آل سعود تدعم الوهابيين لتدمير الحجاز!

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 1476
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

الملاحظات التي لدى عموم المسلمين في داخل المملكة وخارجها حول ما يمكن تسميته بـ (السياسة الدينية) للحكومة السعودية التي تجريها عبر مشائخها (الوهابيين) كثيرة. حتى المتعاطفون (سياسياً) مع النظام السياسي للعائلة المالكة لا يجدون أنفسهم في خندق مع ممارسة رجال دينها، بل لم يمنع ذلك الكثير منهم من إبداء الملاحظات والنصائح لهم ولمؤسستهم الدينية لتكفّ عن أفعالها التي تستثير وجدان كل مسلم.

يقدّم يوسف بن السيد هاشم الرفاعي من الكويت نموذجاً لهؤلاء، فهو ينتمي لعائلة لم تكن في يومٍ من الأيام إلا إلى جانب السعوديين، وخاصة الملك عبدالعزيز، الذي أوفد السيد هاشم الرفاعي ليمثله في مفاوضات مع الإنجليز في العشرينيات الميلادية. ومع هذا، فإنه شأن الكثير من المسلمين لا يمكنه أن يتقبّل السلوك غير السويّ لمشايخ السلطة وتعدياتهم لكل الحدود المنطقية والمقبولة في الحوار بين المسلمين، أو في التصرف بتراثهم الجامع بالنيابة عنهم.

وقد قدّم السيد يوسف الرفاعي نصيحة علنيّة لمشايخ نجد ضمنها في كراس حمل اسم: (نصيحة لإخواننا علماء نجد) شملت العناوين الهامّة مما يجأر المسلمون بالشكوى منه، وفي مقدمته ما يجري في الأماكن المقدسة، أي في الحجاز، وما يتعرّض له أهله من امتهان لكرامتهم كمسلمين فضلاً عن كونهم مواطنين.

فيما يلي بعض من النصائح التي قدّمها، وهي بمثابة قائمة نقدٍ لسلوك مشايخ الوهابية، ولنظام الحكم السعودي الذي يجاريهم فيما يطلبون ويرغبون.

تكفير المسلمين وأهالي الحرمين :-

لا يجوز اتهام المسلمين الموحدين الذين يصلّون معكم ويصومون ويزكّون ويحجّون البيت ملبّين، لا يجوز اتهامهم شرعاً بالشرك كما تطفح كتبكم ومنشوراتكم، وكما يجأر خطيبكم يوم الحج الأكبر من مسجد الخيف بمنى صباح عيد الحجاج.. أو كما يروع نظيره في المسجد الحرام يوم عيد الفطر بهذه التهجمات والافتراءات ضد أهل مكة والمعتمرين، فانتهوا هداكم الله تعالى، فترويع المسلم حرام، لا سيما أهالي الحرمين الشريفين. لقد كفرتم الصوفية ثم الأشاعرة وأنكرتم واستنكرتم تقليد وإتباع الأئمة الأربعة، في حين أن مقلدي هؤلاء كانوا ولازالوا يمثلون السواد الأعظم من المسلمين. كما سلطتم من المرتزقة الذين تحتضنونهم من رمى بالضلال والغواية الجماعات والهيئات الإسلامية العاملة في حقل الدعوة والناشطة لإعلاء كلمة الله تعالى، كالتبليغ والإخوان المسلمين، والجماعة (الديوبندية) التي تمثل أبرز علماء الهند وباكستان وبنغلاديش، والجماعة (البريلوية) التي تمثل السواد الأعظم من عامة المسلمين في تلك البلاد.. مستخدمين في ذلك الكتب والأشرطة ونحوها، ثم قمتم بترجمة تلك الكتب إلى مختلف اللغات وتوزيعها بوسائلكم الكثيرة مجاناً، كما نشرتم كتاباً فيه تكفير أهل أبو ظبي ودبي والأباضية الذين معكم في مجلس التعاون. أما هجومكم على الأزهر الشريف وعلمائه فقد تواتر عنكم كثيراً.

كما كفرتم ابن عربي ثم ألحقتم به حجة الإسلام الغزالي ثم التفتم لأبي الحسن الأشعري، وبعده قلتم ما مات حسن إلينا شهيداً ولا كذلك الشهداء في أفغانستان لأن عقيدتهم لم تكن صحيحة وسليمة بل كانوا أحنافاً مقلدة تائهين هالكين، وأبقيتم أنفسكم وحدكم الناجين، ونسيتم قوله عليه الصلاة والسلام: ''إذا قال الرجل: هَلَكَ الناسُ، فهو أهلكهم''.

وإذا ما اختلف معكم أحد في موضوع أو أمر فقهي أو عقدي، أصدرتم كتباً في ذمّه وتبديعه أو تشريكه، ومع هذا لا تمنحونه حقّه في الدفاع عن نفسه وتبرئتها من ذلك، كما حصل مع السيد المالكي وأبو غدة والصابوني وغيرهم كثير.

الترويج لأفكار التطرّف والعنف :-

إنكم ترفضون أن تسجّلوا أي طالب للدراسات العليا في جامعاتكم إلاّ بعد أن تمتحنونه فيما تسمونه بـ (العقيدة الصحيحة) ولا تكتفون بأنه مسلم من عامة المسلمين الموحدين، وهذه عصبية ممقوتة. وحين أنشأتم جامعة في المدينة المنورة سميتموها (الجامعة الإسلامية) هرع الناس والعلماء إليها بفلذات أكبادهم وأبنائهم مسرعين فرحين لينهلوا من هذا المنبع ظانّين أنها ستزيدهم محبة واتباعاً لحبيبهم - صلى الله عليه وآله - الطيبين وأصحابه والتابعين، فإذا بكم تدرّسونهم كيف يجافونه ويجافونهم أجمعين، وتجعلون الطلاب على بعضهم يتجسسون لينقلوا إليكم أسماء وأخبار من سميتموهم (القبوريين) الذين يكثرون الزيارة والسلام على سيد المرسلين حتى يكونوا من المحارَبين المنبوذين المفصولين.

ومن تخرّج بكم، وتشرّب بآرائكم من الناجحين صرتم ترسلونهم إلى بلادهم وكلاء عنكم منذرين ومبشرين لتجديد إسلام آبائهم وأقوامهم الضالين بزعمكم، وتغدقون عليهم الرواتب وتفتحون لهم المكاتب وتفسحون الميادين، فتقوم القيامة وينشب الخلاف والعداء بينهم وبين العلماء والصلحاء من آبائهم وشيوخهم السابقين وكأنهم (قنابل موقوتة) عبّأتموها وملأتموها بكل سوء ظنّ وحقد دفين مما جعل البلاد الإسلامية وخاصة أفريقيا وآسيا ساحة للمعارك والخلافات بين المسلمين، بل وصل الأمر هذا إلى البلدان الإسلامية التي استقلت حديثاً من روسيا، وإلى الأقليات والجاليات الإسلامية في أوروبا وأميركا واستراليا وغيرها، فإلى الله المشتكى.

وصل داؤكم الدفين إلى أوروبا وأميركا، فأشعل الخلاف في مساجد ومدارس المسلمين، فهذا تابع لأبن باز وابن عثيمين، وذاك يكفّر الصوفية والذاكرين، وثالث أشعري أو ما تريدي وهذا ديوبندي أو بريلوي..إلخ، يحارب بعضهم بعضاً ويحرم الصلاة خلفهم والزواج والتواصل فيما بينهم ويقطع أواصر الدين، وقد شاهدت بنفسي ذلك، وحضرت منع الخطيب من الخطابة في مسجد بأمريكا لأنه صوفي فقام الشجار بين المصلين.

إن ما يحصل من مذابح ومجازر ومآسٍ تشوَّه سمعة الإسلام وتفتك بالمسلمين خاصة كالتي في الجزائر ومصر أو التي حدثت في الحرم المكي (حادثة جهيمان) ما هي إلا ثمرة خرِّيجيكم وآرائكم وقراءة كتبكم ومطبوعاتكم التي بُنيت على التكفير والتشريك والتبديع وسوء الظن بالمسلمين. ولتتبيّنوا ويتبين الناس، انظروا هل في المتشددين صوفي أو أزهري أو أشعري أو مقلّد للمذاهب الأربعة المجتهدين؟! وبعد أن أطلقتموهم سكتّم ولزمتم الصمت وتفرجتم ولم تشجبوا أعمالهم ولم تكونوا لهم من الناصحين.

لقد أغريتم الشباب الأغرار بمذهبكم وآرائكم المتشددة كجهيمان العتيبي وجماعته وكان شيخكم شيخهم ومرشدهم يثوبون إليه ويرجعون ويصدرون عن آرائه هو والجزائري، وكانوا يسرحون تحت أنظاركم يضايقون المسلمين في الحرمين يأمرون وينهون ويمرحون حتى إذا قويت شوكتهم وطالت أظافرهم وارتكبوا فعلتهم وأُحيط بهم فسقطوا بين قتيل وجريح وأسير، قلتم إنكم براءٌ منهم ومما كانوا يفعلون.. في حين أن كتبهم ونشراتهم التي خلفوها خير شاهد ودليل على ما نقول، فمن آرائكم المتشددة استقوا ومنها شربوا حتى ثملوا.

ومع هذا تتهمون المخالفين لكم من المسلمين بأنهم جهمية أو معتزلة مارقون. وأنتم الجهمية لأنكم وافقتموهم في بعض آرائهم، وحقاً أنتم المعتزلة لأنكم شاركتموهم في إنكار الولاية والأولياء والكرامة والكرامات، وحياة الموتى وتحكيم العقل في المغيبات من أمور الدين. وأنتم من يعمل عمل الخوارج، فإذا جاءكم أحد من المسلمين ـ وخاصة طلبة العلم ـ تبدؤون في عقيدته أصحيحة عندكم أم لا؟ ما تقول في كذا، وكذا، وأين الله؟ وهكذا كان يعمل الخوارج فيما سبق، فقد كانوا إذا جاءهم أو مرّ بهم المسلم الموحد امتحنوه، فإذا خالفهم قتلوه، أما المشرك أو الكافر فيتلطفون به ويتلون: (وإن أحدٌ من المشركين استجارك فأجره.. الآية).

أفعال الوهابيين في الحجاز والمخالفة للسنّة:-

إنكم تغلقون مسجد رسول الله- صلى الله عليه وسلم - بعد صلاة العشاء مباشرة، وهو الذي لم يكن يغلق قبلكم في حياة المسلمين، وتمنعون الناس عن الاعتكاف والتهجد فيه. وإنكم لتمنعون دفن المسلم الذي يموت خارج المدينة المنورة ومكة المكرمة من الدفن فيهما وهما من البقاع الطيبة المباركة.

ومازلتم تمنعون النساء من الوصول إلى المواجهة الشريفة أمام قبر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم- والسلام عليه أسوة بالرجال، ولو استطعتم لمنعتم النساء من الطواف مع محارمهن بالبيت الحرام، خلافاً لما كان عليه السلف الصالح والمسلمون، وإنكم لتحقّرون النساء المؤمنات المحصنات القانتات وتنهرونهن وتحجبونهن عن رؤية المسجد والإمام بحواجز كثيفة، وتنظرون إليهن نظرة الشك والارتياب، وهذه بدعة شنيعة لأنه إحداث ما لم يحدث.

كما أتيتم بالمرتزقة والجهال من العابسين عند المواجهة الشريفة يستدبرون المصطفى -صلى الله عليه وآله وسلم - بأقفيتهم وظهورهم، ويستقبلون زواره والمسلمين بوجوه عابسة مكفهرة تنظر إليهم شزراً متهمة إياهم بالشرك والابتداع يكادون أن يبطشوا بهم، إذ يوبّخون هذا، وينتهرون ذاك، ويضربون يد الثالث، ويرفعون أصواتهم زاجرين.. كل هذا مع الكبر والاستمرار في إهانة أحباب المصطفى وزواره المؤمنين في حضرته الشريفة وقبالة مضجعه الشريف.

وفي الوقت الذي تفصلون النساء عن ذويهن ومحارمهن في المسجد النبوي بحجة الغيرة على العرض والدين، توقفون الرجال من أتباعكم أمام مداخل النساء يستشرفونهن وكأنهم معصومون عن كل ما يصدر عن غيرهم، كما أنكم توقفون مراقبيكم من الرجال بين صفوف الطائفين والطائفات من الحجاج والمعتمرين يستشرفون وجوه النساء ويطالبونهن بالحجاب خلافاً لما عليه الجمهور من وجوب كشف الوجوه عند أداء هذه الشعيرة. ولا تعترضون على من يُرعب المسلمين الموجودين في الحرم المكي ويحقق معهم ثم يقبض عليهم إذا لم يجد معهم (سند الإقامة) خلافاً لقول الله تعالى عن الحرم الشريف: (ومن دخله كان آمناً) وهو أيضاً مما يشوش ويعكر الصفو والهدوء والسكينة والهيبة على المعتكفين والركع السجود.

وسعيتم لبدعة كبيرة لم تسبقوا إليها حتى من أسلافكم في العقيدة والمنهج، وهي أنكم سعيتم لغلق وقفل (البقيع الشريف) ومنع الدفن فيه، ونقل دفن الأموات الجدد إلى موقع آخر بعيد عما تسمونه موقع الشرك والبدع في رأيكم، ولمنع الناس من الدخول إلى البقيع وزيارة من فيه من الآل والصحابة والتابعين وبقية الصالحين، ولكن الله تعالى أحبط مسعاكم.

تزوير التراث :-

كما قمتم بتزوير التراث، ودأبتم على أن تحذفوا مالا يعجبكم ويرضيكم من كتب التراث الإسلامي التي لا تستطيعون منع دخولها المملكة، وفي هذا اعتداء شرعي وقانوني على آراء المؤلفين من علماء السلف الصالح الذين لا يستطيعون مقاضاتكم في الدنيا بل عند الديّان في الآخرة.

هذا ولازلتم تمنعون الناس من إدخال وقراءة كتاب (دلائل الخيرات) للشيخ العارف بالله محمد سليمان الجزولي الحسني في الصلوات على النبي - عليه الصلاة والسلام- وكذا غيره من الكتب في حين أنكم تعلمون ما يدخل ويعرض من الكتب والمجلات والمطبوعات المنكرة شرعاً، فاتقوا الله.

التضييق على أهل الحجاز :-

تفرضون على المؤذنين الحجازيين أسلوباً معيّناً في الأذان هو أسلوبكم في نجد، وزمناً معيّناً محدوداً، وتطلبون عدم ترخيم الصوت وتحليته بنداء المسلمين لهذه الشعيرة العظيمة (الصلاة). كما وتمنعون التدريس والوعظ في الحرمين الشريفين ولو كان المدرس من كبار علماء المسلمين، وحتى لو كان من علماء الحجاز والأحساء، ما لم يكن على مذهبكم، وبإذن صريح منكم مكتوب ومختوم، ويمنع غيركم حتى ولو كان شيخ الأزهر الشريف، فاتقوا الله ولا تغلوا في مذهبكم وأحسنوا الظن بإخوانكم من علماء المسلمين. لقد منعتم الدروس إلا دروسكم، والمذاهب إلا مذهبكم، والوعظ إلاّ وعظكم، والدعاة إلاّ دعاتكم.. فتعطلت مجالس العلم، ودرست محافل الوعظ، وخوت حلقات القرآن، واستخفت مجالس الذكر، فماذا أنتم قائلون لربكم غداً؟

كان للمذاهب الأربعة في الحرم المكي منابر فهدمتموها ثم كراسي للتدريس فمنعتموها، وكان من آخرها كرسي الدكتور السيد محمد بن علوي المالكي، الذي أحياه بعد أبيه وجده، فضاقت أعينكم أن تراه، فاتهمتموه بالضلال وبالكفر البواح في كتابكم (الحوار) ولولا أن أعانني الله تعالى فدافعت عنه بكتاب (الرد المنيع) ودافع عنه آخرون من أهل العلم في كتبهم لكان الآن في خبر كان. وكان هناك علماء يدرسون في الحرم النبوي الشريف على المذاهب الأربعة، من آخرهم الشيخ عبد الرحمن الجهني الشافعي صاحب كتاب: (قطف الثمار في أحكام الحج والإعتمار) فمنعتموه حتى يحصل على تصريح من الشيخ ابن باز، ولم يمنح له التصريح فأوقف.. وكذلك العلامة الورع المفتي الشيخ عبد الله سعيد اللحجي الشافعي رحمه الله تعالى، أوقفه عن الدرس جاسوس لكم، ولم تنجح المساعي لدى أبن باز لإعادته للدرس فحرم الطلبة من دروسه النافعة. ومن قبله أوقف العلامة المحقق الشيخ إسماعيل عثمان الزين الشافعي رحمة الله عليه، وضُيّق عليه، فالله حسيبكم.

وبذلك أقفل في الحرمين الشريفين باب تدريس علوم المذاهب الأربعة، والذي كان مستمراً ومتواصلاً منذ العصور الزاهية للإسلام أيام التابعين وتابعيهم من خير القرون الممدوحة، وحتى في أيام أسلافكم لما دخلوا الحجاز، وتركتم المجال اليوم فيها للجزائري وصهره وأضرابه ينادي بأعلى صوته بجوار المصطفى -صلى الله عليه وآله وسلم - أن: ''أبوي النبي في النار، أبوي النبي في النار، يكررها) ويرفع بها عقيرته، فإنا لله وإنا إليه راجعون، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

وكان لأهل الأحساء من أصحاب المذاهب الأربعة مدارس خاصة لكل مذهب أغلقتموها ومنعتم التدريس فيها لأنه لا يجوز عندكم تدريس ما سوى مذهبكم في المدارس التي تشرفون عليها للذكور والإناث، ولما صاروا يقيمون بعض الدروس في بيوتهم راقبتموهم وضايقتموهم وحاصرتموهم وتجسستم عليهم، فهل هذه أعمال الدعاة الأبرار والرجال الأخيار؟

ثم إنكم لا تعهدون بالإمامة في الحرمين الشريفين إلا لأحدكم (من نجد) وتحظرونها على من سواكم من علماء الحجاز والأحساء وغيرهم، فهل هذا من العدل، أو من الدين بالضرورة؟ وتمنعون النساء من زيارة البقيع الشريف بلا دليل قطعي مجمع عليه من الشرع، وتضيقون على المسلمين في الزيارة إلا في أوقات محدودة وقصيرة. وقد منعتم المزوّرين في المدينة المنورة من مرافقة الزائرين وقطعتم أرزاقهم، وبدونهم صار الناس يتخبطون ولا يعرفون أماكن قبور آل البيت الكرام، وأمهات المؤمنين والصحابة - رضي الله عنهم- وهذا ظلم وتعسف وقهر وبطر لا يرضاه الله ورسوله الكريم، فانتهوا هداكم الله.

وإنكم لتتجسسون وتلاحقون وتستجوبون وتعاقبون من يقيم مجالس الاحتفال والاحتفاء بذكرى المولد النبوي الشريف التي تخلو من أي منكر في الشرع، في حين لا تعترضون على مجالس اللهو والطرب والغناء ومظاهرها بشتى ألوانها وأنواعها، فهل يجوز الكيل بمكيالين؟ وهل تجوز إهانة المؤمن المحب ومراضاة الفاسق المستهتر؟

وبعد هذا، أنشأتم مكتب استجواب ومحاكمة وتحقيق في زاوية الحرم النبوي (القديمة) وكذلك بجوار البقيع حالياً وصرتم تحاكمون فيها من ترقبونه يتوسل أو يكثر الزيارة أو يخشع أو يبكي أو يدعو الله تعالى أمام القبر الشريف متوسلاً به إلى الله تعالى، حيث توجه لهم قائمة من الأسئلة ـ الجاهزة سلفاً ـ عن مشروعية الزيارة والتوسل والمولد الشريف، فمن وجدتموه مخالفاً لذلك سجنتموه وألغيتم إقامته وأبعدتموه من البلاد، مع أن هذه أمور تدور بين الاستحباب والإباحة عند العلماء حتى الحنابلة منهم، فلا يجوز تكفير المسلم بها ومعاقبته. وقد حدثني من أثق به من السجناء أنه كانت الأغلال في يديه طيلة فترة السجن الذي امتدّ شهراً، وكان يتوضّأ ويصلي وهي في يده، كما كان ممنوعاً حتى من قراءة القرآن الكريم، فاتقوا الله تعالى فإن الظلم ظلمات يوم القيامة. ولا يجوز أن يكون فعل ذلك في مسجد النبي- صلى الله عليه وآله وسلم - المبعوث رحمة للعالمين.. فكيف بالمسلمين الذين تعاملونهم هذه المعاملة القاسية المنكرة بجواره الكريم، وفي مسجده الشريف؟

تدمير الآثار الإسلامية :-

لقد هدمتم معالم قبور الصحابة وأمهات المؤمنين وآل البيت الكرام - رضي الله عنهم- وتركتموها قاعاً صفصفاً وشواهدها حجارة مبعثرة، لا يُعلم قبر هذا من هذا، بل سُكب على بعضها (كقبر السيدة آمنة بنت وهب أم الحبيب المصطفى) البنزين، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. فهلاّ أبقيتم وسمحتم بالتحجير وهو مباح، وارتفاع القبر شبراً، وهو مباح مع الشاهدين!

وأعملتم معولكم في هدم آثار النبي - عليه الصلاة والسلام - والصحابة الكرام في المدينة المنورة خاصة والحرمين الشريفين عامة، حتى كاد أن لا يبقى منها إلا المسجد النبوي الشريف وحده، في حين أن الأمم تعتزّ وتحتفظ بآثارها، ذكرى وعبرةً ودليلاً على ماضيها التليد، وترون أن كلّ أثرٍ يُقصد للإطلاع والزيارة شرك بالله تعالى.. فلماذا تحرمون المسلمين من مشاهدة معالم وآثار معركة بدر وأحد والحديبية وحنين والأحزاب وغيرها من (أيام الله) التي نصر بها رسوله وعباده الصالحين، وهزم الشرك والمشركين؟

هذا وإنكم تنتهزون كل عام فرصة صيانة وصباغة وترميم المسجد النبوي الشريف، لتزيلوا كثيراً من المعالم الإسلامية الموجودة في خلو المسجد الشريف من الآثار والمدائح النبوية، فقد طمستم كثيراً من أبيات البردة النبوية للبوصيري، وتريدون طمس البيتين الشهيرين المكتوبين على الشباك الشريف الواردين في قصة العتبي كما ذكرها ابن كثير في التفسير:

يا خير من دُفنت بالقاع أعظمه فطاب من طيبهنّ القاعُ والأَكَمُ

نفسي الفداء لقبرٍ أنتَ ساكنهُ فيه العفافُ وفيه الجودُ والكرمُ

وكان هناك أثر (مبرك الناقة) ناقة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في مسجد (قباء) يوم قدومه مهاجراً إلى المدينة في مكان نزل فيه قوله تعالى: (لمسجد أسس على التقوى.. الآية) فأزلتم هذا الأثر، وكنّا نشاهده حتى وقت قريب.

وكان في مسجد القبلتين علامة على القبلة القديمة إلى المسجد الأقصى المنسوخة فأزلتموها باعتباها بدعة. وأزلتم بستان الصحابي سلمان الفارسي - رضي الله عنه- حيث كانت هناك نخلة غرسها النبي وردمتم بئر (العين الزرقاء) قرب قباء، وبئر أريس (بئر الخاتم) ومنعتم مشاهدة بئر رومة التي اشتراها عثمان - رضي الله عنه - من اليهودي وأوقفها في سبيل الله، وهناك آثار أخرى كثيرة هامة إمّا أزيلت كليّة أو غيّرت معالمها.

كما وضعتم معاولكم في بيت الصحابي الجليل أبي أيوب الأنصاري الذي استضاف فيه النبي -عليه الصلاة والسلام -عند قدومه المدينة المنورة قبل بناء حجراته الشريفة، وقد حافظت عليه كل العهود السابقة.. فهدمتم هذا الأثر الشريف الذي في قبلة محراب المسجد النبوي الشريف، وذلك بزعمكم أن المسلمين (المشركين) يتبركون به!

وهدمتم بجوار بيت أبي أيوب الأنصاري مكتبة شيخ الإسلام عارف حكمت المليئة بالكتب والمخطوطات النفيسة وكان طراز بنائها العثماني رائعاً ومميزاً، رغم أنه بعيد عن توسعة الحرم ولا علاقة له بها. كما ردمتم (بيرحاء) التي دخلت في التوسعة ولم تتركوا عليها أثراً أو علامة كأثر دخله النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- ولم تبقوا في المدينة المنورة من آثار المصطفى وأصحابه غير المسجد النبوي وحده.. فهل يجوز أن نقلّد اليهود في إزالتهم لكل أثر إسلامي في القدس الشريف فنزيل آثارنا؟ وماذا أبقيتم للأجيال القادمة من تراثنا المجيد؟!

وأخيراً سمحتم لأحد المحسنين من أهل المدينة بهدم وإعادة بناء مسجد أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- في جبل الخندق على حسابه الخاص، وبعد الهدم أوقفتم رخصة البناء لأنكم تعتبرون زيارة المساجد السبعة في موقع معركة الخندق النازلة فيها سورة الأحزاب بدعة، بل وتتمنون هدمها.

ورضيتم ولم تعارضوا هدم بيت السيدة خديجة الكبرى أم المؤمنين والحبيبة الأولى لرسول رب العالمين، المكان الذي هو مهبط الوحي الأول عليه من رب العزة والجلال، وسكتم على هذا الهدم راضين أن يكون المكان بعد هدمه دورات مياه وبيوت خلاء، وميضآت. فأين الخوف من الله تعالى؟ وأين الحياء من رسوله الكريم؟

وحاولتم ولازلتم تحاولون وجعلتم دأبكم هدم البقية الباقية من آثار رسول الله -صلى الله تعالى عليه وآله وسلم- ألا وهي (البقعة الشريفة التي ولد فيها) التي هدمت ثم جعلت سوقاً للبهائم، ثم حولها الصالحون بالحيلة إلى مكتبة هي (مكتبة مكة المكرمة) فصرتم ترمون المكان بعيون الشر والتهديد والانتقام، وتتربصون به الدوائر، وطالبتم صراحة بهدمه، واستعديتم السلطة وحرضتموها على ذلك، بعد اتخاذ قرار من هيئة كبار علمائكم قبل سنوات قليلة (وعندي شريط صريح بذلك).

وسمحتم لمقبل الوادعي المعروف بكثرة سبابه وطعنه على مخالفيه من العلماء والدعاة وصلحاء هذه الأمة، كما تشهد بذلك كتبه وأشرطته، سمحتم له أن يتقدم ببحث في نهاية دراسته الجامعية في الجامعة الإسلامية بعنوان : (حول القبّة المبنيّة على قبر الرسول - صلى الله عليه وسلم-، وبإشراف الشيخ حماد الأنصاري، طالب فيها جهاراً نهاراً بإخراج القبر الشريف من المسجد النبوي، واعتبر وجود القبر والقبّة الشريفة بدعة كبيرة وطالب بإزالتها وهدمها. ومنحتموه فوق ذلك درجة الفوز والنجاح! وقد وجّه هذا الرجل المئات من أتباعه ومقلديه ونحوهم ممن تأثّر بمذهبكم، وهم حاملي السلاح إلى هدم ونبش قبور المسلمين الصالحين في عدن باليمن فعاثوا في الأرض فساداً وخراباً، فنبشوا قبور الموتى بالمساحي ونحوها حتى أخرجوا عظام بعضهم وانتهكوا حرماتهم وأثاروا فتنة عمياء، وبلغنا أنهم استخدموا في ذلك المتفجرات (الديناميت) في بعض المواضع في اليمن. وهذا كلّه في صحيفة أعمالكم.

فيا سوء الأدب وقلّة الوفاء لهذا النبي الكريم الذي أخرجنا الله به وإياكم والأجداد من الظلمات إلى النور! ويا قلّة الحياء منه يوم الورود على حوضه الشريف! ويا بؤس وشقاء فرقة تكره نبيها سواء بالقول أو بالعمل وتحقره وتسعى لمحو آثاره!.

                                                     مجلة الحجاز 9/9/2006