المطلوب محاربة جذوة الإرهاب السعودي
لم تمرّ أيام عاشوراء في القطيف والأحساء وفقا للائحة القيود والرقابة الرسمية المعتادة منذ 5 سنوات، بل تعدتها لتشمل شنّ حملة على مواقع التواصل الاجتماعي، هي الأشرس نسبيا، إذ لم يغب عنها رؤوس النظام السعودي ومطبليه الأشاوس، فاستهدفت تشويه الشعائر الحسينية ونشر الافتراءات والأكاذيب بحق الشيعة والتشيع. مروحة من التجاوزات والأضاليل والتقولات المسمومة بثّتها “ماكنة” النظام السعودي الإعلامية، لتنتشر كالنار في الهشيم. جملة من المقاربات التي أقل ما يمكن وصفها بـ”الشيطانية” يتمسك النظام السعودي بتدويرها وبثها كل عام. إن مشكلة النظام السعودي اليوم، أن سرديته الدينية والسياسية التي تمسّك بها وتبناها طوال عقود لتبرير سياساته الخارجية والداخلية بدأت بالتعرّي، وليست معركة طوفان غزة بريئة من المسؤولية عن مخرجات الوضع الحالي. سنسعى في المقال التالي تبيان سقطات الرواية السعودية وخطابها التقسيمي الطائفي: أولاً، “الإرهاب الشيعي” وارهاب داعش والنصرة يضع مأجوري النظام السعودي من كتّاب وأكاديميين معتقدات الطائفة الشيعية وبناهم الفكرية والعقدية وشعائرهم العبادية وأنشطتهم الدينية موضع التساوي مع البنية الفكرية لإرهاب الجماعات المسلحة كداعش والقاعدة. وهذه نقطة لا يمكن تجاوزها، وينبغي الردّ عليها بتبيان ما يلي: لم يكن للـ”سعودية الثالثة” أن يقوم لها قائمة لولّا الشراكة بين محمد بن عبد الوهاب ومحمد بن سعود واحتلالهم لأراضي الجزيرة العربية بقتل وذبح وهتك حرمات كل مَنْ قاوم وجودهم وبثّ الرعب وتبني العنف منهجا لبسط سلطتهم. لعقود طويلة تحكّم الوهابيون بالسلطة الدينية، ونشروا أفكارهم، واستخدموا إمكانات “الدولة” في ذلك. في الثمانينات، منحت ظروفا بعضها داخلي، والبعض الآخر خارجي، متصل بالثورة الإسلامية في إيران والقرار السعودي بمواجهة ما اعتبرته مدّا ثوريا وخطرا محققا يتهددها، و”الجهاد” الذي دعمته “السعودية” في أفغانستان، الفرصة لتعزيز التيارات الوهابية، والترويج لأفكارها شعبيا ودعمها ماديا. وفي التاريخ الحديث، عملت الرياض على تفجير وتفخيخ الوضع العراقي منذ العام 2003 وأرسلت آلاف الإرهابيين والانتحاريين ليفجروا ويقتلوا وسط المساجد والحسينيات والكنائس وفي الأسواق والمدارس، كما لم تنأ الرياض عن ترك بصماتها على حالة الخراب التي عمّت العديد من الدول العربية منذ العام 2011، وبعيدا عن تدخلها السافر والمباشر في البحرين، فإن “السعودية” لم توفر مجاميع الوهابية ودعمهم للـ”الجهاد” في كل من سوريا والعراق ومن بعدها اليمن. أوكل عبد الله إدارة ملف سوريا لرئيس الاستخبارات العامة الأسبق بندر بن سلطان في حزيران 2012، العمل على مشروع إسقاط نظام بشار الأسد. وكانت الخطة التي رسمها مدير السي آي إيه السابق ديفيد بتريوس مع بندر تقوم على استيعاب “المقاتيلن الإسلاميين” من تنظيم “القاعدة” وغيره في الحرب السورية. ورغم إعلانها الشكلي عن تصنيف جبهة النصرة منظمة إرهابية، إلا أن تشكيلات موالية للنظام السعودي كـ”الجبهة الإسلامية” و”جيش الإسلام” وغيرهما ينسقون مع جبهة النصرة بشكل كبير. في العراق، قدّر موقع “Daily Paul” الأميركي المتخصص في الشؤون الأمنية، عام 2014، عدد المقاتلين السعوديين في صفوف داعش بسبعة آلاف مقاتل ليحتلوا بذلك المرتبة الأولى في عدد المقاتلين لناحية الجنسية. وأقرت صحيفة “الحياة” السعودية في أكتوبر 2014 بأن المقاتلين السعودين نفذوا 60% من العمليات الانتحارية لداعش في العراق. كما أن تاريخ ثامر السبهان حين شغل منصب سفير الرياض في بغداد، يشهد على دوره الفتنوي والتحريضي الذي سعى إلى شق الوحدة العراقية وإحداث شرخ بين العراقيين من شأنه زعزعة بلاد الرافدين وكسرها لعدم قدرتها على مواجهة التنظيمات الإرهابية –المدعومة بأموال آل سعود-، دور السبهات وتصريحاته وتخطيه لحدود مهمته الدبلوماسية، دفعت بغداد إلى الطلب من الرياض استبدال السبهان فوراً نتيجة مجموعة تصريحات حاقدة أدلى بها، بينها ما جاء في مقابلة تلفزيونية خلال شهر أغسطس 2016، قائلاً: “القيادات الموجودة الآن على الساحة السياسية العراقية، كلهم خرِّيجون من المدرسة الإيرانية، فأكيد أنهم لن يتصرفوا دون الرجوع وأخذ الإذن من حكومة إيران”، وفق تعبيره، ما أدّى الى ترحيله من العراق واستبداله بسفيرٍ آخر. في اليمن، قام النظام السعودي بتوطين التنظيمات الإرهابية في محافظات أبين وشبوة ولحج، ومنحت “القاعدة” و”داعش” غطاء جديداً من خلال احتواء عناصر التنظيمين تحت جناح قوات عبد ربه منصور هادي. لتقوم لاحقا، خلال العام 2021، ووفقا لتقرير صادر عن المركز الإعلامي للمحافظات الجنوبية، بإنشاء 13 مركزاً دينياً في محافظات لحج والضالع والمهرة وبالقرب من شبوة، يضاف إليها تمويل “السعودية” تأسيس ثلاثة مراكز في محافظة أبين. وبحسب التقرير، تقوم دول تحالف العدوان بدعم وتمويل إنشاء أكثر من 20 مركزاً دينياً صغيراً لنشر الفكر التكفيري الوهابي في حضرموت وعدد من مديريات محافظة أبين، فضلاً عن استحداث مراكز تكفيرية في مناطق استراتيجية ذات كثافة سكانية تقع بين محافظتَي لحج وتعز، وأخرى في محافظة المهرة. مقابل كل ما ورد، فإن “الإرهاب الشيعي” المزعوم وفقا للمفهوم السعودي يتمثل في مجموعات المقاومة المتواجدة في كل من لبنان والعراق واليمن وفلسطين. ولأن الحديث عن الفعل السياسي لا ينفعهم بشيء بل يضرهم. واليوم، أكثر من أي وقت مضى هم بحاجة إلى تناول دورهم من زاوية التعرض لبعض المظاهر، كالتطبير مثلاً وتكفير الصحابة وغيرها من الأمور، في الاحياءات العاشورائية والتي يحرمها أبرز علماء الدين الشيعة. ما تقدم أساسي للقول، بأن الذباب السعودي مدفوعا بتوجيهات رسمية، عمد هذا العام على إثارة العديد من النقاط بغرض الفتنة ومحاولة استعادة “الحبل” إلى صفه، نتيجة التوجه الشعبي العام الداعم لحركات المقاومة وجبهات الإسناد العسكرية المفتوحة في لبنان والعراق واليمن نصرة لقطاع غزة الذي يشهد أشنع حرب إبادة جماعية تلت أحداث 1948. إذا، إن محاولة تشبيه “داعش” وغيرها من المنظمات الإرهابية بالشيعة لا تعدو كونها محاولة أخرى تنطلي على العقول الناقصة والمريضة فقط. والادعاء بأن “داعش” والطائفة الشيعية يتقاطعون حول العودة بالنسب إلى آل البيت ليس إلّا ضربا من الجنون، ولعبا على الحقائق لإقناع الجمهور بروايتهم. ثانيا، “عاشوراء”: أيام النظام السعودي السوداء يحلو للنظام السعودي توصيف أيام محرم بالأيام السوداء لدى الشيعة، وفي ذلك مقاربة تدفعنا لتذكر الخطاب “اللا وطني” اللبناني الذي يتهم الشيعة بأنهم “لا يشبهونا، نحنا منحب الحياة”. على أية حال، وباعتبار أن “السعودية” لم تعد أجواءها تختلف عما هو موجود في لبنان إلّا ببعض التفاصيل التي لابدّ وأن يجد محمد بن سلمان لها حلاً في القريب العاجل، إلّا أن هذا الخطاب يتهم الشيعة “بالعيش في الماضي” وأن تجديد الحزن هو دليل على حتمية الثأر من بوابة العنف والدماء. وهذا الأمر هم أهله وناسه، باعتبارهم لم يجيدوا مع الطائفة الشيعة إلا هذه السياسة، ودماء الشهيد الشيخ نمر باقر النمر ومئات الشبان ضحايا الاعدامات تشهد على ذلك. يرى النظام السعودي في إحياء شعائر عاشوراء، بالنظر إلى مستوى المشاركة والحالة العامة التي يفرضها الشهر من حزن ومن كرم شعبي عبر المضافات والتوزيعات، يرى أنها تتجاوز الممارسة العقائدية لتصبح مظاهرة سياسية تستحضر قيم ومبادئ وتعاليم ثورة الإمام الحسين (ع) فترعب وتخيف ديكتاتورية آل سعود، الذي يخشى أن يُعيد التاريخ نفسه، ويثور شيعة الحسين(ع) ضد طغيانهم وفسادهم. إلا أن النظام يُعبّر عن رعبه من خلال تخويف الآخر من أبناء الشعب من الطائفة الشيعية عبر سياسات اللعب على الوعي وتبني تعاليم بعيدة عن الإسلام لتشويه صورة الشيعة واعتبارهم “خوارج” وأنهم لن يتوانوا عن الاستفراد بأي “سني” وقتله إذا ما سنحت الفرصة لهم، وأن النظام يمثل الجهة الضامنة لأمنهم الشخصي، وعززوا سرديتهم تلك، بالاستشهاد بالساحة السورية والأكاذيب التي أُنزلت على مقاتلي حزب الله والادعاء بأنهم قتلوا المدنيين واستباحوا أعراضهم، عدا عن اتهامهم بالتجارة بالمخدرات وتعاطيها. كل ما ورد، استخدمه النظام السعودي على مدى سنوات طويلة لضرب صورة “حزب الله”، خاصة بعد العام 2006، وتعززت هذه الرواية ولاقت آذانا صاغية بعد العام 2011، لتعود اليوم واهنة، وغير مقنعة، لدى الشارع العربي “السني” بشكل عام، حيث خرج الشارع المصري والأردني منذ الأيام الأولى لـ”طوفان الأقصى” لينادي بتدخل “حزب الله” نصرة لغزة. ولو كان لأبناء الجزيرة العربية، من أصحاب التفكير الحر، صوتا لما تردد في ذلك أيضا. ثالثا، الدعوة إلى محاربة “إرهاب الشيعة” بطبيعة الحال، لا يعدّ مستغربا بعد كل ما ورد، أن يأتي من يطالب النظام السعودي ناصحا ومستشرفا للمستقبل المغيّب عن محمد بن سلمان، بالقول “إقضوا عليهم وحاربوهم قبل أن يتحكموا بنا”. وتجاوز بعضهم ذلك للقول عليكم “محاربة الإرهاب المسكوت عنه بلا مبرر” قاصدا بذلك الأنشطة الدينية التي يحييها الشيعة خلال موسم عاشوراء من مجالس المحاضرات والخطب ومواكب العزاء. إذا، هناك دفع لسيناريو أو خيار المواجهة مع أبناء الطائفة الشيعية ومحاربتهم، ما يعني قتلهم ومسح وجودهم. كم ينبغي أن تمتلك من الأوراق لتتجرأ على دعوة قتل أصحاب الأرض ونسف وجودهم عن بكرة أبيه؟ وأي مرحلة من التجبّر والجبروت توصل النظام السعودي للدفع بهذا الخيار ووضعه محل بحث أو حتى كخطاب تخويفي؟ هل التسامح الديني المدعى به يقوم بدعم سياسات “مسح الشيعة” في “دول مجلس التعاون الخليجي” بالقانون؟ السعودية بقيادة محمد بن سلمان تسلك مسارا خطرا ضد الشيعة على مستوى دول “الخليج” من بوابة دعم وصول الوجوه الموالية لها إلى العرش، وهذا ما نشهده في البحرين والكويت من خلال التضييق المقنن على الاحياءات العاشورائية. وهذا ما نفذته داعش بإيعاز سعودي في “عُمان” قبل أيام من خلال العملية الإرهابية التي استهدفت مجلسا عاشورائيا. خطاب محمد بن سلمان “التسامحي” لا يشمل شيعة القطيف والأحساء، ولا يشمل شيعة المنطقة ككل. خطاب محمد بن سلمان وأداء ذبابه يثبت بأننا مقبلون على مرحلة متقدمة من الانتهاكات، إذا ما قابلناها بالصمت فلن تصيبنا إلّا بمقتل.