ستراتفور: النظام السعودي يحاول تحجيم جيل الألفية

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 1912
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

 إذا كنت مطلعا على الخطاب السعودي الرسمي، فسوف تعرف أن المملكة العربية السعودية تتطور مع الزمن. فبعد كل شيء، عمد النظام الملكي إلى تعديل موقفه من حقوق المرأة، ووسع نطاق التجارب الثقافية، وخفف المحظورات الاجتماعية والجينية التي كانت لتؤدي إلى عواقب خطيرة لأولئك الذين ينتهكونها.
ومع ذلك، فمن نواحٍ كثيرة، يحاول النظام الملكي السيطرة على جموح أجياله الأصغر سنا من السعوديين. وقد تشكلت وجهات نظر أعضاء تلك الأجيال، خاصة المولودين بعد عام 1980 -بمن في ذلك ولي العهد الأمير "محمد بن سلمان" المولود عام 1985- عبر الاحتكاك بوجهات النظر العالمية بشكل أساسي، مما أبعدهم عن الصورة التقليدية التي رسخها تحالف النظام مع رجال الدين المحافظين، الذين كانوا حتى وقت قريب حراس البوصلة الأخلاقية والثقافية للمملكة.

جيل الألفية السعودي
يتم استخدام "جيل الألفية" كمصطلح في الغالب لوصف أعضاء الجيل الأمريكي من مواليد 1980 حتى 1994. وكما هو الحال مع العديد من تسميات الأجيال، يكون هناك جدل حول المعايير الدقيقة التي تحدد التسمية. ويمثل هذا الجيل واحد من كل 4 أمريكيين، وفي المملكة العربية السعودية، يشكل هذا الجيل نحو 26% من إجمالي السعوديين. ويشكل "جيل الألفية"، إلى جانب أولئك الذين تتراوح أعمارهم بين 10 و 24 عاما من أ[ناء الجيل الأحدث، نحو 54% من جميع السعوديين.
ولا ترجع أهمية جيل الألفية السعودي فقط لوزنه الديموغرافي الكبير، ولكن أيضا لأن أعضائه يمثلون المجموعة الأكثر إنتاجية في المملكة، بسبب المزيج من الشباب والصحة والتعليم الأكثر حداثة. فهم يشغلون مناصب إدارية بأعداد متزايدة، وأصبحوا المحرك الرئيسي للقطاع الخاص في المملكة. وتشكل مواقفهم اتجاهات أسواق المملكة، ويقودون الإصلاح الاقتصادي. وتحدد مقاربتهم المختلفة للدين والثقافة حدود ما هو مقبول وما هو غير مقبول في المملكة اليوم. وفي حين سيكون الجيل السعودي الأحدث مهما أيضا على الأرجح، فإن أعضائه لا يزالون على بعد أعوام من شغل نفس الدور في المجتمع.

التعددية وفق الشروط السعودية
وشهد "جيل الألفية" في المملكة اضطرابات كبيرة في الخارج، وشهد عدم اليقين الذي أتى مع الاعتماد على القوى الأجنبية، وخاصة الولايات المتحدة، لتأمين المملكة. وبعد هجمات 11 من سبتمبر/أيلول في الولايات المتحدة، تم تسليط الضوء على صلات المملكة بالمتطرفين، حيث كان 15 من بين 19 من الخاطفين الجهاديين من السعوديين، ومع انتفاضة "القاعدة" في المملكة خلال عامي 2002 و2003، تغيرت أفكار هذا الجيل.
وعلى الرغم من أن غزو العراق عام 2003 قد أظهر قوة الولايات المتحدة، فإن ترك واضنطن المنطقة مفتوحة للنفوذ الإيراني أدى إلى تضاؤل الأهمية الاستراتيجية للولايات المتحدة في أعين جيل الألفية. وجاء الربيع العربي ليهز كل الفرضيات ويسقط القادة الذين كان من غير المتخيل قهرهم تحت وطأة غضب شعوبهم المضطربة، ولم ينفعهم آنذاك دعم الولايات المتحدة. وفي الوقت نفسه، تزامن الربيع العربي من تزايد نفوذ إيران ودفع واشنطن لإبرام صفقة نووية مع طهران سمحت للجمهورية الإسلامية بترسيخ مكاسبها. وشهد هذا الجيل أيضا تفكك اليمن في حرب أهلية مدمرة بعدما استولى الحوثيون المرتبطون بإيران على السلطة على حدود المملكة، حيث أصبحت المدن والمطارات السعودية في مرمى هجمات الصواريخ والطائرات بدون طيار القادمة من اليمن.
صهلت تلك الدروس الجيوسياسية الكبرى التي شكلت عقلية جيل الألفية السعودي حركات الدولة نحو فطم المجتمع وتعزيز الاعتماد على الذات وترسيخ القومية. ويشكل هؤلاء الشباب السعوديون اليوم العمود الفقري لآمال إنشاء صناعة دفاع محلية لتقليل الاعتماد على الولايات المتحدة، الأمر التي أوضحت عزمها على تقليل التزامها تجاه المنطقة. وقد نشأ هذا الجيل على وسائل التواصل الاجتماعي، في وقت يحاول المراقبون السعوديون تأمين الفضاء العام من المتطرفين الجهاديين والمعارضين الذين يخرقون النظام وتأثير النقاد الأجانب. وكان معظم الجنود الذين قاتلوا في اليم من أبناء هذا الجيل وتحولت تضحياتهم إلى وقود للقومية السعودية الناشئة. وحتى عندما نشرت الولايات المتحدة بحذر قوات مقاتلة في قواعد على الأراضي السعودية، لم ير الشباب السعوديون في ذلك تهديدا لأسلوب حياتهم، في تناقض مع موقف الشباب المحافظ خلال التسعينيات.
وهنا يظهر كيف غيرت الاهتمامات والتطورات الداخلية التي شكلت هؤلاء الشباب السعوديين، من التكنولوجيا إلى التعليم إلى الحاجة الاقتصادية، وظروف الحياة اليومية والتجارب الدنيوية، العقلية السعودية بشكل تام، حيث نشأ السعوديون المولودون بعد عام 1980 في عصر تدفقت فيه المعلومات رغم الحواجز التي وضعها حراس الثقافة والدين في المساجد والجامعات الدينية، في البداية من خلال قنوات التلفزيونية الفضائية غير القانونية، ثم عبر الإنترنت، والآن عبر وسائل التواصل الاجتماعي. ولا يعني هذا أن السعوديين قبلوا هذا التدفق بكل ترحاب، لكنهم لم يتمكنوا من العيش بعزلة عن العالم. وقد علمت هذه التجربة الشباب السعودي مفهوم التعددية على النمط الغربي كما تعلموا غربلة المعلومات بشكل نقدي لإعادة تشكيل نظرتهم الخاصة للعالم التي تختلف بشدة عن العقيدة الضيقة للمؤسسة الدينية، على الرغم من أنها لم ترفضها بشكل تام.
وهكذا، أصبح هذا الجيل السعودي الشاب، المطلع على الإنترنت، معتادا على الانخراط في نقاش نشط حول إيقاع الحياة والتحول الثقافي الداخلي. لكن على الرغم من أنهم أتقنوا هذا النموذج الغربي، إلا أنهم أيضا تعلموا إغلاق الأبواب أمام التدخلات الخارجية، مع رفض أشكال التغيير الذي لا تتم وفق شروطهم. وهم يفهمون التعددية ويقبلونها، لكنهم يطالبون بتعددية خاصة بهم، تتلخص في رؤية سعودية لمستقبل سعودي، لا تحتاج إلى التقيد بالطابع الأخلاقي الذي يطرحه النقاد البعيدون الذين يفترض أنهم يعرفون ما هو أفضل للمملكة. ومع تطور هذه العملية، سيكون جيل الألفية السعودي هو الذي يقود المملكة، وسوف يتبعهم الأمراء في ذلك.

المصدر | ستراتفور