هل ستَلجأ القيادة السعوديّة للحِوار مع الحوثيين للخُروج من مأزق الحرب اليمنيّة بعد انسحاب الإمارات؟

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 2105
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

وما دقّة التسريبات الأمريكيّة في هذا الصّدد؟ وكيف ستنعكِس حرب الإنابة في عدن على المَشهد؟ وهل سيتجاوب الحوثيّون.. وبأيّ ثمن؟
 لم يُفاجئنا التقرير الإخباري الذي نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكيّة المُقرّبة من وليّ العهد السعوديّ الأمير محمد بن سلمان، وتضمّن حديث لمسؤولٍ سعوديٍّ رفيع كشف فيه عن إقدام حُكومته على دراسة “مُقترحات” لإجراء مُباحثات مُباشرة مع الحوثيين لأنّها لا تُريد الانجِرار إلى حربٍ طويلةٍ ومُكلفةٍ، وسبب عدم المُفاجأة أنّ الخِيارات أمام الحكومة السعوديّة باتت محدودةً جدًّا بعد سحب حليفها الإماراتي لمُعظم قوّاته من اليمن، وتصاعُد هجمات الحوثيين الصاروخيّة على مطارات الجنوب السعودي، وتعطيل حركة المِلاحة فيها بشكلٍ مُضطّرد، وتوغّل قوّاتهم الأرضي في مناطق جازان ونجران وعسير الحدوديّة، وتصاعُد احتمالات الحرب في منطقة الخليج في ظِل التوتّر الإيراني الأمريكي.
ولعلّ هذا التوجّه السعودي للبحث عن مخارج من حرب اليمن عبر التوصّل إلى صيغةِ تسويةٍ مقبولة أصبح أكثر إلحاحًا بعد الحرب “بالإنابة” التي اشتَعلت في مدينة عدن في الأيّام القليلة الماضية، بين قوّات الحزام الأمني المدعومة من الإمارات والحماية الرئاسيّة المدعومة من قبلها، أيّ السعوديّة، وربّما تكون حكومة “الشرعيّة” هي الخاسر الأكبر.
هذه الحرب بالإنابة بين قوّات تابعة للحليفين اللذين خاضا حرب اليمن جنبًا إلى جنب طِوال السنوات الخمس الماضية انفَجرت عندما قرّر هاني بن بريك، نائب الأمين العام للمجلس الانتقالي الجنوبي اقتحام قصر المعاشيق، مقر الحكومة الشرعيّة للاستيلاء عليه، وطرد المسؤولين المُوالين للرئيس عبد ربه منصور هادي، وربّما الإقدام على إعلان انفصال الجنوب رسميًّا بدعمٍ إماراتيٍّ، وسط اتّهامات بسيطرة حركة الإصلاح الإخوانيّة التي تُناصبها الإمارات العداء، على هذه الحُكومة.
تدهور الوضع الأمني في مدينة عدن العاصمة المُؤقّتة للرئيس هادي، واندِلاع الاشتباكات بين القوّات الموالية للإمارات والأُخرى للحكومة السعوديّة، هو آخر شيء تُريده الرياض في هذا التّوقيت الحسّاس الذي يشهَد تصاعُدًا للتوتّر في مِنطقة الخليج ومضيق هرمز، وفي وقتٍ يُحاول الرئيس دونالد ترامب تشكيل تحالف دولي لتأمين المِلاحة في مضيق هرمز.
الآراء تنقسم داخل الحكومة السعوديّة، وفي أوساط المُعسكر الحوثي أيضًا حول مسألة فتح قنوات الحوار بين الرياض وصنعاء، والثّمن الذي يُمكن أن يدفعه الجانب السعودي للخَصم الحوثي وحُلفائه مُقابل وقف هجَماته الصاروخيّة، وتوغّله في الأراضي السعوديّة.
المعلومات المتوفّرة لهذه الصحيفة تقول إنّ الجناح العسكري الذي يملك اليد العُليا في أوساط قيادة حركة “أنصار الله” الحوثيّة وحُلفائها، لا يُريد أيّ تسوية مع السعوديّة في الوقت الراهن على الأقل، لأنّها باتت في وضعٍ ضعيفٍ بعد انسحاب الحليف الإماراتي، وتصاعد العُزلة الدوليّة للسعوديّة، ولهذا يجِب الاستمرار في الحرب وإطلاق الصّواريخ، والتوغّل في الأراضي السعوديّة الجنوبيّة للتّفاوض مُستقبلًا، وفي الوقت المُناسب، من موقع أكثر قوّة، والحُصول على أكبر قدرٍ مُمكنٍ من التّنازلات الجغرافيّة والماليّة من الجانب السعوديّ الذي يعتقد هذا الجناح أنّه خسِر الحرب، ولم يعد قادرًا على الاستمرار وحده فيها، ويُريد تقليص خسائره بأقصى قدرٍ مُمكنٍ.
لسنا مع المدرسة التي تقول إن الانسحاب الإماراتي من اليمن جاء بالتّنسيق مع الحليف السعودي، فلا توجد أي دلائل على الأرض تؤكّد نهج هذه المدرسة وأقوالها، وما يُقال في هذا الصّدد هو نوعٌ من “التّكاذب” الدبلوماسي، فالحرب الدائرة في عدن حاليًّا، وإعلان بن بريك النّفير العام في صُفوف قوّاته، وبدعمٍ من الإمارات لطرد حكومة هادي، تُثبت أن العلاقة بين السعوديّة والإمارات تنتقل بشكلٍ مُتسارعٍ من التّحالف إلى الخُصومة، والحرب بالإنابة، حيث درّبت الإمارات 90 ألف عنصرًا يمينيًّا ليُقاتلوا من أجل انفصال الجنوب اليمني، أيّ أنها ستستمر بإدارة هذه الحرب من أبو ظبي و”بالرّوموت كونترول”، وتحت عُنوانٍ مُحدّدٍ وهو انفصال الجنوب.
خِيارات الحُكومة السعوديّة تبدو محدودةً في الوقت الراهن، فالاستمرار في الحرب يبدو صعبًا ومُكلفًا، وفتح قنوات الحِوار مع “أنصار الله” الحوثيّة، يتطلّب الاستعداد لتقديم تنازلات ضخمة، وربّما جغرافيّة واستراتيجيّة الطّابع أيضًا، وعلى أكثر من جبهة، ناهيك عن حجم التعويضات الماليّة التي ستتصدّر مائدة المُفاوضات، ومع ذلك يظَل الجُنوح للسّلم والجُلوس على مائدة المُفاوضات، والاعتراف بالخصم والتّجاوب مع مُعظم مطالبه هو الخِيار الأفضل، والأقل كُلفةً، وسيتم اللّجوء إليه في نهاية المطاف.
فكلّما طال أمد الحرب كلّما ازداد الموقف السعودي التّفاوضيّ ضعفًا بعد أن أصبحت السعوديّة الطرف الوحيد فيها، وانهيار ما يُسمّى بالتّحالف العربي.. واللُه أعلم.
“رأي اليوم”