إذا صحّت الأنباء التي تقول بأنّ السّلطات السعوديّة قرّرت إنهاء الحرب في اليمن، وهي تبدو صحيحةً في ظِل تسارع التقارب السعودي الإيراني، فإن هذا يعني نقطة تحوّل رئيسيّة في المِنطقة، يُمكن أن تنقل العلاقات بين أكبر قُوّتين في الجزيرة العربيّة (السعوديّة اليمن) من المُواجهة إلى التعاون، وإغلاق صفحة الصّراع بينهما لعُقودٍ قادمة.
قناة “الميادين” المُقرّبة من حركة “أنصار الله” الحوثيّة، أكّدت نقلًا عن مصادرٍ يمنيّة “أن الأمير خالد بن سلمان وزير الدّفاع (ووليّ وليّ العهد غير المُتوّج) وحامل مِلف اليمن دعا السيّد رشاد العليمي رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني والعديد من أعضائه (أيّ المجلس) إلى الرياض وأطلعهم على صُورةِ التّفاهمات التي جرى التوصّل إليها مُؤخّرًا مع حُكومة صنعاء حول تمديد الهدنة التي دخلت عامَها الثاني، وتخفيف حدّة الحِصار، وبعض الحُلول المُقترحة للأزمةِ اليمنيّة”.
القِيادة السعوديّة أدركت أن هذه الحرب التي دخلت عامها التّاسع قبل أيّام، واستنزفت الأطراف المُشاركة فيها ماديًّا وبشريًّا، لا يُمكن حسمها عسكريًّا، من قبل أيّ من المُعَسكرين المُتورّطين فيها، وأقصر الطّرق لإنهائها هو الحِوار، والتّفاوض مع الخصم، وهذا ما حدث تحت الطّاولة أوّلًا، سواءً عبر الوُسطاء، أو بشَكلٍ مُباشرٍ لاحقًا.
القِيادة السعوديّة، وفي ظل “انقلابٍ” سياسيٍّ مدروس بعنايةٍ، اتّخذت خطوات استراتيجيّة فاجَأت الجميع سواءً على السّاحة الإقليميّة أو الدوليّة يُمكن تلخيصها في النقاط التالية:
أوّلًا: فكّ الارتباط بشَكلٍ تدريجيٍّ مع الولايات المتحدة بعد فشلها في توفير “الحِماية” لها، وسحب صواريخها من قواعدها الأمريكيّة في اللّحظة الحرجة، والمقصود هُنا صواريخ “الباتريوت” و”ثاد”، والتوجّه إلى الشّرق، أيّ الصين، والشّمال، أيّ روسيا، قائدتيّ النظام العالمي الجديد.
ثانيًا: الدّخول في حوارٍ مع الخصم الإيراني الدّاعم الأكبر لحركة “أنصار الله” الحوثيّة في جولاتٍ سِريّةٍ تحوّلت إلى علنيّةٍ (في بغداد ومسقط) برعايةٍ صينيّةٍ تكلّلت باتّفاقٍ تاريخيٍّ جرى توقيعه في بكّين بحُضور الرئيس شي جين بينغ من أبرز نُصوصه تبادل السّفراء، ووقف التدخّل في الشّؤون الداخليّة.
ثالثًا: اختراع سعودي “ذكي” كمُقدّمة تمهيديّة للتّسوية الشّاملة للحرب اليمنيّة يتمثّل في “منظومة الهُدن” المُتدرّجة، والمُتجدّدة، برعايةٍ أُمميّةٍ “شكليّةٍ”، فهذه الهُدن نجحت في تخفيف حدّة العداء، وارتِخاء العضلات العسكريّة، والتمتّع بإغراءاتِ وقف إطلاق النّار، وحقن العَداء والدّماء، خاصّةً أنها جاءت مُتوازية مع بعض التنازلات المُهمّة حياتيًّا للشعب اليمني مِثل زيادة عدد الرّحلات الجويّة في مطار صنعاء، وتخفيف حدّة الحِصار على ميناء الحديدة، ودفع جُزءٍ كبير من الرّواتب للمُوظّفين اليمنيين.
الجانب المسكوت عنه، وما زال طيّ الكِتمان حتى الآن، هو ملامح التّسوية النهائيّة للأزمة اليمنيّة التي ربّما جرى التوصّل إليها في الحِوارات السعوديّة الإيرانيّة التي أدّت إلى استئناف العلاقات بين البلدين، فهُناك من يتحدّث عن خطوةٍ قادمة للمُصالحة اليمنيّة على وجه الخُصوص، تتجسّد في اجتماعٍ مُوسّع في العاصمة السعوديّة الرياض في غُضون أسابيع أو أشهر، قد يتم خِلالها وضع الخُطوط الرئيسيّة لمُبادرةٍ تقوم على الشّراكة في الحُكم.
من المُؤكّد أن هُناك جهات عديدة مُتضرّرة من هذه التّفاهمات السعوديّة مع حُكومة صنعاء ستعمل على عرقلتها، وهذا أمْرٌ مُتوقّع، لكنّ قطار التّسوية قد انطلق بسُرعةٍ، وباتَ من الصّعب وضْع العُصي في عجلاته، لأنّ البدائل مُرعبة، ومرفوضة من غالبيّة الشعب اليمني، إن لم يكن كلّه.. واللُه أعلم.