تحليل: محمد بن سلمان يتجه إلى تهدئة التوترات بعد سنوات من الحرب

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 525
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

في السنوات التي تلت وصول ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى السلطة، كان من الصعب مصادفة جدال في الشرق الأوسط لا يشمل بطريقة ما وريث العرش البالغ من العمر 37 عاما. ولكنه الآن يركز على خطته الجسورة التالية المتمثلة في إعطاء فرصة للسلام، بحسب تحليل لوكالة "أسوشيتد برس".

وقد تؤدي التحركات نحو التوصل إلى وفاق سياسي مع إيران، وإعادة العلاقات مع سوريا وإنهاء حرب السعودية التي استمرت لسنوات في اليمن، إلى إخراج الأمير محمد من بعض أكثر القضايا الإقليمية الشائكة التي يواجهها.

وسيكون لهذه التحركات حال نجاحها آثار عميقة على منطقة الشرق الأوسط الأوسع وعلى خطط بن سلمان الشاملة لإعادة تشكيل اقتصاد المملكة بعيدا عن النفط ووفقا لتصوره.

وفي المقابل، لا يهدد فشل تلك التحركات حكمه الوشيك لدولة مهمة لإمدادات الطاقة العالمية فحسب، بل يهدد منطقة أوسع اضطربت لسنوات بسبب التوترات، التي تأججت جزئيا نتيجة قراراته، وفقا لأسوشيتد برس.

وتسارع صعود الأمير محمد عام 2015 بعد أن عينه والده الملك سلمان نائبا لولي العهد. في ذلك العام، قام الأمير، الذي كان أيضا وزير دفاع البلاد في ذلك الوقت، بإدخال السعودية في حملة عسكرية في اليمن، وهي حرب أهلية تحولت إلى معركة إقليمية بالوكالة لا تزال مستمرة حتى اليوم. وتدعم الرياض حكومة اليمن في المنفى ضد المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران والذين يسيطرون على العاصمة صنعاء.

وتصاعدت التوترات مع إيران، التي كانت في ذلك الوقت تبرم اتفاقا نوويا مع القوى العالمية، مع إعدام السعودية رجل دين شيعي بارز في عام 2016. واقتحم متظاهرون الهيئات الدبلوماسية السعودية في إيران، وقطعت الرياض العلاقات مع طهران.

في عام 2017، انضمت السعودية إلى 3 دول عربية أخرى في مقاطعة قطر، التي تحافظ على علاقاتها مع إيران. في نفس العام، قام الأمير بما بدا أنه محاولة قاسية لكسر هيمنة "حزب الله" المدعوم من إيران على الحكومة اللبنانية من خلال دعوة رئيس الوزراء اللبناني إلى المملكة ثم إجباره على إعلان استقالته.

وفشلت المحاولة وتضاءل نفوذ السعودية في لبنان منذ ذلك الحين. بعد أيام، أطلق الأمير محمد حملة مزعومة لمكافحة الفساد شهدت حبس النخبة السعودية في فندق ريتز كارلتون حتى سلموا أصولا بمليارات الدولارات. تبع ذلك في عام 2018 مقتل جمال خاشقجي، الكاتب في صحيفة واشنطن بوست، في القنصلية السعودية بإسطنبول، وهو الحادث الذي تعتقد الولايات المتحدة وآخرون أنه تم بأمر من الأمير.

لكن أحد الهجمات التي أعقبت ذلك غيرت على الأرجح حسابات الأمير. ففي سبتمبر/أيلول 2019، ضرب وابل من الصواريخ الموجهة والطائرات المسيرة قلب صناعة النفط في السعودية، ما أدى إلى انخفاض الإنتاج مؤقتا إلى النصف. بينما تبنى الحوثيون الهجوم في البداية، اتهم الغرب والسعودية طهران بالوقوف وراءه في وقت لاحق. كما ربط خبراء مستقلون الأسلحة المستخدمة في هذا الهجوم بإيران. وعلى الرغم من استمرار نفي طهران لتنفيذ الهجوم، قال محققون تابعون للأمم المتحدة إن قوات الحوثي "لا يرجح أن تكون مسؤولة عن الهجوم".

لم تنتقم السعودية من الهجوم علانية، وكذلك الولايات المتحدة إبان عهد الرئيس السابق دونالد ترامب بصفتها الضامن الأمني لدول الخليج منذ فترة طويلة. هذا بالإضافة لانسحاب واشنطن الفوضوي في وقت لاحق من أفغانستان عام 2021، ما أدى لإعادة نظر دول المنطقة في مقدار الاعتماد على الوعود الأمريكية.

في غضون ذلك ركزت المملكة على بناء علاقة وثيقة مع روسيا ضمن مجموعة أوبك بلس. وأغضب قرار أوبك خفض إنتاج النفط الرئيس جو بايدن والنواب الأمريكيين. تريد الصين، التي خرجت لتوها من جائحة فيروس كورونا، تأمين إمداداتها من النفط السعودي أيضا. تقدم روسيا والصين للمملكة والأمير محمد طابع احترام كبير خلافا للغرب الذي يبدي مخاوفه بشكل مستمر بشأن حقوق الإنسان.

استضاف الأمير محمد وتحدث هاتفيا مع الرئيس الصيني شي جين بينج والرئيس الروسي فلاديمير بوتين. كما يوفر الاتفاق، الذي توسطت فيه الصين لإعادة العلاقات مع إيران، للأمير فرصة جديدة كي يظهر للولايات المتحدة أن بإمكان آخرين تشكيل سياسات الشرق الأوسط. كما أن الاتفاق مع طهران يوفر لبن سلمان هدوءا مطلوبا كي يركز على مشروعه المستقبلي لمدينة "نيوم" الذكية الصحراوية، والذي تبلغ تكلفته 500 مليار دولار شمال غربي المملكة.

ومن المحتمل أن تتكلف المدينة الصغيرة، المليئة بالصور المجسمة وأماكن الترفيه، مليارات أكثر إذا اكتملت. كما تسعى إيران بشدة إلى تهدئة التوتر لا سيما في أعقاب الاحتجاجات المناهضة لوفاة مهسا أميني، والتي تمثل أحد أكبر التحديات التي تواجه الثيوقراطية هناك منذ سنوات الفوضى التي أعقبت الثورة الإسلامية عام 1979.

ولا تزال العقوبات الأمريكية بسبب الاتفاق النووي تخنق الاقتصاد الإيراني. بالنسبة للأمير محمد، لا بد أن الوقت قد حان لاتخاذ هذه الخطوة. قادت السعودية جهودا بالفعل لإعادة العلاقات مع قطر عام 2021. وقد توفر تهدئة التوترات مع إيران للأمير السبيل الوحيد للانسحاب الكامل من حرب اليمن. مع ذلك يمثل توجيه الأمير محمد لمسؤولين سعوديين بالجلوس مع نظرائهم الإيرانيين لإعادة فتح سفارتين للبلدين في طهران والرياض "تغييرا جذريا" لزعيم قال في عام 2018 إن المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي "هتلر الشرق الأوسط الجديد".

في غضون ذلك، تتواصل المحادثات بشأن إعادة العلاقات مع سوريا، والتي لا تزال تحت حكم بشار الأسد المدعوم من إيران بعد سنوات من الحرب الأهلية. القمة العربية المقبلة التي ستستضيفها المملكة في مايو المقبل قد تشهد عودة سوريا إلى الجامعة العربية رسميا. حتى لبنان، الذي يعاني من أزمات مالية، قد يستفيد من التقارب السعودي-الإيراني.

ستشهد المملكة تحولا في المستقبل أيضا. فالملك سلمان يبلغ من العمر 87 عاما، وكان سلفه الملك عبدالله أكبر ملوك السعودية سنا عندما توفي عن عمر يناهز 90 عاما. من المرجح أن يكون الأمير محمد أصغر ملك يجلس على عرش البلاد في التاريخ، وقد يكون لديه عقودا أخرى لترك بصمته على المملكة. لكن هذه البصمة ستعتمد على ما إذا كان بإمكانه تهدئة التوترات التي ساعد على إشعالها.

 

المصدر | أسوشيتد برس