دولة آل زايد: نهاية «الأمن والأمان»

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 1453
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

«إعصار اليمن الثالث» في غضون أقلّ من شهر، وضَع دولة الإمارات وحكّامها في وضع لا يُحسدون عليه، سمّاه مسؤول إماراتي، وإنْ من باب إعلان رفضه، بـ «الواقع الجديد» الذي تُقصف فيه هذه الدولة بشكل متكرر، ما يُفقد مواطنيها والمقيمين فيها نعمة «الأمن والأمان» التي كانت الرأسمال الأكبر، لأن الأبراج والمنشآت من دونها تصبح مكاناً مخيفاً يتعيّن الابتعاد عنه. ولعلّ تعمُّد قصف الدولة في توقيت يجعله «ترحيباً» على الطريقة اليمانية برئيس كيان العدو، يتسحاق هرتسوغ، لأبو ظبي، كان الرسالة الأبلغ ذات الأهداف المتعدّدة، حيث ظهر مقاتلو اليمن بصفتهم خطّ التصدّي الأول للدخول الأمني الإسرائيلي إلى الخليج، الذي جعله حكّام أبو ظبي ممكناً، وفضحوا الشراكة الإسرائيلية التي أرادها العدو مكتومة في العدوان على بلادهم

كان شريط مصوَّر تداوله المقيمون في الإمارات لصاروخ واحد أثناء سقوطه في أبو ظبي، بُعيد منتصف ليل الأحد - الاثنين، كافياً لاختزال كلّ الأبعاد التي حملتها عملية «إعصار اليمن 3»، التي استَهدفت بعدد من الصواريخ الباليستية من نوع «ذو الفقار» والطائرات المسيّرة من نوع «صماد 3»، منشآت حيوية في دبي وأبو ظبي، ولا سيما ذلك التزامن الذي بدا متعمّداً مع وصول الرئيس الإسرائيلي، يتسحاق هرتسوغ، الذي اضطرّ مكتبه إلى إصدار بيان يقول إنه «ليس في خطر، وسيواصل زيارته للإمارات التي تستمر 48 ساعة».
قبل الهجوم بساعات، كان الذباب الإلكتروني الإماراتي يردّد مقولة «اللهم أدِم علينا نعمة الأمن والأمان» ، التي سقطت مع انهمار الصواريخ والمسيّرات على دبي وأبو ظبي، ليحلّ محلها الذعر، وهي مقولة لطالما استخدمها حكّام أبو ظبي والرياض لإدامة ليس هذه النعمة، وإنّما تسلّطهم على رقاب شعوبهم، وتآمرهم على دول أخرى قريبة وبعيدة، بعكس ما يَفترض الحفاظ على «الأمن والأمان»، وأوله عدم الاعتداء على الآخرين. فهل قتْل أطفال اليمن، والتماهي الذي يُظهره حكّام أبو ظبي مع قتَلة أطفال فلسطين، يديم تلك الحالة؟ لا بدّ أن هذا سؤال دار في خلد كلّ إماراتي، وهو يرى الحال التي انتقلت إليها بلاده منذ عودتها للتورّط في العدوان على اليمن، وإيغالها في فتْح أبواب الخليج، ولا سيما أمنياً، أمام الإسرائيليين.
ومثلما فعلت في «الإعصارَين» الأوّلَين، سعت الإمارات إلى امتصاص الصدمة من خلال الاعتراف الجزئي بالهجوم، والقول إنه تمّ «اعتراض صاروخ واحد، سقط جزء منه خارج المناطق المأهولة ولم يَنتج منه أي خسائر، كما تمّ قصف منصة الإطلاق في محافظة الجوف اليمنية»، لكن الوقائع تختلف كلياً، خصوصاً أن بيانات الملاحة الجوية الدولية تحدّثت عن توقف حركة الملاحة فوق مطار أبو ظبي خلال الهجوم، على رغم نفي شركتَي «طيران الإمارات» و»الاتحاد للطيران» ذلك. كما أن الصورة التي نقلها مقيمون في الإمارات، أظهرت هلعاً في دبي وأبو ظبي لحظة بدء الهجوم. في المقابل، ما إن انفجرت الصواريخ والمسيّرات في أهدافها، حتى انفجر معها الابتهاج عربياً، والذي ملأ الفضاء الإلكتروني بالدعوات لـ»شرفاء اليمن»، وهو ما لا يحصل عادة في العالم العربي إلا إذا كان المستهدَف هو إسرائيل. والأمر كان كذلك بشكل ما، وفق ما لمّح إليه بيان «أنصار الله»، الذي قال إن «الإمارات ستظلّ غير آمنة طالما استمرّت أدوات العدو الإسرائيلي في أبو ظبي ودبي في شنّ العدوان على شعبنا وبلدنا».
ومن الأبعاد التي حملها «الإعصار الثالث» أنه صوّب على التدخّل الإسرائيلي كشريك كامل في العدوان على اليمن، بعدما حرص العدو على التدخّل المكتوم، وفق ما أظهرت المشاركة الإسرائيلية الفاعلة عبر التغطية النارية الكثيفة بالطائرات المسيّرة القادرة على حمْل صواريخ دقيقة، في الهجوم في محافظة شبوة، والذي هو عملياً عدوان مشترك إماراتي - إسرائيلي، مثّلت أداتَه البرية «ألوية العمالقة» السلفية، وهذا يؤكد أن إسرائيل صارت هدفاً بصفتها شريكاً مباشراً في العدوان، بمعزل عن كون «أنصار الله» جزءاً من محور المقاومة، وكانت قد تعهّدت بهذه الصفة بالمشاركة في الدفاع عن القدس. كذلك، صار على المواطنين الإماراتيين والمستثمرين والمقيمين الذين يتغنّى المسؤولون الإماراتيون بأنهم ينتمون إلى أكثر من 200 جنسية، التعايش مع «واقع جديد» تُقصف فيه الإمارات بصورة متكرّرة، طالما هي شريكة في العدوان، ما يعرّض استثماراتهم وأمنهم للخطر، وهو ما ظهرت بعض مفاعيله في تحذير وزارة الخارجية الأميركية مواطنيها من السفر إلى الإمارات الأسبوع الماضي.
لكن أخطر ما في اللعبة الإماراتية بإشراك إسرائيل في الأمن الخليجي، هو البُعد الإقليمي له، إذ بدأت تثير الأريحيةُ التي يتمتّع بها المسؤولون الإسرائيليون في الإمارات حساسية في إيران، بخاصة أن المعلومات تفيد بأن الإيرانيين أبلغوا مستشار الأمن القومي الإماراتي، طحنون بن زايد، خلال زيارته طهران ساعياً لتحسين العلاقات معها، بأن ذلك يَفترض ألّا تعْمد الإمارات إلى جلب الإسرائيليين إلى مقربة من الحدود الإيرانية، لكن أبو ظبي تعتمد أسلوب المراوغة، سواء في ما تقدّم أو في وقف تدخّلها في اليمن. وفي هذا السياق، نقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» عن حساب على «تويتر» قالت إنه مرتبط بالحرس الثوري الإيراني، القول إن «حضور النظام الصهيوني في الخليج الفارسي غير مقبول بالنسبة للجمهورية الإسلامية في إيران. سيادة محمد بن زايد، لا يطهّر خطوات الشيطان في الخليج الفارسي إلا النار. وسوف نأتيك بها».
على رغم كلّ تطمينات الحكّام لِمَن هم في الإمارات، إلّا أن الدولة صارت في وضع صعب، لن يكون خروجها منه يسيراً، نظراً للرهانات المقامِرة التي اتّخذتها أبو ظبي لحماية نظامها. و»الأمن والأمان» الذي بناه زايد بن سلطان، عبر عشرات السنين من حبك العلاقات مع القبائل ثمّ مع الدول القريبة والبعيدة، ولو دائماً بالاستناد إلى رعاية غربية، أصبح في مهبّ ريح السياسات التي يعتمدها ابن زايد. فقد أثبتت السنون الطويلة من الصراع العربي - الإسرائيلي أن الذي يركب هذا المركب ويبحر به عكس التيّار الشعبي الجارف، مصيره لن يكون أحسن من مصير أنور السادات الذي سبق أن ركب مثله.