BBC تغسل «ذنوب» السعودية في اليمن
لم يعد خفيّاً أنّ من أبرز نتائج العدوان الإسرائيلي على غزة، هو تعرية الإعلام الغربي الذي ينفّذ الأجندة الأميركية والإسرائيلية في المنطقة. «هيئة الإذاعة البريطانية ـــ bbc» تعتبر شريكة في العدوان عبر التقارير المضلّلة التي نشرتها منذ بدء «طوفان الأقصى»، أبرزها التقرير الشهير حول كذبة وجود أنفاق لـ «حماس» تحت «مستشفى المعمداني» في غزة (الأخبار 23/10/2023) تمهيداً لاستهدافه من قبل الإسرائيليين. مَن يراقب أداء bbc في المدة الأخيرة، يلاحظ أنّها تركّز هذه الفترة على الصراع بين «الأخوة الأعداء» أيّ السعودي والإماراتي، لكن من باب الحرب على اليمن. في بداية العام الحالي، حلّ رئيس اللجنة الثورية العليا في حركة «أنصار الله» في اليمن محمد علي الحوثي (الأخبار 10/1/2024)، ضيفاً على الإعلامية المصرية نوران سلّام ضمن برنامج «بلا قيود» على تلفزيون «بي. بي. سي عربي». يومها، أرادت الشبكة أن تسوّق لنفسها بصفتها «موضوعية» في مقاربة جميع الملفّات، لكنّ دورها كعلبة بريد سياسية يزداد وضوحاً. للمرة الثانية خلال شهر، فتحت الشبكة ملفّ اليمن، هذه المرة عبر «التحالف السعودي الإماراتي» والجرائم التي ارتُكبت بحق اليمنيين. تحت عنوان «المرتزقة الأميركيون... مهام اغتيال في اليمن»، عرضت «بي بي سي نيوز عربي» الثلاثاء الماضي وثائقياً استقصائياً أعدّته وقدمته الصحافية اليمنية نوال المقحفي. تضمّن الفيلم مقابلات مع مرتزقة أميركيين من مجموعة عمليات «سبير» (شركة عسكرية إسرائيلية يقع مقرها في الولايات المتحدة). وبحسب العمل الوثائقي، فالإمارات العربية استأجرت المرتزقة لتنفيذ عمليات اغتيال في جنوب اليمن عام 2015.
من فيلم «المرتزقة الأميركيون... مهام اغتيال في اليمن»
على مدى 42 دقيقة تقريباً، يوجّه الوثائقي الذي استغرق تحضيره أربع سنوات، سهامه مباشرة إلى الإمارات، متهماً إياها بعمليات اغتيال ممنهجة لقيادات يمنية ورجال دين ومحامين وسياسيين. ينطلق الفيلم من لقطات جوّية لليمن، ثم يأخذنا إلى مجموعات «سبير» التي تحضّر سلاحها لتنفيذ عمليات الاغتيال. لكنّ الفيلم ينتقل إلى الوضع الراهن في اليمن عبر سيطرة «أنصار الله الحوثيين» على إحدى سفن الشحن في البحر الأحمر، فتعلّق الصحافية بالقول: «للفصائل المسلحة اليمنية تأثير على أنحاء الشرق الأوسط وخارجه، آخرها هجمات الحوثيين على سفن البحر الأحمر» في إشارة إلى توقيف اليمنيين الملاحة في البحر الأحمر في مساندة لفلسطين وضغط على الأميركيين والإسرائيليين لوقف محرقة غزة.
لاحقاً، تتوجه كاميرا «المرتزقة الأميركيون... مهام اغتيال في اليمن» نحو ضابط أميركي سابق يُدعى اسحق جيلمور، أصبح لاحقاً القائد الثاني في مجموع عمليات «سبير» على حد تعبير الصحافية. جرت المقابلة عام 2020 وتضمنت حواراً شرح فيه جيلمور كيفية تجنيد الإماراتيين للمرتزقة الأميركيين بالاشتراك مع القيادي السابق في حركة «فتح»، محمد دحلان، مقابل مليون ونصف مليون دولار تدفع شهرياً. ينتقل الفيلم لاحقاً إلى مقابلة ديل كومستوك، أحد مرتزقة القوات الأميركية الذي نفّذ عمليات اغتيال في اليمن. يعرّج الشريط أيضاً على محاولة اغتيال النائب اليمني انصاف مايو الفاشلة من قبل «سبير» وهو يعيش حالياً في السعودية، ويكشف اللحظات الأخيرة لمحاولة اغتياله الفاشلة. كذلك تطلّ في الفيلم، المحامية اليمنية هدى الصراري التي تركت بلدها بعد مقتل ابنها (18 عاماً) وتعيش في إحدى الدول الأوروبية، ليخلص الفيلم إلى تورّط الإمارات في الدماء اليمنية بالإثباتات والأدلة! لكن المقابلة الأكثر إثارة للجدل كانت مع نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني عيدروس الزبيدي، بصفته أحد أبرز رجال الإمارات. طالب عيدروس الإعلامية بالتروّي في طرح الأسئلة عليه، مؤكداً أن الإمارات بريئة من كل التهم الموجّهة إليها.
سعى صنّاع الفيلم إلى تحميل الإمارات مسؤولية الدماء التي أريقت في اليمن، في مقابل غسل أيادي السعودية التي كانت شريكاً مباشراً في الحرب. لا يأتي العمل على ذكر المملكة بأيّ شكل، في محاولة واضحة لتلميع صورتها كأنّ تواجدها في اليمن كان صورياً فقط! أمر يطرح علامات استفهام حول تهاوي مصداقية الشبكة البريطانية، وعلاقتها بالحكّام السعوديين ويعطي ربما صورة عن التقارير الإعلامية التي قد تعرضها في المستقبل القريب. ومن المؤكد أن توقيت العرض ليس بريئاً، إذ يطرح تساؤلات حول بثّه تزامناً مع رفض الإمارات المشاركة في تحالف «حارس الازدهار» لحماية سفن البحر الأحمر الإسرائيلية من هجمات الحوثيين. كما أنّ عرض الفيلم ليس عبثياً، إذ يحاول التحريض على الحرب الأهلية في اليمن وفتح ملفات الحرب وتداعياتها على الأطراف اليمنية من «الأخوان المسلمين» و«جماعة أنصار الله» وغيرهما. كل هذا بهدف إضعاف الشعب اليمني بعد إجماعه الواضح على نصرة غزّة ومواجهة العدو الإسرائيلي.