مباركة بريطانية لـ«التجويع»: «جرعة» جديدة تُسخط اليمنيين
صنعاء | في الوقت الذي تمكّنت فيه الحكومة الموالية للتحالف السعودي - الإماراتي، من الحدّ من العجز العام في الموازنة التي أقرّتها مطلع نيسان الماضي، واستطاعت لأوّل مرّة منذ ثماني سنوات تحقيق إيرادات بلغت 3.2 تريليون ريال يمني وفقاً لتقارير رسمية صادرة عنها، أقرّت أخيراً سلسلة إجراءات اقتصادية من شأنها مضاعفة معاناة اليمنيين في مختلف المحافظات، وإصابة الأسواق المحلّية بركود حادّ. وشملت تلك الإجراءات رفْع سعر الدولار الجمركي بنسبة 50%، وتعرفتَي المياه والكهرباء، وأسعار المشتقّات النفطية التي يتمّ إنتاجها في مصافي صافر في محافظة مأرب بنسبة 200%. وأثارت هذه الخطوات سخْط الشارع اليمني، وقوبلت برفض القطاع الخاص ممثّلاً بـ«اتحاد الغرف الصناعية والتجارية»، الذي وصفها بـ«السياسات الكارثية»، وتوعّد برفع دعوى قضائية ضدّ حكومة معين عبد الملك، لإجبارها على إسقاط قرار زيادة الدولار الجمركي للمرّة الثانية في أقلّ من عامَين، بعدما كانت قد رفعتْه بنسبة 100% منتصف عام 2021، مبرّرةً ذلك بتراجع الإيرادات نتيجة تداعيات وباء «كوفيد 19».
وعلى رغم اتّساع موجة الرفض الشعبي لهذه الجرعة التي أدّت إلى ارتفاع أسعار السلع والمنتجات، وكذلك تكلفة الخدمات في المحافظات الجنوبية والشرقية بنسبة تُراوح ما بين 10 و20%، فإن ردّ حكومة عبد الملك عليها كان برفض التراجع عن قراراتها، والمجادلة بأنها استثنت من هذه الإجراءات خمس سلع أساسية، الأمر الذي نفاه مصدر في «اتحاد الغرف الصناعية والتجارية» في عدن لـ«الأخبار»، مؤكداً أن تلك القرارات أدّت إلى ارتفاع أسعار مختلف السلع وسط غياب أيّ دور حكومي لوقف المغالاة وفرْض الرقابة على السوق. واتّهم المصدر حكومة عدن بالانقلاب على اتّفاق مسبق أُبرم بينها وبين الاتّحاد يلزمها بعدم إقرار أيّ زيادات في الرسوم الضريبية أو الجمركية من دون التوافق مع القطاع الخاص، متوعّداً بالعمل على إفشال القرار الذي اتُّخذ بصورة غير مدروسة ولم يراعِ الأوضاع الإنسانية للمواطنين. من جهتها، نظّمت الغرف الصناعية والتجارية في صنعاء احتجاجات أمام مكتب الأمم المتحدة، مطالبةً بالتدخّل العاجل لوقف سياسات التجويع التي تتّبعها الحكومة الموالية لـ«التحالف». وحذَّرت، في أكثر من بيان، من مخاطر القرارات الأخيرة على الحركة التجارية والاستثمارية في السوق اليمنية، منبّهةً إلى أنها ستضاعف معاناة الملايين من الأسر اليمنية. وطالب تجّار صنعاء، الأمم المتحدة، بالتدخّل العاجل والضغط على حكومة عبد الملك التي تستغلّ دخول 90% من الواردات الأساسية عبر ميناء عدن والموانئ الأخرى الخاضعة شكلياً لسيطرتها، لفرض المزيد من الإتاوات على القطاع الخاص.
وفي ظل اتّساع رقعة مناهضة الجرعة الحكومية، التي رفضتْها أكثر من 180 منظّمة مجتمع مدني، ووصَفها «المجلس الانتقالي الجنوبي» الموالي للإمارات بـ«الكارثية»، إضافة إلى تأكيد عدد من الوزراء رفْضهم لها، تفاجأ اليمنيون بتأييد بريطانيا للجرعة التي وصفوها بـ«المميتة»، ودعْمها لحكومة عبد الملك في إجراءاتها الاقتصادية، التي اعتبر السفير البريطاني لدى اليمن، ريتشارد أوبنهايم، أنها تهدف إلى «تجنّب تبعات هجمات الحوثي على موانئ التصدير». وظهر أوبنهايم في تسجيل مصوّر مبارِكاً قرارات حكومة عدن، واصفاً «هذه الإجراءات بأنها خطوة مهمّة ستوقف انهيار الاقتصاد وستوفّر الوظائف وسُبل العيش لليمنيين، فضلاً عن تقديم الخدمات الأساسية ودفْع الرواتب». وأثار موقف السفير البريطاني ردود فعل غاضبة في الأوساط اليمنية المختلفة؛ إذ دانت حكومة صنعاء، في بيان صادر عن وزارة خارجيتها، ما قالت إنه «الموقف البريطاني المؤيّد لإجراءات حكومة الطرف الآخر الانتهازية والتي تستهدف حياة اليمنيين»، ووصفت الموقف البريطاني بـ«المعادي الذي يعكس رغبة المملكة المتحدة في إطالة الحرب وعرقلة جهود السلام»، معتبرةً أن تصريحات السفير البريطاني تثبت ومن دون أيّ مواربة وقوف بلاده خلف الحرب الاقتصادية، بما في ذلك سياسات الحصار والتجويع وهندسة الجرعة السعرية القاتلة والتي تضمّنت رفْع سعر الدولار الجمركي، وفرْض ضريبة إضافية على المبيعات، وهو ما سيثقل كاهل المواطن اليمني بالمزيد من المعاناة والأعباء المعيشية. وتزامَنت قرارات حكومة عدن وتصريحات السفير البريطاني، مع تأكيد الأمم المتحدة في تقرير، السبت، تصاعُد وتيرة الحرب الاقتصادية في اليمن. وأشار التقرير الصادر عن مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في اليمن إلى أن السكّان يعانون اقتصادياً، معتبراً هذه الأوضاع «انعكاساً طبيعياً للحرب بجبهتها الاقتصادية»، لافتاً إلى أنه في الوقت الذي ارتفعت فيه أسعار المواد الغذائية في شمال البلاد جرّاء القيود المفروضة على الموانئ، تمّ رفْع أسعار صرْف العملات المحلّية مقابل الأجنبية في الجنوب بنحو 22%.