اغتيال قادة المقاومة الفلسطينية في المرآة السعودية.. عندما تحاضر “دولة الإرهاب”!
وجه جديد للإرهاب.. وآخِرُ من تخلّص العالم منه.. بهذه التعابير، وصفت قناة MBC السعودية في تقرير عرض في برنامج سياسي اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الشهيد يحيى السنوار. وإن كانت هذه التوصيفات ليست غريبة عن القناة المعادية لمشروع مقاومة الاحتلال والمدافعين عن حرب الإبادة الصهيونية، إلا أن الغريب فيها أنها تصدر من قناة تابعة لأكبر دولة مصدّرة للإرهاب في المنطقة. هذه الفضيحة الإعلامية المدوية للقناة التي لا تنطق خارج توجهات مركز القرار الرسمي، تأتي لتكشف عن ما يدور خلف الكواليس الرسمية وقنوات الدبلوماسية السعودية المروجة للدفاع عن حق الفلسطينيين في أرضهم وشعارات وقوفها إلى جانبهم وتمسكها بحقهم المشروع في إقامة دولتهم. على شاشة القناة السعودية، كتب: “السنوار .. أنقذته إسرائيل من الموت فحاربها”. تريد القناة، أن يظل السنوار ممتنًا لسجّانه بحرية انتزعها أبناء الأرض بقوة النضال والمقاومة. وهكذا، تصبح المقاومة عند السعودي فعلًا هجينًا عن ثقافة “السلام” المقنّع مع القاتل التي تريد الترويج له، لتبرر تطبيعها وشرعنت العلاقات مع القاتل المحتل. مودة اسكندر – مرآة الجزيرة ردود فعل التقرير الذي أثار زوبعة من الغضب الشعبي العارم، أجبر إدارة القناة على حذف الفيديو من صفحة البرنامج الأسبوعي بعد نشره على فايسبوك وتويتر، كما جرى تعطيل حساب مُعد التقرير. تزامن ذلك من انتشار وسم #مقاطعةMBC على مواقع التواصل الاجتماعي. التهجم السعودي على قادة المقاومة والذي يأتي ضمن أجندات “شيطنة” رسمية سعودية “لأرهبة” أي فعل مقاوم، استدعى ردًا من حركة حماس التي قالت في تصريح صحفي إنه “في الوقت الذي يتعرض فيه شعبنا الفلسطيني لحرب إبادة وعدوان إرهابي غير مسبوق من قبل الكيان الصهيوني وجيشه الإرهابي منذ أكثر من عام، تطل علينا قناة ناطقة بالعربية تدعى MBC ببثها تقريراً ظلامياً وتحريضياً ضد الحركة وقادتها، ولتوصف أعمال المقاومة الفلسطينية ضد المحتل بالإرهاب، وذلك في سقوط مهني وإعلامي وأخلاقي يتساوق مع الدعاية والرواية الصهيونية التي تسعى لشيطنة المقاومة ورموزها”. وضمن ردود الفعل، اقتحمت حشود غاضبة مقر القناة السعودية في العاصمة بغداد، فيما اعتبر النائب العراقي مصطفى سند أن الموضوع لا ينتهي بالتكسير أو الحرق، وأن لا مكان للقناة في بلاده. وانسجامًا مع هذه الردود، أعلنت هيئة الإعلام والاتصالات العراقية إلغاء رخصة القناة وتوقفيها عن العمل. وكذلك أعلنت نقابة الفنانين العراقيين منع التعاون مع القناة. وفي خطوة شكلية، أعلنت الهيئة العامة لتنظيم الإعلام في السعودية في بيان “إحالة مسؤولين في إحدى القنوات التلفزيونية” دون تسمية القناة، على التحقيق بسبب تقرير إخباري مخالف للأنظمة والسياسة الإعلامية للمملكة، لاستكمال الإجراءات النظامية تجاه هذه المخالفة”. وكالعادة، سيكون القرار شكليًا من دون الكشف عن تفاصيل تنفيذه طالما أن التقرير ينسجم من الأجندات الرسمية. لكن هذه الخطوة، لم تخفف من حدة الغضب الشعبي الذي لا يزال متواصلا، ويطالب بمقاطعة جميع قنوات الشبكة الإعلامية ومنصاتها الاجتماعية. وضمن الموجة الغاضبة، وصف إعلاميون ونشطاء فلسطينيون تقرير القناة بالحاقد وبأنه يعبّر عن موقف “الخونة”. الموقف الفلسطيني يقول الصحفي والمحلل الفلسطيني عبدالرحمن نصار في حديثه لـ”مرآة الجزيرة” “إن سبب الفرحة السعودية باغتيال السنوار مردّه أن الأخير ذهب إلى التحالف مع قيادة محور المقاومة إلى أقصى درجة، على عكس قيادات حماس الآخرين، ووجه شكرًا أكثر من مرة إلى السيد حسن نصرالله والرئيس بشار الأسد، وكان له تواصلات سرية مع أنصار الله بشكل كبير ومع السيد عبدالملك الحوثي، ولهذا فهم حاقدون عليه بشكل كبير خاصة لأنه من النوع الذي لا يقبل الترويض. وبشكل عام، فإن السعوديين لديهم مشكلة قديمة مع حماس وقد حاولوا احتواءها أكثر من مرة ولم ينجحوا. وربما خالد مشعل هو الشخصية الوحيدة التي كان لها قبول في السعودية، أما الآن فالجميع بالنسبة لهم مصنف “أسود”. فهذا الاحتفاء سببه أنهم جزء من هذا الحلف مع الأميركي أولا والإسرائيلي ثانيًا، بغض النظر عن أن الحلف لم يتوج بعد باتفاق تطبيع علني. هذا فضلًا عن ثارات شخصية، إذ للأسف إن العقلية الحاكمة في العائلة السعودية على وجه التحديد والعائلات الخليجية عمومًا، هي عقلية حاقدة، وتتعاطى بحقد الجمل، ورغم أن إسماعيل هنية مثلا كان يتجنّب الصدام مع السعودية لكنه هذا الأمر لم يشفع له”. وعن مدى التضارب بين الموقف الرسمي والتوجه الإعلامي حول الملف الفلسطيني، يضيف الكاتب الفلسطيني أن “السعودية على الصعيد الرسمي والدبلوماسي المباشر لا تعبر عن كل ما لديها. هذه التوجهات الإعلامية وحتى الذباب الالكتروني يعبر حقيقة عن داخل قلوب الأسر الحاكمة هناك. ولذلك إذا أردت أن تعرف الموقف الحقيقي أو الدقيق لهم فيجب العودة إلى التوجهات الإعلامية. وهذا سطح الجليد، وما هو في الباطن أعمق وأخطر بكثير”. أما عن الموقف الفلسطيني الرسمي والإعلامي والشعبي من التعاطي السعودي، فيرى نصار أنه “لايزال الموقف الفلسطيني الرسمي سلبيًا تجاه دول الخليج بسبب مشاركتها في موضوع التطبيع. أما على الصعيد الإعلامي، فلا تصعيد فلسطيني إعلامي مع دول الخليج لأن هناك تخوف وعلاقات متشابكة مع هذه الدول. فهناك جماعة دحلان في الإمارات وعلاقات حماس مع قطر وإلى حدّ ما موقف عمان والكويت الجيد، وهو ما يجعل التصعيد متوجهًا أكثر باتجاه السعودي والإماراتي. ولذلك تخشى الفصائل الفلسطينية من الدخول في معركة مباشرة وعلنية مع هذه الأنظمة، ما عدا الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي لها موقفًا متقدمًا أكثر في هذا الموضوع، وإلى حدّ ما الجهاد الإسلامي”. أما عن التفاعل الشعبي، فيرى أن رواية “خادم الحرمين الشريفين” انتهت وصار واضحًا المشهد للفلسطينيين أكثر من الزمن الماضي. وعليه “يمكن الحديث عن تحول شعبي حقيقي في الموقف، تحديدًا من الإمارات. أما السعودية فكانت أكثر ذكاءً في هذه الحرب ولم تحرق جميع أوراقها. لكن قناة العربية والحديث بعد الخطوة التي قامت بها، دخلت في هذا التوجه”. شيطنة قادة المقاومة ورغم زعم السعودية فتح تحقيق في موضوع التقرير الذي أثار إعجاب الأوساط الصهيونية والإعلام العبري ومن بينها قناة “كان” التي احتفت به، إلا أن الحقيقة أن التعاطي الإعلامي السعودي جاء منسجمًا مع فحوى التقرير. فقد كان الاحتفاء السعودي واسعًا بعملية الاغتيال، وتمت ترجمة ذلك في التغطية الإعلامية لعدد من المؤسسات من بينها صحيفة “عكاظ” التي عنونت: “إسرائيل تلحق السنوار بهنية.. حماس بلا رأس”، وهو ما أثار إعجاب الصحفي الإسرائيلي إيدي كوهين الذي شكر الصحيفة وأثنى على عملها. وعن هذه التغطية الإعلامية، يقول الكاتب والمحلل السياسي، وعضو الهيئة القيادية في “لقاء” المعارضة في الجزيرة العربية، الدكتور فؤاد إبراهيم، في حديثه مع “مرآة الجزيرة” إن فرح السعودية بعملية الاغتيال مرده إلى أسباب هي: الأول: الموقف الاعتراضي المبدئي من أصل المقاومة، لأنها تمثل محورًا يتناقض مع محور المقاومة. الثاني: أن الشهيد السنوار كان صانع الطوفان الذي أفشل، مؤقتًا على الأقل، مشروع التطبيع بين السعودية والكيان. الثالث: كل ضربة تصيب محور المقاومة تجعل السعودية في موقع أفضل لأن انتصار المقاومة يحرق موقعها محليًا وعربيًا وفي العالم الاسلامي عامة. ومنذ بداية العدوان على غزة، في 7 أكتوبر 2024، عملت قنوات اعلام السعودية والذباب الإلكتروني التابع للديوان الملكي، إلى “شيطنة” قادة المقاومة و”أرهبة” الفصائل الفلسطينية ودول محور وحدة الساحات التي تدافع عن غزة في وجه الإبادة الصهيونية. ومن بين هذه التوجهات تم ما يلي: 1- تبني الرواية الإسرائيلية في مجريات العدوان 2- إظهار العدو في موقف القوي بينما المقاومة في موقع الخاسر والضعيف 3- نقل التهديدات الأميركية والإسرائيلية لتهوين إمكانية مقاومة الاحتلال 4- شيطنة قادة المقاومة وإظهار أنهم مختبئون أو هاربون 5- تبرير جرائم الإبادة من خلال الزعم بأن المقاومة تحتمي بالمدنيين 6- الترويج لحل الدولتين وتحميل حماس مسؤولية “عرقلة” المفاوضات 7- إظهار “تبعية” فصائل المقاومة ودول محور المقاومة “للمصالح” الإيرانية 8- الربط بين حركة حماس وحركة الإخوان المسلمين ووسمها “بالإرهاب” 9- التشكيك في طوفان الأقصى وإظهار بأن هدف إفشال التطبيع السعودي 10- تسخيف فعالية كافة أشكال النضال ومن بينها حركات المقاطعة تذكر صحف غربية، ومنها الانترسبت الأمريكية، أن أمريكا تسعى مع تطورات اغتيال السنوار للدفع بأجندة أوسع بكثير، وهي أجندة تشترك فيها السعودية والإمارات ولا يُذكر فيها حق الفلسطينيين في تقرير المصير في مستقبلهم. وعليه فإن عمل القناة يمهد لمرحلة مستقبلية تسعى فيها السعودية لأن تكون رأس حرب ضمن مساعي وأد المشروع الفلسطيني المقاوم. لكن من المفارقات المثيرة للدهشة، أن دولة أسست الإرهاب وشرعته وحللته، تحاضر على العالم به! السنوار، وغيره من المقاومين، الذي يدافعون عن أرضهم ضد المحتل، باتوا إرهابيين! أما السعودية، التي صدرت إرهابيها إلى العراق وسوريا ولبنان واليمن وكل دول العالم، ومارسوا أشنع الجرائم الإرهابية، فيحق لها أن تحاضر علينا بالإرهاب!