«معهد الأمن القومي»: خطط «بن سلمان» تعرض النظام السعودي للخطر
ترجمة وتحرير شادي خليفة - الخليج الجديد
على النقيض من الثورات العربية خلال العقد الماضي التي حدثت من القاعدة إلى القمة، العقد الماضي، فإن العمليات الثورية الجارية حاليا في المملكة العربية السعودية، والتي تهدف إلى تغيير النسيج الاقتصادي والاجتماعي في هذه المملكة المحافظة، تأتي من الأعلى إلى الأسفل، من قبل ولي العهد والحاكم الفعلي «محمد بن سلمان» من قصره في الرياض.
ولدى «بن سلمان» قدر كبير من العمل لإنجاز هذه الثورة، ومن المأمول أن تكون خططه لتغيير طبيعة المجتمع والاقتصاد السعودي أكثر نجاحا من العديد من تصرفاته الإقليمية، حيث قاد مقاطعة قطر والحرب في اليمن.
ومع ذلك، فمن المشكوك فيه أن تمتلك المملكة نفسها رأس المال المتاح والمعرفة اللازمة لدفع الإصلاحات إلى الأمام. وستحتاج الثورة السعودية إلى مساعدة سياسية واقتصادية من الغرب، لأن فشلها سيكون له بالتأكيد عواقب إقليمية ودولية.
ويحاول الأمير البالغ من العمر 32 عاما فرض تغيير على أسرة آل سعود نفسها؛ حيث يدفع تجاه التحول من الحكم الجماعي من قبل الفروع المختلفة للأسرة، الأمر الذي خلق نظاما من الضوابط والتوازنات، إلى ما يبدو حكما أكثر استبدادية.
وبالنسبة لمعارضي «بن سلمان»، بمن في ذلك الشخصيات الدينية، ورجال الأعمال، وحتى الأمراء، فقد تم استبعادهم أو اعتقالهم أو طردهم باسم مكافحة الفساد، في عملية تفتقر إلى الشفافية حتى الآن.
وسعى «بن سلمان» في زيارته الأخيرة إلى أوروبا والولايات المتحدة إلى الترويج لصورة السعودية كمملكة ديناميكية وشابة ومبتكرة أكثر تسامحا وعدالة.
وفي الوقت نفسه، تنفق المملكة مبالغ كبيرة من الأموال على جماعات الضغط وشركات العلاقات العامة، وتساعد مراكز الأبحاث في الولايات المتحدة من أجل تحسين صورتها.
وسارع الكثيرون في الغرب إلى دعم مكانة «بن سلمان» كمصلح. وقارنه البعض بـ «كمال أتاتورك»، مؤسس تركيا الحديثة.
غير أن بعض من يعرفونه قالوا إنه يرى نفسه يقارن بشخصيات مثل الرئيس الصيني «شي جين بينغ».
فهل سيتبنى «بن سلمان» نموذجا للقمع السياسي مقترنا بالانفتاح الاقتصادي، على غرار النمط الصيني؟ من الممكن بالتأكيد، على الرغم من أن محاولة قيادة المملكة في هذا الاتجاه من المرجح أن تواجه بعض التحديات.
بين الوعود والقدرات
إن الحاجة إلى الإصلاح الشامل في السعودية، كما حث صندوق النقد الدولي في أواخر القرن العشرين، ليست موضع خلاف.
وتم عرض الرؤية الثورية السعودية، التي ابتكرتها شركات الاستشارات الدولية، في أبريل/نيسان عام 2016، تحت عنوان «رؤية 2030».
وركزت هذه الرؤية قبل كل شيء على الجهود المبذولة لتنويع مصادر الدخل في المملكة بعيدا عن النفط.
وفرضت ضرائب جديدة كجزء من الإصلاحات، بما في ذلك ضريبة القيمة المضافة، وخفضت إعانات الكهرباء والماء والوقود. وقد تضاعف سعر الوقود أوائل عام 2018.
وحتى الآن، تمول المملكة بنجاح عجز ميزانيتها، المتوقع أن يصل إلى 52 مليار دولار هذا العام، من خلال استنزاف احتياطياتها من العملات وبيع السندات.
ومن خلال هذه الإجراءات، جمعت 40 مليار دولار في 2016-2017، وتسعى إلى جمع 30 مليار دولار أكثر في عام 2018. ويبدو أن الجهود المبذولة لجمع 100 مليار دولار من خلال موجة من الاعتقالات في نوفمبر/تشرين الثاني 2017 باسم الحرب على الفساد قد فشلت، فقد كانت تقديرات المبلغ المكتسب أقل بكثير.
وبعد عامين من إطلاق البرنامج، لا تزال البطالة مرتفعة والنمو لا يذكر. وتقل أعمار 70% من مواطني المملكة عن 30 عاما، وفي هذه الفئة العمرية، التي تدعم ظاهريا «بن سلمان»، تقدر نسبة البطالة بـ 30%.
علاوة على ذلك، فإن الجدول الزمني وجدوى الاكتتاب العام شركة «أرامكو»، شركة النفط الوطنية السعودية، لغرض دفع ثمن الإصلاح، أمر مشكوك فيه. ولدى هذا الاكتتاب العام فرصة أكبر للظهور في البورصة السعودية المحلية كطريقة لتجنب العقبات الاقتصادية والقانونية.
ومن أجل مساعدة الأسر على مواجهة ارتفاع تكاليف المعيشة ومنع الاضطرابات المحتملة، أطلق الديوان الملكي برنامج «حساب المواطن» لدعم الطبقة الأقل من المتوسطة (نحو 10 ملايين مواطن).
لكن العمال الأجانب، الذين يشكلون ثلث المقيمين في المملكة، غير مؤهلين لهذا البرنامج، مما دفع العديد منهم، خاصة بين العمال ذوي الياقات الزرقاء، إلى العودة إلى بلدانهم الأصلية، على الرغم من أن المواطنين السعوديين ليسوا في عجلة من أمرهم لأخذ أماكنهم.
كما يغادر العمال ذوو المهارات العالية، ويرجع ذلك أساسا إلى ارتفاع الضرائب والتكاليف.
وفي الوقت نفسه، فإن تدريب المواطنين السعوديين على أخذ أماكنهم سيستغرق أعواما عديدة، وربما أجيال.
وعلى المدى القصير، ساعد ارتفاع أسعار النفط نسبيا، بسبب أمور منها التفاهم بين موسكو والرياض، في ضخ المزيد من الأموال إلى الخزينة السعودية مقارنة بالأعوام السابقة، ويساعد ذلك في تمويل الحرب في اليمن والإصلاحات.
ومع ذلك، فإن هذه الزيادة تساعد صناعة النفط الصخري العالمية، ومن الممكن أن تنتقص من الحافز لإجراء تغييرات هيكلية كبيرة على المدى الطويل، خاصة إذا نمت المعارضة لزيادة العبء على المواطنين.
وتعتبر المنتجات والخدمات الاستهلاكية، التي كانت مدعومة إلى حد كبير أو حتى تم إعطاؤها مجانا لأعوام عديدة، حقا حصل عليه المواطنون مقابل ولائهم لـ«آل سعود».
ومن ثم فإن أي إلغاء رئيسي وطويل لهذا الحق قد يؤدي إلى الانتقاص من هذه العلاقة بين المواطنين والأمراء، وهو أمر مهم لاستقرار النظام.
ويخشى «بن سلمان» الاحتجاجات. وترتفع أصوات مثل هذه الاحتجاجات من وقت لآخر ولكنها تقتصر حتى الآن على الشبكات الاجتماعية (التي يتم رصدها والإشراف عليها).
لذلك، في أوائل عام 2018، بعد أسبوع من فرض ضريبة القيمة المضافة وتضاعف سعر البنزين، سارع الديوان الملكي إلى منح زيادات في الأجور ومكافآت للعاملين في القطاع العام المتضخم، الأمر الذي يشكل دعما لاستقرار الأسرة المالكة.
وفيما يتعلق بالإصلاحات الاجتماعية، جرد «بن سلمان» الشرطة الدينية من بعض سلطاتها، وإعادة فتح دور السينما، وسمح للنساء بالحصول على رخص القيادة.
وهذه الإجراءات الجزئية، المأساوية بالمعايير السعودية، قد أكسبته تعاطفا. ولكن في الوقت نفسه، لا تزال المساواة بين الجنسين بعيدة المنال، ويتم حظر التنظيم السياسي بأي شكل من الأشكال، وكقاعدة عامة، لا تزال المملكة تحكمها الشريعة الإسلامية.
نظرة إلى الأمام
وفي مقابلة مع الصحافة الغربية خلال زيارته للولايات المتحدة، أعلن «بن سلمان» أن «الموت فقط» سيوقفه، ربما كوسيلة للتعبير عن عزمه على المضي قدما في جدول أعماله، أو ربما كإشارة لأولئك الذين نفاهم من الحكومة ومناصب السلطة، إذا وقفوا ضده في يوم من الأيام. وقد يكون هذا هو السبب وراء التقارير التي تشير إلى أن ولي العهد يحيط نفسه بحراس شخصيين مرتزقة غير سعوديين.
بالإضافة إلى ذلك، بما أن وضع «بن سلمان» كعامل استقرار لم يتم إثباته، فمن المشكوك فيه أن يؤدي السلوك السلطوي إلى استقرار طويل الأجل في المملكة.
وتبعث هذه الحالة برسالة سلبية وتزيد من حالة عدم اليقين بين المستثمرين في الغرب، الذين تحتاج المملكة إلى خبراتهم ورؤوس أموالهم من أجل إحراز تقدم في الإصلاحات. وبنفس الطريقة، أدى القلق بين السعوديين الأثرياء من أن تصادر أموالهم باسم مكافحة الفساد إلى قدر كبير من انتقال رأس المال الخاص خارج المملكة. ويجب على «بن سلمان» أيضا أن يعالج الفجوة المحتملة بين تصريحاته الطموحة والقدرة على إجراء تغييرات سريعة بعيدة المدى في البنية الاقتصادية والسياسية.
فكم من الوقت يستغرقه الشباب في المملكة ليصيبهم الإحباط؟ من المشكوك فيه ما إذا كانوا قادرين على التأقلم على المدى الطويل مع العديد من الأعباء المفروضة عليهم في غياب نتائج موضوعية ملموسة، في وقت لم يغير ملكهم المستقبلي نمط حياته المتفاخر.
وتتطلب عملية الإصلاح الثوري في المملكة وجهين، تشجيع الإصلاحات الاجتماعية الاقتصادية الأساسية التي يحاول «بن سلمان» الترويج لها، وكبح جماح ميوله السلطوية.
ولدى «بن سلمان» قدر كبير من العمل لإنجاز شيء ما، ومن المأمول أن تكون خططه لتغيير طبيعة المجتمع والاقتصاد السعودي أكثر نجاحا من العديد من سياساته الإقليمية، حيث قاد مقاطعة قطر والحرب في اليمن.
وبالإضافة إلى ذلك، من المشكوك فيه أن تمتلك المملكة نفسها رأس المال المتاح والمعرفة اللازمة لدفع الإصلاحات إلى الأمام. وستحتاج الثورة السعودية إلى مساعدة سياسية واقتصادية من الغرب، لأن فشلها سيكون له بالتأكيد عواقب إقليمية ودولية.
ويتطلب النجاح من الجيل الأصغر في المملكة تقليص توقعاته، والاعتياد على المزيد من الظروف المعيشية الصعبة. وفي الوقت نفسه، سيتعين على «بن سلمان» إيجاد طرق لإقناع الزعماء والمستثمرين الأجانب بأن تطهيره الداخلي قد صمم لمحاربة الفساد، لإيجاد وسائل لتخفيف الضغوط الداخلية الناجمة عن الإصلاحات. وبخلاف ذلك، فإن كلا من الإنجازات المحتملة للإصلاحات الثورية واستقرار النظام نفسه قد يتعرضان للخطر.
المصدر | معهد دراسات الأمن القومي