إعدامات السعودية.. الثوب الزائف للعدالة
ترجمة وتحرير شادي خليفة - الخليج الجديد
يوم الثلاثاء الماضي، أعلنت مصادر رسمية سعودية عن إعدام 37 سجينا بشكل جماعي، من بينهم شخص تم صلبه بوحشية بعد إعدامه.
وقد تم جمع السجناء معا، واتهامهم بعدة تهم غامضة، مثل الإرهاب، والتآمر لتقويض الأمن، والتجسس، ونشر الإسلام الشيعي، والقتل، وقد تم اتهام الرجل الذي تم صلبه بقتل امرأة والتآمر لقتل امرأة أخرى.
لكن من فضلك لا تسأل نفسك ما إذا كان من بينهم المعدومين أولئك الـ15 الذين خططوا وقتلوا الصحفي "جمال خاشقجي" في القنصلية السعودية في إسطنبول في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، فهؤلاء لم تتم تسمية أي منهم أو توجيه تهم إليهم علانية في محكمة سعودية، ولن يتم إعدامهم على الأرجح، إذا أدينوا في الأساس.
وقد أعلنت وكالة الأنباء السعودية ما يلي: "تم تنفيذ عقوبة الإعدام بحق عدد من المجرمين، لاعتناقهم أيديولوجيات إرهابية متطرفة، وتشكيل خلايا إرهابية لإفساد وتعطيل الأمن، وكذلك نشر الفوضى وإثارة الفتنة الطائفية".
ووفقا لمنظمة العفو الدولية، تم إعدام ما لا يقل عن 104 أشخاص في السعودية حتى الآن هذا العام، وفي عام 2018 كله، نفذت الدولة 149 عملية إعدام.
عدالة زائفة
كان ما لا يقل عن 34 من السجناء، الذين تم إعدامهم، من الناشطين الشيعة، والمهنيين، وعلماء الدين، وعدد من الشباب الذين تم احتجازهم عندما كانوا قصرا.
ويجب أن يكون المجتمع في حالة صدمة وحداد على تلك الخسارة. فقد تم اعتقال العديد من السجناء الشيعة الشباب في أوائل عام 2011، عندما خرج الكثيرون في المنطقة الشرقية في انتفاضة للمطالبة بالإفراج عن السجناء السياسيين.
ويعد هذا النمط من العقاب الجماعي مهزلة للعدالة لأسباب عديدة؛ أولا، لا يمكن الوثوق في النظام السياسي الذي يستخدم القضاء لأجل فرض سلطته المطلقة وليس لتحقيق العدالة الحقيقية.
وتقوض المحاكمات السرية مصداقية النظام القضائي السعودي، علاوة على ذلك، يتم انتزاع معظم الاعترافات تحت وطأة التعذيب في انتهاك صارخ لحقوق الإنسان.
لكن بالطبع، لا يولي النظام السعودي اهتماما كبيرا بمثل هذه التفاصيل، وبدون محاسبة النظام، لا يمكن لأحد أن يتحدى الحالة المزرية للسجون السعودية، وما يجري وراء أبوابها المغلقة.
علاوة على ذلك، عندما ندرك أن المحامي "وليد أبوالخير"، والناشطة في مجال حقوق المرأة "لجين الهذلول"، من بين مئات سجناء الرأي، يحاكمون أمام محاكم الإرهاب، رغم أنهم ناشطون سلميون، يمكننا أن نستنتج أنه لا يمكن الوثوق في النظام، الذي يتهم الناس بالإرهاب لأجل كتابة مقال أو تغريدة، أو ممارسة مهنته كمحام للدفاع عن سجين سياسي.
تهمة الإرهاب
ثانيا، يسهل اتهام جميع السجناء الذين يتم إعدامهم بتهمة الإرهاب لدرء أي انتقادات لقرار الحكومة، وتحديدا للملك "سلمان"، الذي يتعين عليه توقيع أحكام الإعدام قبل تنفيذها.
وفي الواقع، يواجه أي نقد لمثل هذه المذبحة من قبل مجموعات إلكترونية تابعة للحكومة تقوم بتبرير عمليات الإعدام على أساس الإرهاب، بل يتهمون أي ناقد لها بالتعاطف مع الإرهاب.
وفي مثل هذه الحالة، فإن منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، اللتين قامتا بالتحدث عن عمليات الإعدام، وشككتا في رواية الدولة بشأن تهم الإرهاب، تواجهان اتهامات بالتعاطف مع الإرهابيين.
ويعتبر النظام السعودي نفسه رأس الحربة في "الحرب على الإرهاب" والتحالف الدولي ضد "الدولة الإسلامية"، ويعتقد أن عمليات الإعدام الجماعية للإرهابيين يجب الترحيب بها بدلا من التشكيك فيها، وقد أصبحت تهم الإرهاب "الغامضة" مظلة يستخدمها نظام قضائي "غامض"، بإيعاز من نظام حكم متشدد، لأجل إسكات المعارضة.
احتواء إيران
أخيرا، من المهم الإشارة إلى السياق السياسي لعمليات الإعدام الأخيرة، وبعد أن فوض الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" المملكة بمهمة احتواء إيران ومكافحة الإرهاب، تعتبر واشنطن النظام السعودي حليفا لا غنى عنه لمواجهة النفوذ الإيراني.
ويمكن تفسير إعدام السجناء الشيعة بأنه أحد جولات الكفاح ضد النفوذ الإيراني.
لكن إيران لن تتأثر بهذا القتل الجماعي، وقد تدين فقط إعدام أتباعها المتدينين، كما فعلت عندما أعدمت المملكة الشيخ "نمر النمر" عام 2016، وأدى الحادث إلى هجوم على السفارة السعودية في طهران، وتدهور خطير في العلاقات بين البلدين.
ومع ذلك، يبقى الضحايا الحقيقيون للظلم السعودي في 23 أبريل/نيسان هم الشيعة السعوديون، الذين يمثلون أقلية تقف على حافة الهاوية، وبصرف النظر عن مقدار احترامهم للنظام السعودي وتأييدهم له، يبدو أنهم متهمون دائما بالولاء لإيران.
وعاد العديد من الناشطين الشيعة المنفيين إلى السعودية في التسعينات، واستمروا في الكتابة عن المواطنة والاندماج ورفض الطائفية ورحبوا بإدراجهم في الحوار الوطني في عهد الملك "عبدالله"، وأيدوا المشاريع الجديدة للتنمية والبناء في مناطقهم في عهد الملك "سلمان".
ولكن للأسف، يفشل المركز التجاري في القطيف، المزين بالأشجار المزروعة حديثا، والمضاء بالأنوار المتلألئة، يفشل في امتصاص شعور التهميش والعزلة والاستبعاد.
ومن المؤكد أن المحاكمات الجائرة للعديد من السجناء الشيعة الذين تم إعدامهم سوف تعزز هذا الشعور.
ويمكن اعتبار عمليات الإعدام الأخيرة بمثابة رسالة إلى إيران، لكنها في الحقيقة ضربة للتعايش السلمي والوئام داخل السعودية نفسها.
ومن المؤكد أن عمليات الإعدام لن تضع حدا للاحتجاج والنشاط السلميين للمجتمع الشيعي السعودي، الذي يكافح من أجل المساواة لأكثر من نصف قرن.
مجزرة جماعية
وتعد عقوبة الإعدام عقوبة بغيضة ووحشية، ويجب إلغاؤها في كل الدول الديمقراطية وبالأولى في الدول ذات الأنظمة الاستبدادية، التي تستخدم العقوبة لتخويف المواطنين وإرهابهم.
وبطبيعة الحال، يعد صلب شخص ما بعد إعدامه وسيلة أخرى لنشر الخوف والصدمة وتحطيم معنويات الأشخاص المحرومين من الحريات الأساسية.
وسيتم تفسير أي دعوة لإلغاء عقوبة الإعدام في المملكة على أنها تقوض التزامها بالعدالة والشريعة الإسلامية، لكن هذا مجرد مبرر لمواصلة ممارسة عقوبة بغيضة ومثيرة للاشمئزاز.
وبالتأكيد يمكن للعلماء المسلمين أن يناقشوا قضية إلغاء عقوبة الإعدام، لاسيما عندما يستخدمها نظام قمعي مثل النظام السعودي، دون وجود سلطة قضائية شفافة.
وإذا كانت السعودية ملتزمة حقا بالعدالة الإسلامية، فيمكنها إثبات ذلك من خلال إحضار المتهمين بقتل "خاشقجي" إلى محاكمة نزيهة مستقلة.
ولا يمكن للمجزرة الانتقائية التي تم ارتكابها في 23 أبريل/نيسان أن تثبت صحة موقف المملكة أو التزامها تجاه الشريعة الإسلامية.
وبدلا من ذلك، يمكن لهذه الممارسة أن تثبت شيئا واحدا وهو مدى السهولة التي يمكن بها للنظام في الرياض أن يسلب أرواح مواطنيه.
المصدر | مضاوي الرشيد - ميدل إيست آي