كيف قتلت السعودية العدالة في قضية خاشقجي؟
في 23 ديسمبر/كانون الأول، أصدرت محكمة سعودية أحكاما بالإعدام على 5 متهمين، وبالسجن على 3آخرين في تهمة قتل الصحفي "جمال خاشقجي" العام الماضي، فيما تمت تبرئة 3 متهمين آخرين في المحاكمة. وعلى الرغم من أن أحكام الإعدام والسجن تمثل آخر جهد سعودي لإظهار شكل من أشكال المساءلة حول القتل المروع للكاتب الصحفي في "واشنطن بوست"، فإن الحكومة التركية والمجتمع الدولي يرفضون قبول إجراءات المحكمة السرية باعتبارها فاقدة للمصداقية أو المشروعية.
وفي حين خرج تقييم وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية بأن ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" قد أمر بقتل "خاشقجي"، فإن تجاهل المحاكمة لدوره المزعوم في القصة يعطي الكثيرين في تركيا وفي أماكن أخرى سببًا لرفض حكم المحكمة الأخير. وفي الواقع، تم السماح لبعض الدبلوماسيين الأجانب بحضور المحاكمة، ومع ذلك فقد طُلب منهم أن يقسموا أنهم لن يكشفوا مطلقًا عن هوية الأشخاص الذين تمت إدانتهم، أو أي تفاصيل أخرى مهمة.
وردًا على الحكم، انتقد "ياسين أقطاي"، من حزب العدالة والتنمية التركي، قرار المحكمة السعودية، باعتباره غير كافٍ لتوفير العدالة لـ "خاشقجي". وصرح "أقطاي" قائلا: "حكمت النيابة على 5 رجال نفذوا الأوامر بالإعدام، لكنها لم تمس من كانوا وراء هؤلاء الخمسة". وانتقدت وزارة الخارجية في أنقرة الحكم، وخلصت إلى أنه "لا يرقى إلى مستوى توقعات تركيا والمجتمع الدولي". وأدان شخص آخر رفيع المستوى في أنقرة الحكم باعتباره" فضيحة"، على أساس مدى الغموض والسرية في جلسات المحاكمة. كما نددت "خديجة جنكيز"، خطيبة "خاشقجي" السابقة، بحكم المحكمة السعودية، ووصفته بأنه "غير مقبول".
مثير للجدل
وكان أحد الجوانب الأكثر إثارة للجدل في الحكم هو تبرئة "سعود القحطاني"، الذي كان القيصر الإعلامي في البلاط الملكي، والذي كان يُعتقد عادةً أنه العقل المدبر وراء مقتل "خاشقجي". وعلى الرغم من أن المحكمة حققت معه، فقد تم تبرئته بناءً على "عدم وجود أدلة" تدعم التهم الموجهة إليه. ويتعارض هذا الحكم مع النتائج التي توصلت إليها وكالات الاستخبارات الأمريكية، التي أدت إلى فرض وزارة الخزانة عقوبات على 17 مسؤولًا سعوديًا، بمن فيهم "القحطاني"، الذي حددته الوزارة باعتباره "جزءًا من التخطيط للعملية وتنفيذها". كما تمت تبرئة نائب رئيس الاستخبارات السابق "أحمد العسيري". ويُعتقد على نطاق واسع أن "عسيري" لعب دورًا في مقتل "خاشقجي".
وقال "محمد كيليتش"، مدير تحرير صحيفة "ديلي صباح" التركية: "تثير حقيقة أن العديد من الأشخاص البارزين لم توجه إليهم تهم تساؤلات حول مصداقية المحاكمة، وما إذا كان هؤلاء الأشخاص (المحكوم عليهم بالإعدام) قد تم اختيارهم ككبش فداء. لقد كان هناك دليل على حدوث مكالمات هاتفية بين القحطاني والأشخاص الذين نفذوا الجريمة".
حماية بن سلمان
وبالنسبة لحكومة المملكة العربية السعودية، كان الهدف من المحاكمة برمتها هو حماية "بن سلمان" وقيادة المملكة. ومع ذلك، سوف يرى المراقبون خارج المملكة أن هذا الحكم مثير للضحك. ولا شك أن هذه الأحكام لن تضع حدًا لقضية "خاشقجي" على المستوى الدولي. وبالنظر إلى عدد المرات التي تغيرت فيها رواية الرياض الرسمية حول ما حدث في القنصلية السعودية في اسطنبول في 2 أكتوبر/تشرين الأول 2018، ومدى افتقار التحقيق والمحاكمة السعوديين للشفافية، فمن المؤكد أن هذا الحكم لن يؤدي إلا إلى مزيد من الضرر لسمعة "بن سلمان" في الغرب، في حين يزيد من عدم قدرة الحكومتين السعودية والتركية على تجاوز تداعيات الجريمة.
ولكن على الرغم من مدى غضب الكثيرين في الغرب وتركيا من "بن سلمان"، لا يبدو أن ولي العهد السعودي سيفقد سلطته نتيجة لدوره المزعوم في مقتل "خاشقجي". ولا توجد أي علامات على أن الملك "سلمان" على وشك إبعاد نجله من منصبه كولي للعهد. وببساطة، يبدو أن "بن سلمان" قد أفلت من الأمر بقتل "خاشقجي".
لكن الثمن الذي يجب أن يدفعه الملك السعودي المنتظر قد يأتي في أشكال أخرى. ومما لا شك فيه أن "بن سلمان" لديه الآن ثقة أقل في حكمه الخاص على الأمور، بسبب حقيقة أن خياراته هي التي أدت إلى هذه الملحمة العالمية. علاوة على ذلك، من الصعب تخيل أنه قادر على زيارة الولايات المتحدة في المستقبل القريب. وستقوض هذه العوامل قدرته على احتمال البقاء طويلا في منصب ولي العهد، ومن المحتمل أن يكون مضطرا لتسريع خطته لتولي العرش. وإذا كان "بن سلمان" يعتقد أن بعض أحكام الإعدام قد تفعل شيئًا لتخفيف هذه المشكلات الحقيقية، فمن المؤكد أنه مخطئ؛ لأن الغرب وتركيا سوف يرون أن هذا الحكم مجرد سخرية من العدالة.
العدالة لخاشقجي
ويواصل الكثير من الناس خارج المملكة المطالبة بالعدالة لـ "خاشقجي". ومع ذلك، من الصعب تخيل كشف ملابسات جريمة القتل دون تحقيق مستقل ومحترف ودولي يسمح بالوصول إلى المملكة. ولسبب وجيه، لا يمكن لأحد أن يتوقع أن يوافق ولي العهد على ذلك. وبالتالي، يجب علينا أن نقبل ألا يتكرر مصير "خاشجقي" لأي أحد آخر داخل المملكة أو خارجها.
ومع ذلك، ربما لا تكون الصورة قاتمة بالكامل فيما يتعلق بـ "بن سلمان" وقضية "خاشقجي". وكما جادل أحد الدبلوماسيين في إحدى دول مجلس التعاون الخليجي، فقد شهد عام 2019 نمطًا جديدًا من القيادة من "بن سلمان"، الذي مارس قدرًا أكبر من ضبط النفس. وتشير جهود الرياض للتوصل إلى تسوية دبلوماسية في اليمن، والتحركات السعودية لتخفيف التوترات مع قطر، إلى أن "بن سلمان" يعيد النظر في السياسات السابقة التي وضعت المملكة في مواقف صعبة غير مرغوب فيها، لا سيما فيما يتعلق بالعلاقات بين السعودية والولايات المتحدة. وإذا كان هذا صحيحًا، فإن هذا التغيير يبشر بالخير بالنسبة للاستقرار الإقليمي.
وقد تعكس هذه الخطوات لتهدئة السياسة الخارجية السعودية وعيًا لدى الرياض بأن رئيسًا ديموقراطيا، قد يدخل المكتب البيضاوي في يناير/كانون الثاني 2021، ولن يكون مثل هذا الرئيس متسامحًا مع "بن سلمان". وفي حين أنه من الصعب إثبات ذلك، فمن المرجح أن تداعيات قضية "خاشقجي" دفعت ولي العهد نحو اتخاذ قرارات بالابتعاد عن الأعمال العدوانية التي تبناها في وقت سابق من حياته السياسية.
المصدر | جورجيو كافييرو - رسبونسيبل ستيتكرافت