أميركا تراجع إستراتيجيتها في اليمن: نحو الاكتفاء بصدّ الهجمات
أثارت مغادرة حاملة الطائرات الأميركية «آيزنهاور» البحر الأحمر، وتأخر وصول بديلتها «روزفلت»، شكوكاً حول أصل المهمة، وما إذا كانت واشنطن ستستمر في استخدام حاملات الطائرات، أم أنها في صدد البحث عن بدائل في المنطقة. ويأتي ذلك متزامناً مع تصعيد صنعاء هجماتها البحرية، في تحدٍّ واضح للتحالفيْن العسكرييْن العامليْن في البحر الأحمر - «حارس الازدهار» بقيادة واشنطن، والقوة البحرية الأوروبية «أسبيدس» -.وخلال تقييم المهمة العسكرية في البحر الأحمر الذي يبقى الشغل الشاغل للمستويين السياسي والعسكري في واشنطن، ظهر إجماع على أن الأسطول الخامس يكرّر الخطأ الذي ارتكبه «التحالف العربي» المدعوم من الغرب؛ إذ فيما تراكم صنعاء الإنجازات، بالنقاط، يراكم الجيش الأميركي الإخفاقات، ويضيّع الفرص، ويفشل حتى في إيجاد مخرج مشرّف يحفظ ما تبقى من هيبته أمام العالم.
ويتجسّد المأزق الأميركي في محاولة واشنطن البحث عن أي «منجز» للتخفيف من وقع فشلها في مسارح عمليات اليمن، كما حدث الأسبوع الماضي، حين دافع المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، جون كيربي، عن «إنجازات» جيشه، قائلاً إن «أنصار الله يخطئون في إصابة أهدافهم، أكثر بكثير مما يصيبون، بسبب يقظة البحرية الأميركية». إلا أن الرد جاءه من البحرية نفسها بالقول إن «الحوثيين لا يحتاجون سوى إلى تمرير طائرة مسيّرة واحدة أو صاروخ واحد فقط عبر الدفاعات، لإحداث الضرر المطلوب، في حين لا يمكن للولايات المتحدة أن تخطئ مرة واحدة أو تخاطر بالإصابة»، والقول هنا لقائد المدمّرة «يو إس إس لابون»، إريك بلومبرغ.
ورغم ذلك، إن كثيراً من المسؤولين الأميركيين يعترفون بأن الجهود التي بذلتها واشنطن ولندن «لتقليص» قدرة صنعاء على استهداف سفن الشحن، انتهت إلى «لعبة» باهظة الثمن. ويبرّر هؤلاء ذلك بالقول إن الجيش الأميركي مصمَّمٌ للحرب النظامية، وإن «أنصار الله» يشكّلون نوعاً من التهديد العسكري الذي تصعب السيطرة عليه. وبحسب المسؤولين أنفسهم، فقد ظهر، في الأيام الأخيرة، أن إعادة النظر في الإستراتيجية الأميركية تشمل التخلّي عن استهداف القدرات والأراضي اليمنية، والاكتفاء فقط بصدّ الهجمات، في ظلّ وجود رأي وازن في الإدارة يريد التخفّف من هذا العبء بطريقة تدريجية. على أن هذه النقاشات لم تبقَ في الدوائر المغلقة، بل انطلقت إلى العلن؛ إذ ذكرت قناة «العربية» السعودية، الإثنين الماضي، أن وزارة الدفاع الأميركية تراجع خططها في مواجهة اليمن، وتتّجه نحو الاكتفاء بحماية الملاحة بدلاً من السعي إلى إضعاف قدرات صنعاء. ونقلت عن مصادر في الوزارة قولها إن الولايات المتحدة تخطّط لحماية الملاحة من دون حاملات طائرات، والاعتماد على القوات الشريكة العاملة في منطقة «القيادة المركزية الأميركية».
وكانت الدول المشاطئة للبحر الأحمر، وكذلك دول الخليج، قد رفضت استخدام مطاراتها أو القواعد العسكرية الأميركية على أراضيها لاستهداف اليمن. إلا أن دولتين، على الأقل، تقدّمان تسهيلات من أراضيهما: الأولى هي الإمارات، عبر سماحها للطائرات المسيّرة الأميركية بالانطلاق من قاعدة الظفرة قرب أبو ظبي لضرب أهداف في اليمن، حيث سُجّل تزايد وتيرة الطلعات بعد تعرّض «آيزنهاور» للاستهداف من قبل «أنصار الله» الشهر الماضي. والثانية هي السعودية؛ إذ أظهرت بيانات مواقع متخصّصة في الملاحة الجوية انطلاق طائرة أميركية مخصّصة لتزويد الطائرات الحربية بالوقود في الجو، من قاعدة «الأمير سلطان» الجوية، في اتجاه البحر الأحمر، مع العلم أن الرياض تعترف بمثل هذا النشاط، ولكنها لا تضعه في الإطار العسكري أو في إطار استهداف اليمن.
على أن الإمارات الخائفة من تكلفة سماحها للطائرات الأميركية باستخدام أراضيها لضرب اليمن، تبحث عن بديل يخفّف عنها هذه التكلفة. إذ كشفت وكالة «شيبا إنتليجينس» التي تعمل انطلاقاً من بريطانيا، الأحد، أن الإمارات عرضت على الأميركيين قاعدة عسكرية في الإقليم الانفصالي، أرض الصومال، لمواجهة اليمن، بدلاً من حاملات الطائرات التي تتطلّب ميزانيات ضخمة وعدداً كبيراً من الأفراد. وبحسب الوكالة، فإن العرض المذكور قدّمه مستشار الأمن الوطني الإماراتي، طحنون بن زايد، خلال لقاء مع مستشار الأمن القومي الأميركي، جايك سوليفان، ومسؤولين أميركيين آخرين في أوائل حزيران الماضي في واشنطن. وبذلك تعمل أبو ظبي على تكرار محاولة تواجدها الفاشلة في أرض الصومال، حينما استغلّت مطالبة الإقليم بالانفصال عن مقديشو، لإيهام قادته بأنها ستقدّم لهم الاعتراف الدولي باستقلالهم (وهي لم تفعل)، مقابل توقيع شركة «موانىء دبي العالمية» اتفاقاً حصرياً لاستغلال ميناء بربرة، بهدف توظيف تواجدها في هذا الميناء المهم في الحرب على اليمن، والانضمام إلى الولايات المتحدة في ما يسمى مكافحة القراصنة الصوماليين. غير أن محاولات الإمارات في السيطرة على مراكز نفوذ القرار السياسي في الصومال لم تفلح، نظراً إلى وجود منافسَين قويَين هما تركيا وقطر.