إلغاء حكم الإعدام بحقّ محمد الغامدي: آلة القتل السعودية تخضع للضغوط؟
فيما سيف الإعدام ما زال مُسلّطاً على رِقاب آلاف المعتقلين “السعوديين” وغيرهم؛ يبدو أن آلة القتل هذه “رأفت” أخيراً بحال أحد المحكومين بالإعدام على خلفية تحوّل قضيته إلى قضية رأي عام عالمي –غير محلي- ندّد لشهور طِوال بحكم الإعدام على شخص بسبب نشره تغريدات ناقدة للسلطات في حساب لا يتجاوز عدد متابعيه العشرة. الشخص الذي قيل أن “السعودية” تراجعت عن تنفيذ حكم الإعدام بحقه هو الأستاذ المدرسي محمد الغامدي، الذي حظي بتغطية إعلامية وحقوقية لم يحظَ بها عشرات الشبان المدرجة أسماءهم على لائحة المحكومين بالإعدام لخلفيات ربما تقلّ “فظاعة” عن “الجرم” الذي ارتكبه الغامدي. وكانت قضيته تُذكر في أغلب التقارير والمداخلات التي تقدّمها المنظمات الحقوقية العالمية والمحلية التي تتناول ملف حقوق الإنسان في البلاد، كدليل على المدى الذي ذهب به ابن سلمان في قمعه للأصوات. وفي الوقت الذي نُفِّذت فيه آلاف الإعدامات لشبان تحت مسمى “دعم الإرهاب” دون تقديم أي مبرر ملموس أو منطقي لهذه الاتهامات التي هي بأغلبها عبارة عن تأييد التظاهرات التي خرجت في العام ٢٠١١ سواء حتى بتقديم الماء للمتظاهرين حتى يُسمّى الشخص “إرهابي” ويُحكم عليه وعلى عائلته بالعذاب بقية حياته. من المُحال قراءة المستجدّ سوى بِكَون “السعودية” تحاول ذرّ الرماد في عيون المجتمع الدولي عبر استغلال الضجة الإعلامية التي أحاطت بقضية الغامدي وتحويل الأنظار عن أصل الانتقادات التي توجه لها في مسألة أنها تنظر لأي صوت يصدر كتهديد لوجودها. وهذا ما أشارت إليه منظمة العفو الدولية في تقريرها الذي قالت فيه أنه “في حين أن إلغاء حكم الإعدام الصادر بحقه يشكل راحة كبيرة له ولأسرته، يتعين على المحكمة الآن إنهاء محنته الطويلة والمؤلمة بإلغاء إدانته والأمر بالإفراج الفوري وغير المشروط عنه”. وتابعت دانا أحمد الباحثة في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمنظمة العفو الدولية: “إذا كانت السلطات السعودية جادة بشأن التزامها المعلن بإصلاح حقوق الإنسان، فيجب عليها أيضاً الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين بسبب ممارستهم السلمية لحقهم في حرية التعبير واتخاذ خطوات فعالة لإنهاء حملة القمع على المعارضة والاستخدام الواسع النطاق لعقوبة الإعدام”. أشارت المنظمة أخيرا في تقريرها أنه على مدى العامين الماضيين، وثقت منظمة العفو الدولية حملة قمع متصاعدة في المملكة العربية السعودية ضد الأفراد الذين عبروا عن آرائهم على وسائل التواصل الاجتماعي. وفرضت المحكمة الجزائية المتخصصة، وهي محكمة مكافحة الإرهاب سيئة السمعة في البلاد، عقوبات بالسجن تصل إلى 45 عامًا باستخدام أحكام غامضة بموجب قوانين مكافحة الجرائم الإلكترونية ومكافحة الإرهاب. الغامدي كان قد أنشأ حسابا وهميا على منصة X ونشر بعض التغريدات الناقلة للفساد وانتهاكات حقوق الإنسان في البلاد؛ وهو شقيق المعارض السياسي سعيد الغامدي. وفي حكمها استخدمت المحكمة الجزائية السعودية مواد قانونية مبهمة بموجب قوانين مكافحة الجرائم الإلكترونية والإرهاب التي تساوي بين التعبير السلمي والأنشطة عبر الإنترنت من جهة و”الإرهاب” من جهة أخرى لمقاضاة مثل هذه الحالات. ونددت العديد من المنظمات بالحكم الذي صدر بحقّ محمد الغامدي واعتبروه حكما انتقاميا من شقيقه المعارض المقيم حاليا في بريطانيا. حيث علّقت منظمة العفو الدولية على الأمر قائلة: قد أنفقت السلطات السعودية مليارات الدولارات في محاولة لإعادة تأهيل صورتها، لكن لا يمكن لأي مبلغ من المال أن يمحو مدى القمع الذي وصلت إليه البلاد.” واصفة قرار الحكم عليه بـ”الأمر المثير للسخرية”. ابن سلمان وتكذيب الواقع ابن سلمان الذي سبق وزعم خلال حديث صحفي له عن ما أسماه بالأخطاء الموجودة في القوانين “السعودية” التي تفضي إلى الحكم بالإعدام على شخص بسبب تغريدة له؛ متوعدا بالعمل على إصلاحها. بيَّنَ من خلال حديثه هذا النفاق الرسمي الذي مارسته “السعودية” خلال السنوات الماضية حيث تكرر التصريحات الرسمية أن أحكام القتل لا تصدر إلا على أشد الجرائم خطورة. وقال ابن سلمان خلال المقابلة عينها إن “سيادة القانون” تمنعه من التدخل في عمل القاضي، على الرغم من أن الواقع يؤكد سيطرته على كافة مفاصل الدولة، واعتقاله لقضاة وتحكمه في عزلهم وتعيينهم. صدر بعد أقل من ٤٨ ساعة من كلامه هذا حكمت المحكمة الجزائية المتخصصة السعودية في آب الماضي؛ على الفتاة منال الغفيري ١٨ عاما على خلفية نشرها تغريدات لدعم المعتقلين السياسيين في بلادها.