تقدير أمريكي: منطق التطبيع لايزال قائما بالخليج.. لكن "ثمنه" الإسرائيلي ارتفع

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 380
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

سلط نائب الرئيس التنفيذي لمعهد دول الخليج العربية بواشنطن، النائب السابق لمبعوث التحالف الدولي لهزيمة تنظيم الدولة، ويليام بيل، الضوء على مستقبل تطبيع الدول العربية مع إسرائيل بعد حرب غزة، مشيرا إلى أن الخسائر المروعة التي خلفتها الحرب، التي أسفرت حتى الآن عن مقتل أكثر من 27 ألف شخص وتدمير 60% من البنية الأساسية لغزة، ترغم دول الخليج على تعديل مواقفها السابقة على نحو كبير، وإن لم تتخل عن منطق التطبيع من حيث الأصل.

وذكر بيل، في تحليل نشره موقع المعهد وترجمه "الخليج الجديد"، أن ضغط خسائر الحرب على دول الخليج لا يعني تقويض مبدأ تطبيع العلاقات مع إسرائيل من حيث الأصل، بل تعديله، مشيرا إلى أن دولا مثل السعودية اتخذت خطوات للنأي بنفسها عن إسرائيل، إذ شدد مسؤولو المملكة من لهجتهم، وأوضحوا أنهم سيصرون على إيجاد طريق ذي مصداقية لإقامة دولة للفلسطينيين قبل تطبيع العلاقات مع إسرائيل أو المشاركة في إعادة إعمار غزة.

وفي أوائل ديسمبر/كانون الأول 2023، رعت الإمارات العربية المتحدة، بصفتها العضو العربي في مجلس الأمن الدولي، قراراً عارضته كل من إسرائيل والولايات المتحدة، يدعو إلى وقف إطلاق النار في غزة، واستخدمت الولايات المتحدة حق النقض ضد هذا الإجراء.

وأوضحت سفيرة الإمارات لدى الأمم المتحدة، لانا نسيبة، أن حرب غزة بالنسبة لأبوظبي تمثل "نقطة تحول"، مؤكدة أن أي خارطة طريق لما بعد الحرب دون حل الدولتين "ليست المسار الذي وقعنا عليه باتفاقيات إبراهيم".

وتحدث المستشار الدبلوماسي للرئيس الإماراتي، أنور قرقاش، مؤخرًا عن ضرورة إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وانتقد رد فعل إسرائيل غير المتناسب في غزة، وأكد دعم الإمارات للدولة الفلسطينية.

وبالإضافة إلى الخطاب المتشدد، والتحركات في الأمم المتحدة، وإيماءات التضامن العامة، مثل الاجتماعات مع كبار المسؤولين الفلسطينيين والمساعدات الإنسانية الكبيرة، تفيد التقارير بأن السعودية، إلى جانب 4 دول عربية أخرى، تقترح خطة دبلوماسية طموحة تركز على فترة ما بعد حرب غزة والتطلعات السياسية الفلسطينية.

وبينما لاتزال هذه الخطة قيد التطوير، جرت مشاركة نسخة منها مع الولايات المتحدة، لحشد الدعم لها، ويدعو عنصرها الأساسي إلى إيجاد طريق إلى دولة فلسطينية مقابل اعتراف السعودية بإسرائيل. كما تدعو الخطة الدول العربية إلى تدريب قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية وإحياء السلطة الفلسطينية كقوة سياسية.

ويشير بيل، في هذا الصدد، إلى أن إسرائيل رفضت الخطة "حتى الآن"، إذ أعلن رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، أنه يعارض قيام أي دولة فلسطينية، ومع ذلك فلايزال مبدأ تطبيع الدول العربية لعلاقاتها مع إسرائيل واضحا.

فالإمارات كررت التأكيد على أن تطبيعها مع إسرائيل يمثل خيارًا استراتيجيًا وستتغلب حتى على العقبات الرئيسية التي تواجهه، ومنها حرب غزة، كما أن الجهود السعودية لإبقاء الباب مفتوحا أمام التطبيع، حتى مع تكثيف المملكة للمناورة الدبلوماسية وشحذ خطابها، توضح أن الصفقة الضمنية لدول الخليج لا تزال جذابة، وهي: التطبيع مع إسرائيل مقابل علاقات أفضل ومزيد من النفوذ مع الولايات المتحدة، ما يسمح لتلك الدول بالحصول على التزامات أمنية معززة وتحسين الوصول إلى التكنولوجيا وأنظمة الدفاع الأمريكية.

وساعدت الرغبة المعلنة في مواصلة التطبيع ولي العهد السعودي الأمير، محمد بن سلمان، في تحسين العلاقات بشكل كبير مع الإدارة المترددة في واشنطن والكونجرس المتشكك، بل والمعادي للمملكة في كثير من الأحيان، حتى أن بعض المحللين يصرون على أن بن سلمان حصل بالفعل على الكثير مما يريده فيما يتعلق بتحسين العلاقات مع واشنطن حتى لو أضعفت الحرب أو أخرت احتمالات التوصل إلى اتفاق لتطبيع علاقات السعودية مع إسرائيل.

لكن بيل يلفت إلى أن مبدأ التطبيع لا يزال قائما لدى الدول الخليجية، لكن حرب غزة غيرت حدوده الخارجية وآفاقه في ضوء التأثير المتجدد للقضية الفلسطينية بدول الخليج، إذ أدت الحرب إلى إعادة تقييم حساب التكلفة والعائد لتطبيع العلاقات، والثمن الذي ستحصل عليه إسرائيل، وخاصة مقابل صفقة مع السعودية.

وفيما يتعلق بالآفاق، يبدو أن الإمارات والبحرين تعملان على خفض توقعات التطبيع على المدى القصير، فقد حذرت الإمارات مؤخراً من أن حرب غزة "تسببت في تراجع العلاقات ويمكن أن تؤدي إلى سلام بارد يقتصر على مستوى العلاقات الحكومية"، كما خفضت البحرين مستوى العلاقات مع إسرائيل، بما يضمن عدم وجود سفير إسرائيلي في البحرين ولا سفير بحريني في إسرائيل.

ويرى بيل أن دول الخليج، التي طبعت علاقاتها مع إسرائيل أو تسعى إلى ذلك، أصبحت ترى، أن احتمالات إقامة "علاقة كاملة ودافئة" مع إسرائيل تتقلص وترتفع تكاليفها المحتملة، في المستقبل المنظور على الأقل، خاصة أن الدمار المروع في غزة وعدد القتلى سيظل في الوعي العام للعالم العربي على الأرجح، ما يمنع أي استئناف سريع لزخم التطبيع.

تأثير حرب غزة

ويعزز من ذلك أن استطلاعات الرأي في دول الخليج والمنطقة الأوسع أظهرت، قبل فترة طويلة من الحرب، مستويات ضعيفة من الدعم الشعبي لتطبيع العلاقات مع إسرائيل.

أما استطلاعات الرأي منذ بدء الحرب فتظهر أن الدعم الشعبي العربي للتطبيع انخفض إلى الهاوية، بما في ذلك شعب السعودية، ما أكد عودة تأثير الصراع الإسرائيلي الفلسطيني على سياسة المنطقة. ويُظهر هذا الاستطلاع أيضًا ارتفاع الدعم لخيار المقاومة الفلسطينية المسلحة والانخفاض الكبير في تأييد أي دولة تتمتع بعلاقات جيدة مع إسرائيل.

 وأشارت استطلاعات الرأي من الباروميتر العربي إلى أن الولايات المتحدة ستواجه مشكلة في توسيع اتفاقيات إبراهيم، نظراً لتأثير حرب غزة على المشاعر العربية تجاه إسرائيل والتطبيع والولايات المتحدة.

وإضافة لهذا الرأي العام المحدد بدقة حول الحرب وآفاق العلاقات مع إسرائيل، كانت هناك احتجاجات منتظمة في شوارع مختلف العواصم العربية، بما في ذلك البحرين. وتدرك حكومات الخليج تمامًا هذه الآراء السلبية القوية وواسعة النطاق حول التطبيع مع إسرائيل، ولديها حساسية للرأي العام الذي تبذل قصارى جهدها لمحاولة تشكيله، إذ يفضل الأمراء عمومًا العمل في سياقات تتمتع فيها تحركاتهم الاستراتيجية البارزة بدرجة معينة من الدعم العام، حسبما يرى بيل.

ومن المرجح أن يكون الحكم الصادر في 26 يناير/كانون الثاني الماضي عن محكمة العدل الدولية والذي يأمر إسرائيل "باتخاذ جميع التدابير التي في وسعها لمنع ارتكاب الأعمال المشمولة في اتفاقية الإبادة الجماعية"، أمراً يعزز وجهات النظر العامة التي عبرت عنها الاستطلاعات.

ارتفاع ثمن التطبيع

وإزاء ذلك، يرى بيل أن الحقائق على الأرض في غزة، والتي تعززها الديناميكيات السياسية الإسرائيلية الداخلية وخطابات وزراء اليمين المتطرف في الائتلاف الحكومي، تجعل من الصعب رؤية كيف تخطط إسرائيل لإنهاء الحرب بطريقة يمكن أن تساعد في اختصار الوقت.

ومن دون تغيير سيناريو الحرب إلى نوع ما من الدبلوماسية، فإن مشهد القتلى والدمار في غزة سيستمر في الظهور بالمنطقة، ما يؤكد على استمرار الأهمية المتجددة للصراع الإسرائيلي الفلسطيني كعامل في تشكيل عملية صنع القرار في حكومات الخليج.

ويعني ذلك أيضًا، بحسب بيل، أن الثمن الدبلوماسي الذي ستدفعه إسرائيل مقابل التطبيع قد ارتفع، فبينما كان منطق التطبيع في الماضي هو أن دافع الثمن هو الولايات المتحدة وحاصد الفائدة هو إسرائيل، فإن منطقه اليوم يقوم على ضرورة تقديم إسرائيل "تنازلات مكلفة سياسياً" تتعلق بالدولة الفلسطينية.

ويرجح بيل أن تقلص المفاوضات من "حجم" هذه المطالب، لكنها "ستظل تلوح في الأفق طالما ظلت الظروف المروعة في غزة هي محور التركيز"، حسب تقديره.

 

المصدر | وليام بيل/معهد دول الخليج العربية بواشنطن - ترجمة وتحرير الخليج الجديد