بذخٌ سعوديّ على قطاع الألعاب الإلكترونية: ماذا في الكواليس

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 122
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

الاستثمار في الترفيه هي الوجهة الأساسية للاقتصاد السعودي اليوم، وما “الابتعاد عن النفط” سوى قشور الغايات الحقيقية لهذا التبدّل؛ بين داخلية وخارجية وبين سياسية واجتماعية. الألعاب الإلكترونية ملعب محمد بن سلمان؛ صاحب رؤية 2030، الرجل الذي عُرف عنه هوسه في ألعاب الفيديو ويبدو أنه يستغل مكانته لإشباع جشعه بها محاولا تحويل “السعودية” إلى وجهة عالمية لكل المهتمين بهذا المجال، تحت مظلة “الرؤية” عينها. لا يمكن قراءة المضاعفة الأخيرة لميزانية الألعاب الإلكترونية 3 مرات عنها منذ سنتين، في سياق مختلف عن ما سبق الإشارة إليه. رصد “الحكومة السعودية” مبلغ 1.09 مليار ريال في موازنة هذا العام، بالمقارنة مع 300 مليون ريال العام الماضي، عللته بالسعي لـ “تقديم منتج الدَّين عبر بنك التنمية الاجتماعية ومنتجات تمويل الملكية ومسرعات الأعمال بالشراكة مع المؤسسات المالية في القطاع الخاص، بحيث تُسهم بشكل مباشر في توفير منظومة اقتصادية متكاملة عبر التمكين والدعم المالي لإيجاد بيئة مُحفّزة لاستقطاب المواهب الوطنية، وتأسيس تجارب واعدة، واستهداف المشاريع النوعية في مجالات تطوير وإنتاج الألعاب الإلكترونية، بالإضافة إلى دعم الأندية الرياضية في المنافسات الدولية التي تُعزز حضور قطاع الألعاب والرياضات الإلكترونية في المملكة والعالم”، وتقول أنها تهدف من ذلك “الوصول إلى أفضل ثلاث دول في عدد اللاعبين المحترفين للرياضات الإلكترونية”، بما يُقرأ على أنه يقع ضمن مساعي الغسيل الرياضي لسمعتها عالميا. الألعاب الإلكترونية طريق ابن سلمان لتجديد العقد الاجتماعي مع شعب شبه الجزيرة العربية لهذا النهج الجديد أبعاد لا تقتصر على غسيل السمعة عالميا بقدر ما هو مرتبط بتجديد محمد بن سلمان للعقد الإجتماعي مع أبناء الجزيرة العربية، الذين يشكل فئة الشبان منهم 70 % – من هم دون الـ 35 سنة-، وهو ما يفرض نمط تعامل جديد ومختلف عن أدوات التحكم السابقة التي كانت ترتكز على القمع “الديني” السابق وعلى أخذ الولاء والبيعة من الشعب بالترهيب من فكرة “معصية ولاة الأمر”. بذلك؛ فإن توفير أدوات التسلية الحديثة بهذا الزخم المصاحب للعمل على إشاعة فكرة أن البلاد باتت رائدة عالميا بالمجال التكنلوجي، يكون كفيلا لابن سلمان بأخذ “رضا” الفئة التي تشكل أساس المجتمع الفتيّ في شبه الجزيرة العربية. من بين مجمل ما استثمرته السعودية في هذا القطاع كان عبر مجموعة Savy Gaming المملوكة لصندوق الاستثمارات العامة السعودي والتي استحوذت على مطور الهواتف المحمولة Scopely مقابل 4.9 مليار دولار، ومنظمتي الرياضات الإلكترونية ESL وFaceit مقابل 1.5 مليار دولار. كما تم تخصيص 13 مليار دولار أخرى “للاستحواذ على ناشر ألعاب رائد وتطويره” مع تخصيص مليارات أخرى لاستثمارات الأقلية. للمفارقة، بقدر ما الأمر هو موجّه إلى الداخل وخاصة إلى فئة الشباب، بقدر ما هو مغيّب عن نسبة كبيرة جدا من هؤلاء الشباب. خاصة إذا ما نظرنا إلى الأمر من زاوية أن “النظام” السعودي يسعى إلى وضع إسم للبلاد عالميا كرائدة في هذا المجال. فإن الغوص في الاستثمار بقطاع الألعاب الإلكترونية يهدف بنسبة كبيرة إلى استقطاب الأجانب بما في ذلك رؤوس الأموال الأجنبية صاحبة الخبرة بتطوير القطاع. هناك هوّة كبيرة بين اهتمامات الشباب السعودي وبين المجالات التي تبذخ عليها “الحكومة” مليارات الدولارات بالمقابل، فإن الواقع المعيشي الصعب للشباب من حاملي الشهادات الجامعية من جامعات الوطن، ومع ارتفاع نسبة البطالة والبطالة المقنعة بينهم، يستبعد ميدان الألعاب الالكترونية من سلّم اهتماتهم. ومع تزايد بذخ “حكومتهم” على هذا الميدان، تتولّد حالة اغتراب لأبناء البلد عن المجالات التي تصرف الدولة عليها مليارات الدولارات، بدلا من صرفها على تطوير قطاعات تؤمن لهم فرص عمل حقيقة تنتشلهم من حالة الجمود المحيطة بهم. البُعد الدولي حاضر وبقوة في الاستثمار بقطاع الإلكترونيات، وبشكل عام فإن من يريد الوصول إلى ” أفضل ثلاث دول في عدد اللاعبين المحترفين للرياضات الإلكترونية” هو من كل بدّ يعمل على أن يستغل هذا القطاع للتوسط فيها على الصعيد الدولي ليثبت مكانا له في هذا العالم مهما كان بعيدا عن هموم واهتمامات. الرياضات الإلكترونية كشكل من أشكال الدبلوماسية واستطرادا للفكرة أعلاه، في ديسمبر/كانون الأول 2022، زار الرئيس الصيني شي جين بينغ منطقة الخليج، حيث زار الرياض بدلاً من الدوحة على سبيل المثال. وبعد بضعة أسابيع، اشترت السعودية حصة بقيمة 265 مليون دولار في شركة الرياضات الإلكترونية الصينية VSPO، وهي أول غزوة لها في سوق الألعاب في الصين، وهو في سياق النظرية التي تقول “الرياضات الإلكترونية كشكل من أشكال الدبلوماسية”. من البراهين التي يمكن تقديمها في سياق مناقشة الهدف الحقيقي الكامن خلف استثمار السعودية في الرياضات الإلكترونية على سبيل المثال، هو انقضاضها على هذه الأخيرة في عزّ شحّ الاهتمام العالمي بها. وفي ظلّ حاجتها الملحّة لأي مصادر تمويل تنتشلها من الانتكاسة التي وقت بها. فإن الرياضات الإلكترونية كانت قد انتعشت عامي 2021 و2022، لكنها عادت وسقطت خلال العام الماضي مع تراجع زخمها، خاصة بعد أن انسحبت علامة “بي إم دابليو” من الاستثمار فيه بعد أن تبيّن لها انخفاض في عائدات استثماراتها. فقام صندوق الاسثمارات العامة السعودي بتخصيص عشرات مليارات الدولارات مستغلا شحّ اهتمام العلامات التجارية الكبرى به. فكان أن قام محمد بن سلمان في خضمّ التجاهل الدولي لهذه الرياضات نظرا للمردودها المادي غير المتكافئ مع المال الذي يُستثمر بها، بالإعلان عن إطلاق بطولة كأس العالم للرياضات الإلكترونية زاعما أنها ستخدم رؤيته في تنويع الاقتصاد بعيدا عن النفط. كما أُعلن نهاية العام الماضي عن إنشاء «مؤسسة كأس العالم للرياضات الإلكترونية»، و”هي مؤسسة غير ربحية ستتولى تنظيم البطولة”، التي من المقرر أن تبدأ انطلاقا من الصيف المقبل 2024. وفي توصيف للوضع المتردي الذي تعانيه هذه الرياضات، قال جرانت روسو، المدير العالمي للرياضات الإلكترونية والعمليات: “من الناحية المالية، كانت بعض الفرق تكافح من أجل إظهار نطاق واضح ومربح، وقد أدى ذلك إلى الوضع القائم في الوقت الحالي، حيث ينسحب المستثمرون، ويضطر الناس إلى تقليص حجمهم، وغيرها من الانتكاسات”، لكن يتابع كيف قامت “السعودية” ممثلة بصندوقها الاستثماري بمحاولة انتشال الرياضة من مأزقها والتي تظهر التزاما كبيرا في تمويلها كجزء من اهتمامها بالاستثمار بكل المجالات الترفيهية حصرا. واستثمار “السعودية” الضخم في مجال الرياضات الالكترونية، حتى وصل الرقم الذي يُحكى به إلى 38 مليار دولار، لا ينحاز عن سياق استخدام أساليب استقطاب الاهتمام العالمي وخاصة الشبابي بها لتعبيد الطريق أمام أسطوانة على شاكلة “الدولة الرائدة في اهتمامات الشباب”. تخوف منظمات الرياضات الإلكترونية من السمعة السئية لأكبر مستثمر فيها وهي السعودية يزول أمام مخاوفهم من الانهيار الكلّي قادة العديد من المنظمات والدوريات البارزة في مجال الرياضات الإلكترونية يشعرون بالقلق إزاء القضايا الأخلاقية المتورطة بها الجهة الأكثر تمويلا لمشاريعهم اليوم، إلا أن هذه المخاوف تصبح غير ذي فاعلية أمام مخاوفهم الوجودية الأوسع بعد الصعوبات التي واجهوها في عامي 2022 و2023. وبعد سنوات من النوبات والانطلاقات بدعم من مستثمرين من مناطق أخرى، أصبحوا أخيرًا يتم تسليمهم شيكًا على بياض من قبل المملكة العربية السعودية، وهم يجرون به. مخاوف المؤسسات التكنلوجية من الخوض مع “السعودية” في غمار الشراكة مع أموالها التي توقعها على بياض دون احتساب للمردود؛ لا تقف عند حد التخوف الشفوي بل أحيانا تترجم على الأرض، كمثال حين قامت شركة الذكاء الاصطناعي الناشئة “أنثروبتيك”، التي تستثمر فيها أمازون 4 مليارات دولار باستبعاد صندوق الاستثمارات العامة السعودي عن المنافسة على شراء حصة فيها التي عرضتها أمام المستثمرين وصناديق الثروة السيادية، بقيمة مليار دولار. يُذكر أن “السعودية” تقاعست عن دفع التزاماتها المالية تجاه الشركات الأجنبية الناشئة التي جاءت للرياض بوعود الثروة التكنولوجية التي سبق أن أصدرتها الحكومة. حيث أن سبعة من المؤسسين الذين خاضوا برنامج سرع توليد للذكاء الاصطناعي “غايا،” أكدوا أن الحكومة السعودية كانت بطيئة للغاية في التزاماتها المالية – هذا إذا كانت قد التزمت من الأساس. حيث توقع كل مؤسس أن يحصل على 40 ألف دولار من المنح الحكومية و100 ألف دولار إضافية من الاستثمار في الأسهم من شركة New Native، وهي شركة تسريع الشركات الناشئة التي كانت تدير برنامج غايا. وقد بلغ إجمالي المنح التي لم تتلقاها الشركات الناشئة 4.2 مليون دولار. وقد أفاد خمسة من المؤسسين، ممن أنفقوا عشرات الآلاف من الدولارات على السفر والإقامة للمشاركة في البرنامج الذي استمر 10 أسابيع في الرياض في عامي 2023 و2024، أنهم لم يتلقوا أي أموال على الإطلاق. مقابل ذلك استحصل الفوج الأول من المستثمرين فقط على مبلغ الأربعين ألف دولار من أصل 100 ألف دولار الموعود بها.