“السعودية” تفشل في الإيهام بإصلاح ظروف عمل الأجانب
مساعي “السعودية” للتخفيف من وقع الانتقادات الدولية والشكاوي التي رفعت عليها على خلفية سوء وضع العمال الأجانب لديها، لم تحدّ من هذه الانتقادات؛ بل كانت فرصة جديدة لإعادة النظر في مدى جدّيّة البلاد في حل ملف العمال الأجانب. أقدمت البلاد مؤخرا على خطوة لصالح تبييض سجلها: أعلنت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية عن مبادرة لإقرار “سياسة وطنية للقضاء على العمل الجبري”، لتُعلن وكالة الأنباء السعودية (واس) عن موافقة “مجلس الوزراء” بقيادة محمد بن سلمان على السياسة. لكن رغم هذه المساعي، يحذّر مراقبون حقوقيون من هذه الخطوات مخافة أن تكون مجرد حبر على ورق ينسي المجتمع الدولي مرارة ما يعانيه عشرات الالاف من الأجانب في هذه البلاد. وفي ظهور إعلامي لمدير التواصل والمرافعة في منظمة هيومان رايتس ووتش للشرق الأوسط، أحمد بن شمسي قال “نقر أن السعودية أول دول عربية تتبنى سياسة لمكافحة العمل الجبري، ونرحب بذلك بحذر، طالما أنها لا تكون لتجنب الانتقادات التي أثارتها شكوى منظمة العمل الدولية”. وتابع بن شمسيه تحذيره من ان للسعودية ماض في إقرار إصلاحات لا يتم تطبيقها على أرض الواقع، معطيا مثال عن الإصلاحات في نظام الكفالة التي زعمت السلطات السعودية إقرارها، ورغم ذلك “ما زال أصحاب العمل لديهم سلطة على العمال، وهناك خوف متجذر من الانتقام، حتى لو توجه للقانون، منتقدا غياب وجود لمنظمات المجتمع المدني والنقابات في المملكة”. نظام الكفالة وهو نظام قانوني يُتبع في معظم دول الخليج ويحدد العلاقة بين صاحب العمل والعامل الاجنبي. يقوم هذا النظام الموجود منذ 7 عقود في السعودية على السماح باستقدام عمال اجانب، يلزم العامل بالعمل لدى صاحب عمل واحد، دون السماح له بترك الوظيفة او ايجاد ظروف عمل أفضل في وظيفة اخرى؛ دون موافقة الكفيل. كما تصادر جوازات السفر للعمال في اغلب الحالات. ولا يمكنهم مغادرة البلاد إلا بترخيص من الكفيل. ووفق التعديلات الأخيرة التي خضع لها هذا القانون، التي يؤكد المراقبين على عدم جديتها، فبات يمكن للعامل ان ينتقل بين الوظائف في البلاد، ولكن بشروط وظروف محددة. أما تعديلات فتستثني العاملين في خمسة قطاعات وهي: السائق الخاص، الحارس، العمالة المنزلية، رعاة الماشية والبستاني. وللمفارقة فإن هذه الفئات المستثناة؛ هي الفئات التي تعتبرها المنظمات الحقوقية انها الاكثر عرضة للاستغلال. أشار شامسي، خلال حديثه مع قناة “الحرة”، إلى أنه على الرغم من الإصلاحات في نظام الكفالة ما زال أصحاب العمل لديهم سلطة على العمال، وهناك خوف متجذر من الانتقام، حتى لو توجه للقانون، منتقدا غياب وجود لمنظمات المجتمع المدني والنقابات في المملكة. وأكد شامسي أنه لا تزال هناك انتهاكات واسعة فيما يخص تنقّل العمال بين الوظائف، أو عملية الخروج من البلاد. مؤكدا على أن المشكلة في “السعودية” ليس بإعلان السياسة، بل بكيفية تنفيذها، إذ أن توسعها في المشاريع العملاقة، لا يجب أن يكون على حساب تعريض ملايين العمال لمخاطر جسيمة. وفي حين يحاول رجالات السلطة السعودية تبرير الانتهاكات المسجلة التي تنقلها جهات عديدة، على اعتبار أنها حالات فردية، لكن الارقام التي تكشفها المنظمات الدولية تنفي هذه المزاعم. حيث بيّنت الشكوى التي قدمها الاتحاد الدولي لعمال البناء والأخشاب بشأن ظروف العمل والاستغلال لأكثر من 13 مليون عامل وافد، وهي شكوى مقدّمة أمام منظمة العمل الدولية باسم 21 ألف شخص هم ضحايا مفترضون لـ”انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان” ولمصادرة أجور. استندت شكوى الاتحاد الدولي لعمال البناء والأخشاب إلى مجموعة من الأدلة، منها عدم تلقي عشرات آلاف العمال أجورهم من شركتي إنشاءات في السعودية أفلستا في عام 2016، وشهادات 193 عاملا وافدا واجهوا انتهاكات عديدة مثل تقييد الحركة، والتخويف والتهديد، والاحتفاظ بوثائق الهوية، وعبودية الديون، وظروف العمل والمعيشة المنتهكة، والعمل الإضافي المفرط. وتتفاقم الأضرار الناجمة عن هذه الانتهاكات نتيجة حرمان العمال من الحق في حرية تكوين الجمعيات والتفاوض الجماعي. وهم جديد الناشط الحقوقي والمتحدث باسم حزب التجمع الوطني أحمد حكمي في مداخلته التلفزيونية، وصف ما أعلنته السعودية بشأن سياسة حماية العاملين بأنه “وهم جديد”. واتفق مع كلام شمسي بأن “السعودية” لطالما تعلن عن إصلاحات شكلية، ولكن عند اختبارها تكون غير حقيقية. واستشهد بتقرير وثائقي رصد أوضاع العمال، يتحدث عن 21 ألف قتيل من ثلاث دول خلال ثمانية أعوام في أحد المشاريع الكبرى في السعودية، في إشارة إلى مشروع نيوم.