سؤال القوى العظمى.. لمن تكون الغلبة في منطقة الخليج؟

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 1441
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

تهتم دول المنطقة بماهية القوى العظمى التي ستهيمن على منطقة الخليج في القرن الـ21. ولسوء الحظ، لا يوجد إجابة واضحة على هذا الأمر حتى الآن. في غضون ذلك، تتداعى مجموعة من الأسئلة على عقل صناع القرار في منطة الخليج.

فهل سيكون النظام العالمي المستقبلي متعدد الأقطاب أم سيعود النظام ثنائي القطب مرة أخرى؟ وما هي القيمة التي ستعطيها القوى العظمى المستقبلية، أيا كانت، لمنطقة الخليج في اقتصاد عالمي لم يعد النفط يلعب فيه دورا مركزيا؟ وإلى أي مدى ستكون هذه القوى على استعداد للاستثمار للحفاظ على النظام الإقليمي؟ وإذا لم تعد القوى العظمى مهتمة، فهل تستطيع دول منطقة الخليج إدارة شؤونها الأمنية بنفسها؟

 

نظام متعدد الأقطاب

أظهرت الولايات المتحدة رغبة في تقليص التزاماتها الأمنية تجاه المنطقة للتركيز علي احتواء الصين الذي أصبح علي قمة أولويات السياسية الخارجية الأمريكية.

ويقول العديد من النقاد إننا انتقلنا إلى عالم متعدد الأقطاب لكن هذه الأطروحة تتطلب تدقيقا. فما هي بالضبط القوى الأخرى التي تتنافس مع الولايات المتحدة؟ فقد أثبتت حرب أوكرانيا أن روسيا انزلقت بشدة بعيدا عن مكانة القوة العظمى. وقد يردع امتلاكها لأكبر ترسانة نووية في العالم هجوم أعدائها، لكن هذه الترسانة لن تفعل الكثير لمساعدتها على إظهار قوتها.

وبخلاف كونه موردا للأسلحة، لا يستطيع الكرملين فعل أي شيء تقريبا لحماية حلفائه المحتملين في الخليج خاصة بعد الأداء السيئ للجيش الروسي في أوكرانيا. وفي الواقع، لا توجد دولة تريد "الحماية" الروسية إذا تضمنت تدمير المستشفيات والأحياء المدنية كما فعل الروس في سوريا. ومن المفهوم أن دول الخليج حذرة من تكرار سيناريو سوريا على أراضيها.

وتمتلك أوروبا الموحدة قوة كامنة هائلة لكنها لم تتصرف بعد كلاعب دولي متماسك. ولعبت حرب أوكرانيا دورا مهما في تفكير الاتحاد الأوروبي في"الاستقلال الاستراتيجي" مع القدرة على لعب دور القوة العظمى. لكن عددا من دول الاتحاد ترفض هذا التوجه وتفضل المظلة الأمنية الأمريكية.

ولدى الهند، التي من المقرر أن تصبح أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان بحلول عام 2030، إمكانات كامنة تكافئ أوروبا بل وتتفوق عليها. لكن لسوء الحظ، تواجه الهند عددا من التحديات الداخلية تمنعها عن لعب دور المهيمن في الخليج الذي يعد عمليا فنائها الخلفي.

وتكمن التهديدات الأمنية الرئيسية للهند على حدودها البرية. فهي تواجه خصمين مسلحين نوويا، باكستان والصين، وليس لديها الكثير لتكسبه من توجيه موارد رئيسية إلى الخليج. ومع وجود ما يقرب من 5 ملايين مواطن هندي يعملون في مجلس التعاون الخليجي، سيكون لدى دول الخليج مخاوف بشأن النوايا الهندية.

وتضمن الهيمنة البحرية الأمريكية أمن طرق التجارة دون حاجة الهند إلى الاستثمار في القوة البحرية اللازمة للعب دور أكبر في الخليج.

وأخيرا، لن تثق دول الخليج في الدول الأخرى بالمنطقة، مثل تركيا أو إيران أو حتى إسرائيل، كحماة محتملين. فهؤلاء الجيران غير العرب لهم تاريخ توسعي تجاه الدول العربية. وكانت هذه هي الدول التي سعى العرب إلى الحماية منها.

 

ماذا عن الصين؟

وتقترب احتمالية ظهور عالم متعدد الأقطاب في العقد القادم من الصفر. فقد تجنبت الصين، المنافس الوحيد المتصور للولايات المتحدة، المغامرات الخارجية بعيدة المدى، مفضلة أن تظل "مملكة وسطى" بمعزل عن التشابكات الخارجية.

وبالرغم أن الصين وسعت علاقاتها الاقتصادية مع أفريقيا والشرق الأوسط، بطرق أزعجت الغرب في بعض الأحيان، فقد تجنبت التدخل في السياسات المحلية، مفضلة أن تظل شريكا تجاريا محايدا. وقد حدثت جميع مواجهات الولايات المتحدة مع الصين في "الجوار القريب" للصين، في مناطق تعتبرها ضمن مجال نفوذها، مثل كوريا وتايوان وبحر الصين الجنوبي، وليس الشرق الأوسط.

ونمت البحرية الصينية بشكل كبير في الأعوام الأخيرة، لكنها مهيأة لمنع الولايات المتحدة من الوصول إلى جوار الصين وليس إظهار القوة في الخارج.

وفي الوقت الحالي، يمثل الخليج مصلحتين حيويتين للصين (مصدر للطاقة وسوق للبضائع الصينية) وهما مصلحتان لا تتطلبان استثمارات أمنية ضخمة في المنطقة والمخاطرة بمواجهة الولايات المتحدة في نفس الوقت.

ويقول البعض إن ضعف الصين أمام القوات البحرية الأمريكية (التي قد تقطع طريقها إلى الخليج في حالة نشوب حرب) سيجبرها على بناء تلك القدرة. ومع ذلك، فإن الصين لديها الآن خيار أفضل وأرخص وهو روسيا التي ستجبرها العقوبات الغربية على الانغماس بشكل أعمق في فلك بكين. وقد توسعت خطوط الأنابيب والسكك الحديدية التي تربط البلدين بالفعل، وهناك المزيد في الطريق.

وسعت عدة دول خليجية، إلى توسيع علاقاتها مع روسيا والصين. ومع ذلك، لا تعتقد أي من تلك الدول أن أيا من البلدين يمكن أن يحل محل واشنطن كضامن أمني للخليج. وتفتقر كل من بكين وموسكو إلى القدرة على القيام بذلك، وبينما يمكن للصين تطوير تلك القدرة على مدى العقود المقبلة، فلا يوجد مؤشر على رغبتها في ذلك.

ويمكن أن تحصل السعودية على تكنولوجيا الصواريخ من الصين لكن هذا لن يؤدي إلى حماية من الصين. وبالمثل، قد تبدي الصين اهتماما ببناء مواقع عسكرية في المنطقة، لكنها ستظل بالتأكيد مواقع استخباراتية وليس قواعد قد تعمل كنقطة انطلاق لقوة قتالية حقيقية.

لذلك ستبقى الولايات المتحدة الدولة الوحيدة القادرة على لعب دور المهيمن الإقليمي في المستقبل المنظور. وتظهر مشكلة كبيرة هنا إذا قررت واشنطن أنها لم تعد مهتمة بهذا الدور. ولا أحد يشك في أنه بالرغم من الاستقطاب السياسي الداخلي العميق في أمريكا، فإن السياسيين من الحزبين والجمهور يتشاركان عدم الرغبة في البقاء في الخليج.

وبالنظر إلى البطء الذي يميز التحولات الرئيسية في السياسة والحاجة إلى الحفاظ على تدفق النفط والغاز حتى يصبح غير مهم، لن تسحب الولايات المتحدة قواتها من الخليج قريبا. ومع ذلك، يجب على دول الخليج أن تتعامل مع احتمال أن تصبح لامبالاة "دونالد ترامب" بالضربة الإيرانية التي أغلقت منشآت "أرامكو" السعودية في بقيق، هي القاعدة لدى الإدارات الأمريكية المستقبلية.

وقد تعطلت عملية إحياء الاتفاق النووي مع إيران بسبب العداء الأمريكي المحلي ضد طهران وليس من رغبات اللاعبين الإقليميين. وقد استشعرت دول المنطقة أن الاهتمام الأمريكي يتضاءل. وربما يفسر ذلك الزيادة الهائلة في حجم الاتصالات الدبلوماسية بين الخصوم مثل إيران والسعودية والإمارات.

وبالطبع فإن استمرار الرعاية الأمريكية ستكون في مصلحة الأنظمة الخليجية، لكن سيكون من الصعب إقناع واشنطن بتقديم نفس القدر السابق من الدعم حتى لو لم تحرق الرياض الجسور مع البيت الأبيض برفض ولي العهد السعودي الرد على مكالمات "بايدن" الهاتفية ورفض التجاوب بشأن زيادة إنتاج النفط.

وربما هناك اعتقاد بأن هذه الاستراتيجية ستنجح في إعادة "ترامب"؛ لكن حتى "ترامب" لم يخف أبدا عدم اهتمامه بالخليج، واعتبر الدول الخليجية مجرد بقرة مربحة. ولم يساعد رفض الخليج التعاون في قضية أوكرانيا إلا في مزيد من عدم القبول لمجلس التعاون الخليجي لدى جزء واسع من الطيف السياسي الأمريكي.

وكانت قطر الدولة الخليجية الوحيدة التي تجاوبت بشكل جيد مع الولايات المتحدة. وبدون التعاون بشكل أكبر داخل مجلس التعاون الخليجي، فإن باقي الدول الخليجية سيكون لها فرصة ضئيلة للتأثير على خيارات السياسة الأمريكية.

ولا شيء من هذا يعد أمرا يقينيا ولا يزال المستقبل غير مؤكد. ومع ذلك، يبدو من الواضح أنه لن تتدخل أي دولة أخرى لتحل محل الولايات المتحدة أو تتحدى مكانها باعتبارها الضامن الأمني في الخليج.

ومع ذلك، من غير الواضح ما إذا كانت الولايات المتحدة على استعداد لمواصلة لعب هذا الدور، بالرغم من التصريحات المطمئنة من المسؤولين الأمريكيين. ولا يبدو أن أيا من دول الخليج تعرف ما يجب فعله حيال الخسارة المحتملة للمظلة الأمنية الذي توفرها واشنطن. ومع ذلك، فمن المؤكد أنه سيتم التوصل إلى ترتيب سواء كان أفضل أو أسوأ، فالسياسة مثل الطبيعة تكره الفراغ.

 

المصدر | السفير باتريك ثيروس | منتدى الخليج الدولي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد