من أبرزها تراجع إيراداتها نتيجة انخفاض أسعار النفط. ونقلت الصحيفة عن مصدر مطلع على عمل صندوق الاستثمارات العامة في السعودية، قوله “إن الصندوق، الذي التزم بإنفاق ما لا يقل عن 40 مليار دولار سنويا داخل المملكة، يتعرض لضغوط من الحكومة السعودية لإظهار أن هناك عوائد لنشاطاته.” وادعى المصدر أن “هناك ثقة في أن رؤية 2030 تسير بالاتجاه الصحيح، لكن أيضا هناك حاجة للحذر وضبط الإنفاق.” ويتحكم صندوق الاستثمارات العامة في أصول تبلغ قيمتها 925 مليار دولار، ما يجعله أصغر قليلا من هيئة أبوظبي للاستثمار، أكبر صندوق سيادي في المنطقة. ووفقا للصحيفة، فإن هذا الصندوق هو الأداة الرئيسية التي يستخدمها محمد بن سلمان لتنفيذ جدول أعماله الاقتصادي، الذي يهدف إلى تقليل اعتماد الاقتصاد السعودي على إيرادات النفط. ونقلت الصحيفة عن مدير تنفيذي في شركة استشارية لديها تعاملات مع “السعودية”، إن العديد من المشاريع لا تسير وفق الجدول الزمني أو الميزانية المحددة. وأشارت الصحيفة إلى أن شركات الاستشارات التي تدفقت إلى “السعودية” خلال العقد الماضي تعد من بين الجهات الأكثر تأثرا بخفض الإنفاق. ويتعين على كل وزارة حكومية أو كيان تابع للدولة تقريبا الاستعانة بجيوش من المستشارين لإعداد استراتيجيات تهدف إلى تحقيق أهداف ما يسمى “برامج تحقيق الرؤية”، وفقا للصحيفة. وأكد مسؤول تنفيذي آخر في شركة استشارية أن “الجميع يشد الحزام”، مضيفا أنه على سبيل المثال فقد انخفض إنفاق مشروع “نيوم” على المستشارين بنسبة تتراوح بين 20 إلى 30 في المئة خلال الأشهر الستة الماضية. ويقر “مسؤول سعودي” في حديثه للصحيفة بأن “الحكومة تقيّم أولوياتها باستمرار، لأن البيئة السياسية والاقتصادية العالمية والإقليمية تتطور بسرعة”. ويرى “مسؤول سعودي” تنفيذي آخر، أن “الطريق يمكن أن تكون وعرة بعض الشيء، لكن هذه لن يؤثر كثيرا”، مضيفا أن القائمين على رؤية 2030 يمكنهم ترتيب الأولويات وتأجيل بعض المشاريع، “وهذا يستغرق بعض الوقت وكانت “السعودية” أعلنت الشهر الماضي أنها تتوقع تسجيل عجز في موازنتها لعام 2025 بنحو 2.3 بالمئة مـن الناتج المحلي الإجمالي مع استمراره بنسب أكبر حتى 2027، ما يعكس ارتفاع النفقات وانخفاض عائدات النفط. ويبلغ إنتاج “السعودية” حاليا ما يقارب تسعة ملايين برميل يوميا، أي أقل من قدرتها الإنتاجية البالغة 12 مليون برميل يوميا. إلى ذلك، كشفت تقارير لوكالة بلومبيرغ الأميركية عن مؤشرات لفشل رؤية بن سلمان، وتعثر مساعيه للاستثمار الأجنبي بمليارات الدولارات. الوكالة أكدت في تقرير نشرته 4 أبريل/نيسان 2024، أن السعودية تعيد التفكير في أولويات خطة بن سلمان لتحقيق 100 مليار دولار من الاستثمار الأجنبي بحلول 2030، بعدما تبين أن الهدف بعيد المنال، مؤكدة أن المستثمرين الأجانب لا يزالون حذرين تجاه المملكة، ما دفع الحكومة السعودية لتحمل العبء الأكبر من الإنفاق على المشاريع العملاقة في البلاد. وأوضحت أن من هذه المشاريع تجميع أول سيارة كهربائية بالمملكة، حيث اجتمعت نخبة من رجال الأعمال والسياسيين في البلاد العام الماضي لحضور إطلاق سيارة “لوسيد” في خطوة سعت من خلالها الرياض إلى إظهار أن مملكة قائمة على إيرادات النفط يمكنها أن تجذب رأس المال الأجنبي لتصبح مركزا عالمياً لصناعات المستقبل. وأكدت الوكالة أن شركة لوسيد التي تتخذ من كاليفورنيا مقراً لها تستنزف الأموال السعودية بشكل متزايد للصمود في سوق العمل، حيث حصلت مؤخراً على دفعة نقدية بقيمة 1 مليار دولار من المملكة، بالإضافة إلى 5.4 مليار دولار ضخها صندوق الاستثمارات العامة السعودي بالفعل. وأضافت أن حاجة لوسيد إلى المال السعودي هي علامة على أن محاولة البلاد المتسرعة لإعادة الابتكار يتم دفع ثمنها من مال الرياض الخاص، حيث تعتمد المملكة بشكل كبير على ثرواتها النفطية لإغراء الشركات. وفي 5 أبريل/نيسان 2024، نشرت الوكالة ذاتها تقريراً أفادت فيه بأن مشروع نيوم الطموح في المملكة العربية السعودية -الذي تم تصوره في الأصل على أنه مسعى تحويلي ضمن رؤية 2030- يخضع لعملية إعادة تقييم كبيرة، وخلصت إلى أن المشروع تعرض لتطورات مؤخرا تشير إلى تراجع كبير في الطموحات. وقالت بلومبيرغ، إن مشروع نيوم الذي تم الإعلان عنه في البداية ليكون مدينة مستقبلية تستعد لاستيعاب 1.5 مليون ساكن بحلول 2030، تشير التوقعات إلى أن أقل من 300 ألف فرد قد يسكنون المدينة المتوقعة في الإطار الزمني نفسه. وأوضحت أن مشروع ذا لاين الذي يقع في قلب مدينة نيوم الذي يهدف إلى أن يمتد لمسافة 170 كيلومترًا على طول ساحل البحر الأحمر، تشير التوقعات إلى أنه سيتم الانتهاء من جزء فقط -2.4 كيلومتر فقط- بحلول 2030.