الركن الثالث للاقتصاد.. بلومبرج: السعودية تتطلع لاستخراج معادن بـ1.3 تريليون دولار
سلط تقرير مطول نشرته وكالة "بلومبرج" الأمريكية على مساعي السعودية لإحداث طفرة في استخراج المعادن (التعدين) والصناعات المرتبطة بها، باعتبار التعدين هو "الركن الثالث" للاقتصاد في رؤية 2030، بجانب الركنين الآخرين (البترول والبتروكيماويات)، ما يعني أن التعدين سيكون الجزء الأكبر من الاقتصاد بعد النفط والغاز.
ومن المنتظر أن يوظف قطاع التعدين في نهاية المطاف ما يتجاوز 250 ألف شخص وأن يسهم بنحو 75 مليار دولار في الناتج المحلي الإجمالي السعودي مع حلول 2030، بحسب الأهداف الموضوعة.
ويقول التقرير إن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان يستعد لضخ مليارات الدولارات لاستغلال أكثر من 1.3 تريليون دولار من المعادن التي تسعى الحكومة السعودية لاستخراجها، بعدما ضخت البلاد بالفعل ثروات الطاقة لإحداث تغييرات في مجالات الرياضة والسياحة والسينما.
ويضيف: قد تكون الخطة من بين المكونات الأقل بروزاً في رؤيته الكبرى 2030 لتحويل الاقتصاد السعودي، كما أن احتمال تحويل السعودية إلى مركز للمعادن يمكنه إحداث تأثير في الصناعة العالمية.
لكن ولي عهد السعودية، البالغ من العمر 38 عاماً، لا يعاني من نقص في الثروة أو الطموح، بحسب التقرير، لكن العامل الرئيسي سيكون هو إقناع شركات التعدين الدولية بأن الأمر يستحق بذل الجهود.
وترى "بلومبرج" أنه إذا حقق "الحلم السعودي" نجاحاً جزئياً فقط، فستكون له آثار تتجاوز منطقة الشرق الأوسط، ليس فقط بالنسبة لتعدين المعادن ولكن أيضاً على علاقات المملكة العربية السعودية مع الولايات المتحدة والصين والأسواق الناشئة التي تقترب المملكة منها.
موقع "خنيقوية"
وتطرق التقرير إلى موقع "خنيقوية"، الذي يعد من أبرز أماكن التعدين في السعودية، قائلا إنه إذا آتت الجهود ثمارها بحلول عام 2025، سينتج الموقع معادن بما في ذلك 100 ألف طن سنوياً من الزنك و10 آلاف طن من النحاس في مرحلته الأولى.
ورغم أن هذا رقم ضئيل حسب المعايير العالمية، (أي ما يعادل إنتاج النحاس في تشيلي خلال نحو 18 ساعة)، لكن الهدف هو مضاعفة الحجم، كونه واحد من عدة مشاريع في المملكة.
وبالإضافة إلى تطوير المناجم المحلية، هناك أيضاً عنصر آخر في الخطة يقول المطلعون على شؤون الصناعة إنه أكثر استقراراً وأسرع في البدء والتشغيل، حيث تريد السعودية شراء الموارد من أماكن أخرى ليتم تكريرها ومعالجتها في منشآت جديدة داخل المملكة.
ولأجل ذلك الغرض، وفي يوليو/تموز الماضي، أعلنت السعودية عن أول توجه كبير لها في مجال التعدين على الساحة الدولية. شاركت في صفقة بقيمة 3.4 مليار دولار بالبرازيل، حيث اشترت حصة في وحدة المعادن الأساسية التابعة لشركة "فالي"(Vale SA) إلى جانب صندوق الاستثمار "إنجين نمبر 1" (Engine No. 1).
كانت هذه الصفقة هي الأولى التي تقوم بها شركة "منارة" للمعادن، والتي أسسها الصندوق السيادي السعودي (صندوق الاستثمارات العامة) وشركة التعدين السعودية، المعروفة أيضاً باسم "معادن".
وتمنح الاتفاقية المملكة، التي تغلبت على منافسة اليابان وقطر، حصة 10% في أحد الموردين الأساسيين في العالم لمعدني النيكل والنحاس، وهما معدنان أساسيان ضروريان لإزالة الكربون.
وتعتزم المملكة إبرام المزيد من الصفقات في مجال التعدين.
وقال أشخاص مطلعون على الاستراتيجية إن المساهمين الاثنين في "منارة" سيقدمان في البداية حوالي 3 مليارات دولار لصفقتين أو ثلاث صفقات دولية سنوياً، وسيوفران المزيد من التمويل إذا لزم الأمر.
هذا جزء من هدف "معادن" لتعزيز دورها في الإنتاج المحلي، مع شراء حصص في شركات عالمية تعمل بالقطاع.
الهدف الشامل
باستخدام الدعم الحكومي والقروض التي تقدمها الصناديق التي تسيطر عليها الدولة، فإن الهدف الشامل هو وضع السعودية في مكانة مورد بديل للصين، في مجال الفلزات والمعادن الحيوية لإحداث تحول في مجال الطاقة عالمياً، مثل بطاريات السيارات الكهربائية.
باختصار، يعد التعدين القديم الملوث للبيئة أحد ركائز المستقبل النظيف الجديد، كما يقول التقرير.
ويلفت التقرير إلى تصريح سابق لنائب وزير الصناعة والثروة المعدنية السعودي خالد المديفر قال فيه إن "المملكة تحتاج إلى أكثر من محرك لتحقيق رؤيتها".
وأوضح أن خطة بلاده تتمثل في أن تصبح قوة اقتصادية وصناعية، "ولهذا نحن بحاجة إلى المعادن"، على حد قوله.
المعدن الرئيسي الذي يهم الشركات هو النحاس، لكن السعودية تريد أيضاً استخراج اليورانيوم والفوسفات لبرنامجها النووي الناشئ. وأثار ذلك انتباه القوى الغربية والأمم المتحدة، التي تشعر بالقلق من الانتشار النووي في الشرق الأوسط.
عوائق
مع ذلك، فإن بعض المديرين التنفيذيين والمستشارين في أكبر شركات التعدين في العالم يتشككون إزاء خطط التعدين المحلية في المملكة ويشيرون أولاً إلى طبيعتها الجيولوجية. وُصفت احتياطياتها من اليورانيوم بأنها "غير اقتصادية على الإطلاق"؛ فيما تكونت رواسب النحاس- وهو المعدن المرغوب فيه بالنسبة لمعظم شركات التعدين- بشكل رئيسي من خلال النشاط البركاني.
ويعني ما سبق أن العثور عليها سيكون على الأرجح في مناطق تتراوح من صغيرة إلى متوسطة الحجم فقط، ما يجعلها أقل جاذبية للتعدين مقارنة بالرواسب الممتدة عبر سلسة جبال الأنديز في أمريكا اللاتينية وتوفر القدر الأكبر من إمدادات العالم أو التكوينات الصخرية الرسوبية في مواقع على غرار منطقة وسط أفريقيا.
توجد أيضاً مشكلة المياه، إذ تعاني السعودية من شح الإمدادات، وتشكل الصحراء 95% من مساحتها.
وقالت كارول نخلة، المؤسسة والرئيسة التنفيذية لشركة الاستشارات "كريستول إنرجي" ويقع مقرها في لندن: "يمثل أيضاً توافر البنية التحتية تحدياً، لا سيما للطبقات الروسوبية بالمناطق الصحراوية النائية".
شركة "عجلان"
سيعتمد جزء كبير من الخطة السعودية على مدى نجاح مشروعات، على غرار تلك القائمة في منطقة الخنيقية، في الانتقال من تحديد مواقع بعينها لوجود الرواسب المعدنية إلى مرحلة الإنتاج التجاري. خصصت شركة "عجلان وإخوانه" السعودية التي تطور مشروع "خنيقوية" مع شركة "ميكسيكو ريسورسيز" (Moxico Resources) ويقع مقرها في المملكة المتحدة، 14 مليار دولار للاستثمار في تطوير المناجم ومرافق المعالجة مع حلول 2030.
ويقول فهد العنزي، الرئيس التنفيذي لشركة التعدين التابعة لمجموعة عجلان وإخوانه، أوضح أن الشركة - التي تسيطر عليها عائلة سعودية ثرية حققت ثروتها من بيع أغطية الرأس العربية التقليدية - تراهن على أن "المملكة العربية السعودية يمكن أن تصبح مصدراً جديداً للمعادن والعناصر الأرضية النادرة بعيداً عن الصين". أضاف أن تنافس الصين والولايات المتحدة الأميركية على الوصول للموارد الطبيعية يعد "أمراً صحياً بالنسبة لنا".
وتعتزم مجموعة عجلان تطوير أكبر محطة لمعالجة الزنك والنحاس بمنطقة الشرق الأوسط في مدينة ينبع على الساحل الغربي للسعودية. و
سينصب أغلب الاهتمام على تلبية الطلب المحلي، لكن الشركة تتلقى فعلاً عروضاً من شركات التجارة الصينية والأوروبية الكبيرة للحصول على أي سلع أساسية يمكنها إنتاجها، بحسب التقرير.
شراكة مع الصين
بالإضافة إلى ذلك، قال مسؤولون في مؤتمر الأعمال السعودي الصيني خلال يونيو/حزيران الماضي إن السعودية تشارك مع هيئة المسح الجيولوجي الصينية في عقد قيمته 207 ملايين دولار للمساعدة في رصد مواقع المعادن في ما يسمى بمنطقة "الدرع العربي" بالمملكة، حيث تتواجد غالبية الرواسب.
وبالفعل قادت حكومة بكين جهود تحديد مواقع وجود رواسب يورانيوم في المملكة.
وتشير "بلومبرج" لتصريحات قالها مارك بريستو، الرئيس التنفيذي لشركة "باريك جولد" الكندية (Barrick Gold)، في مقابلة خلال زيارة للرياض في يناير/كانون الثاني الماضي، بأن "السعودية تعد منطقة واعدة بصورة استثنائية".
أما بالنسبة لوجود معادن في باطن الأرض تقدر بما يتجاوز تريليون دولار، فإنه "مهما كان هذا الرقم، فإنه جدير بالاستثمار"، على حد قول بريستو، الذي خاطرت شركته بالاستثمار في مالي منذ ما يفوق 25 سنة وساعدت في تحويلها إلى منتج أفريقي كبير للذهب.
وتدير "باريك" منجماً للنحاس يقع على الساحل الجنوبي الغربي للسعودية على مقربة من البحر الأحمر.
وأشار أشخاص على دراية بالموضوع مؤخراً إلى أنها بدأت أيضاً محادثات مع صندوق الاستثمارات العامة حول حصة محتملة في مشروع للنحاس في باكستان، والذي قد يستقطب أموالاً سعودية ونفوذاً سياسياً.
حوافز للشركات
وقال التقرير إن السعودية تقدم حوافز كبيرة للشركات لبدء أعمال التعدين.
ومن المقرر أن يمول صندوق التنمية الصناعية السعودي المشروع بنسبة تصل إلى 75%.
وتوجد فترة سماح 5 أعوام على مدفوعات رسوم الامتياز، وسقف لمستويات الضرائب، وتعهد بعدم فرض ضريبة أرباح استثنائية.
وستذهب كافة الإيرادات الحكومية من التعدين إلى صندوق خاص لإعادة استثمارها في القطاع.
مزادات التراخيص
وقد اجتذبت المزادات السعودية للحصول على تراخيص الاستكشاف في البلاد إلى حد الآن شركات صغيرة فقط.
وأعلنت المملكة في أغسطس/آب الماضي عن جولة أخرى لطرح الاستثمار وأعمال التطوير في ثماني مناطق تعدين بكافة أنحاء البلاد.
ورغم ذلك، فإن الشكوك بين كبار شركات التعدين لا تعني أنهم لا يراقبون بشدة الجهود السعودية المبذولة. في عهد ولي العهد السعودي، ترغب المملكة العربية السعودية في تحمل هذا النوع من المخاطر التجارية التي قد تتعرض لها دول أخرى لديها طموحات بقطاع التعدين. وتُبرز المدينة المستقبلية الجديدة في الصحراء، نيوم، والإنفاق الكبير على رياضة كرة القدم، إيمان المملكة بأهدافها.
وقال مايك هنري، الرئيس التنفيذي لشركة "بي إتش بي جروب"، أكبر شركة تعدين بالعالم، في أثناء رحلة للمملكة العربية السعودية: "حدثني آخرون بالقطاع أن هذا أمر حقيقي وأنه يحتاج إلى أن تقترب منه، وأنه يشكل قطعاً صفقة رابحة".
جاء ذلك في يناير الماضي لدى حضوره لمؤتمر التعدين السنوي بالبلاد.
واختتمت "بلومبرج" تقريرها بالقول: "يبقى أن نتابع ما إذا كانت الشركات العملاقة على غرار (بي إتش بي) ستشارك".
المصدر | الخليج الجديد + متابعات