“ذا لاين”: نموذجٌ عن وهم المثالية

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 98
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

الانتقادات التي طالت مدينة “ذا لاين” منذ بدء الحملة الترويجية لها تكاد توازي زخم الترويج الدعائي الذي سبق ورافق عملية بنائها. حتى بات المشروع يبدو كسفينة التايتانك التي عُمل على الاعتناء بهيكلها الظاهري وبالدعاية المضخمة لها والمبالغ بها، قبل أن تغرق وتتهاوى كل الوعود التي تم ضخها بشكل مكثّف. واحدة من النقاط العديدة التي تُسلَّط الانتقادات على المدينة انطلاقا منها، هي ما تعمل على ادعائه عن المصلحة البيئية التي تراعيها –وهو بجزء منه يحمل شيئا من الواقعية لكن ليس بالقدر الذي يُحكى به-، فماذا عن الازدواجية بين ما تصبو إليه من تصفير انبعاثات الكربون في المدينة، إلا أن عملية بناءها تعمل على النقيض من ذلك. حيث أن المباني الشاهقة تتطلب الكثير من المواد الإنشائية من قبيل الخرسانة والفولاذ، لمقاومة أحمال الرياح التي تزداد مع الارتفاع، وللمفارقة فتصنيع هذه المواد له تأثير كبير على المناخ. الأسمنت، على سبيل المثال، مسؤول عن نحو 8 في المائة من جميع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، في حين يولد الصلب حوالي 7 في المائة من الإجمالي، وهو ما يهدم جزء كبير من ما ترتكز عليه الدعاية لـ” ذا لاين” المُصدّرة بدرجة أولى إلى دول الغرب التي باتت حساسة بالسنبة لمسألة البيئة، والتي لا بد من الإشارة إلى أنها بدورها تدّعي حرصها على البيئة نتيجة اللوبيات البيئية الفاعلة فيها والتي تؤثر على الرأي العام الأكبر في هذه البلدان وما ينعكس نهاية المطاف على النتائج الانتخابية. إلى جانب ذلك، يتجوب بناء هكذا أبينة في هكذا مناخ متطرف أن يولى الأخير أهمية كبرى نظرا لصعوبة التحكم به وبتاثيراته. وعليه فإن البناء الزجاجي لـ “ذا لاين” لا يتناغم مع طقس الجزيرة العربية شديد الحر معظم أيام السنة؛ الأمر الذي يوجب تبعا لذلك تخصيص أجهزة تكييف بشكل كبير ما يتبعه استهلاك طاقة كبير. يتساءل المراقبون عن مسائل غاية في الأهمية فيما يتعلق بمدينة تدعي إلى اليوم استعدادها لاستقبال 9 ملايين نسمة، في هكذا مكان معزول بعيد عن الحسياة الحضرية المعتادة، وليس كل ما هو معتاد منفّر. يستاءلون عن مدى كون هذه المدينة عملية للحياة فيها، مدى أمانها للأطفال، وديمومة التمكن من العيش فيها. وفي ظل إجابات متوقعة سلبية على هذه التساؤلات، يقيّم المراقبون الوضع بالقول أن أفق النجاح لا الحقيقي لا يتمثل بتصميم صور غاية بالجاذبية وبالتحفيز البصري لنشرها على تطبيق انستغرام! السكان المحتملون والذين من كل بد سيكونون من أثرياء أثرياء العالم، المتحمسين للتجربة ليس أكثر، من المرجح أن يعايشوا حالة الضجر بعد فترة من اكتسابهم لهذه التجربة، وهذا الضجر أو الإحباط سيكون منبعه من القوانين الصارمة التي ستحكم الحياة في المدينة، ولربما الشعور بأنهم أجهزة روبوتات مفروض عليهم مسبقا نوع وصنف الهواء الذي يتنفسوه. مع تزايد المخاوف من حال خصوصية الأفراد المقيمين في “ذا لاين”. النقاط سالفة الذكر تنظر إلى جزء بسيط من نقاط الاستفهام التي توضع على الفكرة العامة للمدينة دون التطرق إلى تفاصيل البناء والتخبط المحيط بها نتيجة هشاشة التخطيط العمراني بما يبدو أنه يفتقد إلى الإدارة السليمة لعملية البناء المُسلّمة إلى طواقم أجنبية بدرجة كبيرة. صحف عالمية كانت قد تداولت مؤخرا قصص عن الإخفاقات التي تعرض  لها عمال البناء والمشرفين عليهم خلال عملية البناء المتسمرة، منها ما أظهر أن عملية البناء لا تجري بشكل متكامل ومنسجم، بل كأجزاء بازيل. حيث تحدثت وول ستريت جورنال عن قيام آلاف الشاحنات والحفارات على مدار 24 ساعة يوميًا لأسابيع، لتجرف ملايين الأقدام المكعبة من الرمال في أكبر مشروع بناء في العالم يُعرف باسم نيوم في السعودية، لكن العمال ارتكبوا خطأً حين قاموا بإلقاء كومة هائلة من التراب – يبلغ عرضها الآن مئات الأقدام – في نفس المكان الذي خطط فيه المهندسون المعماريون لحفر ممر مائي يصب في البحر الأحمر. قبل أن تعاود آلاف الشاحنات والحفارات العمل على مدار 24 ساعة يوميًا لأسابيع، لتجرف ملايين الأقدام المكعبة من الرمال في أكبر مشروع بناء في العالم يُعرف باسم نيوم في السعودية، لكن العمال ارتكبوا خطأً حين قاموا بإلقاء كومة هائلة من التراب – يبلغ عرضها الآن مئات الأقدام – في نفس المكان الذي خطط فيه المهندسون المعماريون لحفر ممر مائي يصب في البحر الأحمر. نهاية، هو لشيء حتمي أن ذا لاين لا يمثّل أكثر من كونه إشباع رغبة “الحكم السعودي” الجديد بالظهور للعلن كصانع الأحلام والخيالات، وما هو إلا لحاقا بركب من سبقوه من إمبراطوريات سقطت أو أنها اليوم آيلة إلى السقوط. سقطت لأنها لم تتيقظ إلى أن من يصنع الحضارات جنبا إلى جنب مع القتل والتهجير والتشبيح إنما يمهد لها طريق الهلاك.