هل خرَجَت إيران المُستَفيد الأكبر من حملة التّصعيد عليها؟: لماذا تباين الموقف السعوديّ – الإماراتيّ في التّعامل مع هُجومها “المُفتَرض” على ناقلات النّفط؟
وماذا عن أسباب ترامب الذي “لا يرغب” بمُواجهاتٍ معها؟.. القوّات الأمريكيّة أعادت انتشارها في مياه الخليج فهل يستغل “الطّرف الثّالث” المُستفيد عودتها لجر واشنطن للمعركة؟
عمان- “رأي اليوم”- خالد الجيوسي:
في المَشهدِ العام، سواء وقعت الحرب معها، أو لم تقع، تبدو الأمور في غاية الإيجابيّة بالنّسبة لإيران، أو في صُورة “الهيبة” المُتعلّقة بسيادتها، وحُضورها العسكريّ، والصاروخي، الرداع، من شن حربٍ واسعةٍ عليها، أو إعادة الحِسابات المُتعلّقة بكيفيّة انتهائها، فالنّهاية لا يبدو أنها تضمن إسقاط نظامها، والداعم بطبيعة الأحوال لأذرعها الضّاربة، في العِراق، لبنان، سورية، وفِلسطين، وهي الأذرع التي تُشكّل لإسرائيل قلقاً على وجه التّحديد.
الجميع ودون استثناء “لا يرغب” في الحرب مع الجمهوريّة الإسلاميّة، فذات الولايات المتحدة الأمريكيّة، والتي صعّد رئيسها دونالد ترامب ضد الأخيرة، وعلى خلفيّة اتّهامها غير المُباشر بالمسؤوليّة عن الأضرار بأربع ناقلات خليجية، قرب ميناء الفجيرة الإماراتي، هو ذاته يرغب بالحِوار معها، وهو ما كشفت عنه صحيفة “نيويورك تايمز” بأنّ الرئيس الأمريكي لا يرغب بأن تذهب حملة الضّغط الأخيرة المُكثّفة ضد إيران، إلى مُواجهات، وحرب مفتوحة، وإن كانت لا ترغب الأخيرة بالحِوار معه، بُغية فرض شُروطها عليه لا شُروطه عليها، إن كان في الاتفاق النووي من اتّفاقٍ جديد.
دول الخليج هي الأخرى، والراغبة بعضها في القضاء على إيران، أو المُشتركة معها بالخُصومة، لا يُسمع صوت تهديداتها عالياً بالتّزامن والتّساوي، وتحديداً الإمارات العربيّة المتحدة، التي تتّخذ موقفاً دبلوماسيّاً على عكس موقف العربيّة السعوديّة التي أطلقت العنان لصحافتها بقرع طُبول الحرب، بل وهاجمت الإيرانيين علناً، وعلى الرغم من كون الإمارات هي المُستهدفة من ذلك الهُجوم، على اعتبار أنّ ناقلاتها أوّل من تضرّرت بفِعل الهُجوم الغامض للناقلات الذي اقتصر على الأضرار الماديّة، لا يبدو أنّ الفاعل كان محسوماً بالنسبة للإمارات، بل فضّلت الأخيرة انتظار نتائج التّحقيقات، فإيران ذاتها نأت بنفسها عن الهُجوم، ولم تُعلن أي جهة مسؤوليتها عن الحادث، واتّهام الإمارات لها، سيبدو مُستفزّاً، ودون دلائل، وإمعاناً بالخُصومة، التي تُريد العربيّة السعوديّة، الذهاب بها بعيداً.
ونقلت وكالة “رويترز”، عن دبلوماسيين إماراتيين، قولهم إنّهم لا يُمكنهم ألا يكونوا إلا دبلوماسيين، ولا يُمكنهم تدمير سُمعة اقتصادهم، في وقتٍ كان وزير الطاقة السعودي قد أعلنها صراحةً عن تعرّض ناقلتين سعوديتين للهُجوم، بينما اقتصر بيان الإمارات حول الحادثة، بوصف السّفن بأنها تجاريّة وليست ناقلات نفط.
تباين الموقف السعودي- الإماراتي بالتّعامل مع إيران، هي ورقة رابحة بلا شك، بالنّسبة للإيرانيين، وحرص الإماراتيين على اقتصادهم، وأمان بلادهم، سيُضعف الموقف السعودي، ويزيد من قوّة نظيره الإيراني، فالسعوديّة طالما قّدمت نفسها على أنها ضمن تحالف إماراتي- مصري، أو في أقلّه إماراتي، ليظهر أنها وحيدة في مُواجهة إيران، مع الإشارة إلى انسحاب مصر من حلف الناتو العربي مُسبقاً المُعد لمُحاربة إيران، فيما يتعزّز المحور الإيراني، بسورية، والعراق، والأذرع الضاربة لإيران التي تُساوي جُيوشاً، من الحشد الشعبي، مُروراً بحزب الله، وانتهاءً بحركات المُقاومة الإسلاميّة في فِلسطين، وتنقل “رويترز” في هذا السّياق عن دبلوماسي غربي قوله: “طريقة الإمارات أكثر براغماتيّة، واستراتيجيّة ولديها الكثير لتخسره، السعوديّة الشاغل الأكبر بالنسبة لإيران”.
وأمام هذا، يبقى التّساؤل مطروحاً، أو محصوراً بين المُستفيدين من هجوم الفجيرة، على اعتبار أنّ المُتحمّسين للحرب ضِد إيران، هُم العربيّة السعوديّة من جهة، وإسرائيل من جهةٍ أخرى، ليُطرح تساؤل آخر، ما هي فائدة إيران، من تصويب غضب العالم تُجاهها فيما لو استهدفت بالفِعل الناقلات، وما هي مصلحة أمريكا في افتعال ذلك الهُجوم، لإيجاد الذّريعة لشن الحرب، طالما ثبُت كُل هذا التلكّؤ في إدارتها، وتباين المواقف مع مُستشاريه المُتحمّس بعضهم للحرب، ومع اقتراب الانتخابات الأمريكيّة، ليس من صالح المُرشّح ترامب لولاية ثانية جديدة، أن يخل بوعوده الانتخابيّة، والتي على رأسها عدم خوض الولايات المتحدة الأمريكيّة حُروباً جديدةً في المنطقة، وبالتّالي خسارة الأمريكيين أرواح أبناءهم الجُنود المُقاتلين، فماذا لو تطوّر أو تم تطوير الأمر من قبل “الطّرف الثالث” الذي تتّهمه إيران بمُحاولات جر واشنطن إلى الحرب، وأحدث هجمات دمويّة قاسية بالناقلات الخليجيّة أو الأجنبيّة.
في جديد التّصعيد، وأجواء الحرب، نقلت صحيفة “الشرق الأوسط” السعوديّة عن مصادر خليجيّة، أنّ المملكة وعدد من دول الخليج وافقت على طلب أمريكا إعادة انتشار قوّاتها في مياه الخليج العربي، وعلى أراضي دول خليجيّة، وهي المُوافقة تقول الصحيفة إنها جاءت بناءً على اتّفاقات بين الولايات المتحدة الأمريكيّة من جهة، ودول خليجيّة من جهةٍ أخرى، حيث يهدف الاتّفاق إلى “ردع” إيران عن أيّ اعتداءات مُحتملة قد تصدر منها، وبفعل سلوكيّاتها المُزعزعة لأمن المِنطقة.
وأشارت المصادر ذاتها، إلى أنّ إعادة انتشار القُوّات الأمريكيّة في المِنطقة، هو ردع إيران عن أيّ مُحاولة تصعيد للموقف عسكريّاً، والهُجوم على دول الخليج، وليس الدخول في حربٍ معها، والثّابت في هذا، أنّ كُل المُؤشّرات، لا تدل على نيّة إيرانيّة بشن أيّ هُجوم على دول الخليج، طالما أنّ أراضيها، ومصالحها كما كرّرت تحذيرها، لم تتعرّض للخطر، أو في حال افتعال “الطرف الثالث” ذريعة “الاعتداء الإيراني” الذي يحتاج لرد القُوات التي عادت للانتشار في مياه وأراضي الخليج، وعلى رأسهم السعوديّة الأكثر خُصومةً ومُجاهرةً بالعداء للجمهوريّة الإسلاميّة.
تأكيد دول الخليج أو بعضها، أنها أعادت انتشار القوّات الأمريكيّة على أراضيها، وفي مياهها، لردع إيران، لا دخول في حربٍ معها، يُعطي نتيجةً مفادها، أنّ دول الخليج وحتى السعوديّة بدأت تُدرك خُطورة اشتعال فتيل هذه الحرب، وأنّ الحليف الأمريكي، وكقوّة عُظمى يُدرك، أو يمتلك معلومات مُؤكّدةً بالأحرى، أنّ إيران ليسَت كما الأنظمة التي أسقطتها واشنطن في حُروبها السّابقة، وأنّ الحرب معها ليست نُزهةً تنتهي بإعدام مُرشد الثورة، واعتقال الرئيس، وتفكيك الجيش الإيراني وحلّه، أو كما وصفتها صحيفة لبنانيّة محليّة بنمرٍ من ورق.
لا أحَد يستطيع أن يُعطي ضمانةً نهائيّةً، بعدم ذهاب المنطقة إلى حرب، قد يكون سببها مُفاجئاً، وربّما على الجميع أن يكون على أهبة الاستعداد على شاكلة الحالة الكويتيّة، التي دعا أميرها حرسه الوطنيّ إلى الاستعداد، والحيطة والحذر، ونبّه رئيس مجلس أمّتها مرزوق الغانم إلى مدى دقّة، وحساسيّة وخُطورة المرحلة القادمة، وأنّ هُناك فُرصاً عاليةً للحرب، وهي تحذيرات صادرة عن دولةٍ مُحايدةٍ، ومُسالمةٍ، ووسيط أزَمَات، ولعلّ الاستِماع إليها واجبٌ، يقول مراقبون.