أوراق السعودية والإمارات الرابحة للتأثير في السودان

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 2000
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

 في أوائل شهر أكتوبر/تشرين الأول، سافر رئيس مجلس الحكم في السودان، الفريق "عبدالفتاح البرهان"، ورئيس الوزراء "عبدالله حمدوك"، إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. وكانت الزيارة هي أول رحلة خارجية مشتركة بينهما منذ أن صدق ممثلون عسكريون ومدنيون سودانيون على اتفاقية لتقاسم السلطة في أغسطس/آب، وأظهرت تلك الرحلة أهمية الرياض وأبوظبي الدائمة كشريكين دوليين للسودان.
ويلقى دعم المسؤولين السعوديين والإماراتيين للمجلس العسكري الانتقالي في السودان تدقيقا واسع النطاق منذ أن قتلت قوات الأمن السودانية أكثر من 120 متظاهرا في الخرطوم في 3 يونيو/حزيران. وكان اعتراف الرئيس السوداني المخلوع "عمر البشير"، في 19 أغسطس/آب، بأنه تلقى 25 مليون دولار من النظام الملكي السعودي قد أضر بسمعة الأمير "محمد بن سلمان" وسمعة المملكة، كما كان سببا في الموقف السلبي من قبل المتظاهرين السودانيين تجاه حزمة المساعدات المالية السعودية الإماراتية البالغة 3 مليارات دولار، التي تم الكشف عنها في أبريل/نيسان.
وعلى الرغم من هذه الضغوط، كانت الدولتان الخليجيتان مصممتين على الحفاظ على نفوذها في المرحلة الانتقالية من خلال المساعدة في التنمية الاقتصادية، وتقديم المساعدة الإنسانية، وتعزيز التعاون الأمني ​​مع الحكومة السودانية. ومنذ الانتهاء من اتفاقية الانتقال، كشف السودان عن خطط طموحة للتنمية الاقتصادية. وفي شهر أغسطس/آب، أعلن "حمدوك" أن السودان يحتاج إلى 8 مليارات دولار من المساعدات الخارجية على مدار العامين المقبلين لإعادة بناء اقتصاده. وفي سبتمبر/أيلول، كشف "حمدوك" عن خطة اقتصادية طارئة لمدة 9 أشهر للحد من التضخم وزيادة توافر السلع الاستهلاكية.

استمرار الدعم
وعزز دعم السعودية والإمارات لطموحات التنمية الاقتصادية في السودان، في الوقت الذي يُمنع فيه السودان من تلقي الدعم المالي من البنك الدولي أو صندوق النقد الدولي، من الميزة الجيوسياسية لكلا البلدين أمام القوى الإقليمية المنافسة التي لم تقدم أموالا كبيرة مثل قطر وتركيا. وخلال زيارته للرياض، التقى "حمدوك" مع أصحاب الأعمال السعوديين في مجلس الغرف السعودية، وذكر أن التعاون الاقتصادي مع المملكة سيزيد من جاذبية السودان كوجهة استثمارية. كما أعلنت وزارة الخارجية السعودية أنها ستساعد في إخراج السودان من قائمة الولايات المتحدة للدول الراعية للإرهاب. وتم الترحيب بهذا التعهد في الخرطوم، لأن هذا التصنيف يمنع السودان من التعاون مع صندوق النقد الدولي في الإصلاح الاقتصادي.
ولإثبات أن التزامهما بالتنمية الاقتصادية للسودان يتجاوز الوعود الكلامية، فقد تابعت السعودية والإمارات المساعدة التي تعهدتا بها؛ حيث أعلن وزير المالية السوداني، "إبراهيم البدوي"، في 8 أكتوبر/تشرين الأول، أن الخرطوم تلقت 1.5 مليار دولار من المساعدات الاقتصادية من حلفائها الخليجيين. ونظرا لأن هناك حزمة أخرى من المساعدات المالية من السعودية والإمارات من المقرر أن يتم توزيعها بحلول نهاية عام 2020، فإن كلا البلدين يظلان أهم المساهمين في خطط "حمدوك" لجمع رأس المال.
وبالإضافة إلى تقديم أموال طارئة للاقتصاد السوداني المحاصر، قدمت السعودية والإمارات مساعدة إنسانية كبيرة للسودان. وفي 7 أغسطس/آب، أعلنت كل من الرياض وأبوظبي نيتها تزويد السودان بـ540 ألف طن من القمح لتغطية الاحتياجات الغذائية الأساسية للبلاد لمدة 3 أشهر، وقد تم الانتهاء من عملية التسليم هذه في أوائل شهر أكتوبر/تشرين الأول. ونظرا لأن ارتفاع أسعار الخبز كان حافزا على الاحتجاجات ضد "البشير" في ديسمبر/كانون الأول 2018، فقد تساعد حزمة الإمدادات الغذائية السعودية الإماراتية هذه على المساهمة في استقرار السودان في المستقبل، ومنع الجنيه السوداني من مواجهة أزمة عملة أكثر حدة. ويمكن للمعونات من هذا النوع أن تقدم صورة بناءة وإيجابية حول تدخل السعودية والإمارات في السودان، في وقت تتزايد فيه التكهنات بأن الإمارات تسعى إلى تقسيم السودان لتحقيق مكاسب مادية.
ويمكن لمبادرات المساعدات الإنسانية من السعودية والإمارات أن تقوض جهود قطر للتأثير في السودان. وفي عهد "البشير"، لم ينضم السودان إلى حصار قطر. وفي يناير/كانون الثاني، لجأت الخرطوم إلى الدوحة للحصول على مساعدة مالية بعد أن أوقفت الإمارات إمدادات الوقود للسودان. وحاولت قطر إعادة بناء نفوذها في السودان ما بعد المرحلة الانتقالية من خلال دعم إبعاد الخرطوم عن قائمة الولايات المتحدة للدول الراعية للإرهاب، ودعوة القيادة السودانية للقيام بزيارة عالية المستوى إلى الدوحة، وتقديم الإغاثة الإنسانية لضحايا الفيضانات في السودان. وتأمل السعودية والإمارات في تخفيف تأثير مبادرات قطر من خلال اتخاذ موقف استباقي في مواجهة تحديات الأمن الغذائي في السودان، وتقديم الإغاثة في حالات الكوارث إلى 30 ألف أسرة سودانية تعاني من الفيضانات.

التعاون الأمني
وتتمثل الدعامة الثالثة للوجود السعودي والإماراتي في السودان في التعاون الأمني. ومنذ عام 2015، تم تعزيز شراكة السودان مع السعودية والإمارات عبر نشر 15 ألف جندي سوداني في اليمن. وقد أُفيد بأن تنسيق "البرهان" لنشر القوات السودانية في اليمن لعب دورا هاما في قرار كل من السعودية والإمارات بدعم طموحاته السياسية. وعلى الرغم من أن السودان قد أعلن مؤخرا تخفيض عدد القوات العاملة في اليمن إلى 5 آلاف فرد، فإنه لا يزال ملتزما بالأهداف العسكرية للتحالف الذي تقوده السعودية. وفي 4 نوفمبر/تشرين الثاني، صرح العميد "عامر الحسن"، المتحدث باسم القوات المسلحة السودانية، بأن القوات السودانية "منتشرة على جميع الجبهات"، ووصف مزاعم الحوثيين بأن 4 آلاف و253 جنديا سودانيا قد لقوا حتفهم في اليمن أنها "لا أساس لها".
وفي حين لا يزال اليمن المسرح الرئيسي للتعاون الأمني ​​السوداني مع السعودية والإمارات، فإن مواقف الخرطوم من ليبيا وإيران تتماشى بشكل وثيق مع مواقف حلفائها الخليجيين. وقد اتهم تقرير حديث للأمم المتحدة السودان بانتهاك حظر الأسلحة المفروض على ليبيا، وتحدث حول نشر نائب رئيس المجلس الانتقالي، "محمد حمدان دقلو"، المعروف باسم "حميدتي"، ألف جندي سوداني في شرق ليبيا في يوليو/تموز. ووفقا للتقرير، كانت هذه القوات تحرس البنية التحتية الاستراتيجية في المناطق التي يحتلها الجيش الوطني الليبي، مما يسمح للمشير "خليفة حفتر" بامتلاك مزيد من الموارد العسكرية لهجومه على طرابلس. وبعد الهجمات على ناقلات النفط في خليج عمان والبنية التحتية النفطية السعودية في مايو/أيار، عبر "حميدي" عن تضامنه مع السعودية ضد التهديد الإيراني. ونظرا لأن السودان على مقربة من المسارح المهمة التي تمارس فيها إيران نفوذها، مثل البحر الأحمر وخليج عدن، تنظر السعودية والإمارات إلى السودان كشريك أمني متزايد الأهمية.
وعلى الرغم من إبداء كل من وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية، "عادل الجبير"، ونظيره الإماراتي، "أنور قرقاش"، مباركتهما لموافقة السودان على اتفاق تقاسم السلطة، لم يكن واضحا في البداية ما إذا كان النفوذ السعودي والإماراتي في السودان سينجو من هذا الانتقال السياسي. ومن خلال مجموعة من الاستثمارات في التنمية الاقتصادية، والمساعدة الإنسانية المستهدفة، وتعزيز التعاون الأمني، عملت السعودية والإمارات على ضمان تعزيز مكانتهما في السودان خلال مرحلة الانتقال من الحكم العسكري إلى الحكم المدني وما بعدها.

المصدر | صامويل راماني - معهد دول الخليج العربي في واشنطن