هل أصبحت السعودية وولي عهدها عبئا على البيت الأبيض؟

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 1149
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

ترجمة وتحرير زياد محمد - الخليج الجديد
 من الصعب العثور على قائد أيّ دولة حليفة بشكل وثيق للولايات المتحدة في التاريخ الحديث، تحيطه الريبة وعدم الثقة التي تحيط بولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" اليوم.
إن تصويت مجلس الشيوخ في 14 ديسمبر لإنهاء المساعدات العسكرية الأمريكية للحرب السعودية في اليمن وإدانة "بن سلمان" على مسؤوليته في مقتل الصحفي "جمال خاشقجي" يمثل لحظة فاصلة في العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية.
كما أن الإجراءات التي اتخذها الكونغرس الأمريكي هي انحراف كبير ليس فقط عن سياسة إدارة الرئيس الامريكي "دونالد ترامب"، ولكن أيضاً عن طبيعة العلاقات الأمريكية السعودية التي يعود تاريخها إلى عام 1945.
فقد أصبحت الأركان الثلاثة التي ترتكز عليها العلاقات الأمريكية السعودية - الإدارة والكونغرس والأعمال التجارية الأمريكية - غير مستقرة بشكل مقلق بالنسبة إلى "آل سعود" والإدارة الأمريكية.
كانت القرارات التاريخية التي أصدرها مجلس الشيوخ نتيجة متوقعة للإحاطة التي قدمتها مديرة وكالة المخابرات المركزية "جينا هاسبل"، والتي اتهمت خلالها فعليًا الحاكم الفعلي للمملكة في جريمة القتل المروعة للكاتب الصحفي في صحيفة "واشنطن بوست"، "جمال خاشقجي"، داخل القنصلية السعودية في إسطنبول.
ورغم أنها لم تُقدّم إلى جميع الأعضاء، فإن الإحاطة الإعلامية كانت مقنعة إلى حد كبير، لدرجة أن كثيراً ممن حضروا الجلسة، غادروها "غاضبين" من سلوك ولي العهد.
وقال السناتور "ليندسي جراهام"، وهو جمهوري ومؤيد لـ"ترامب": "لا يوجد بندقية تنفث دخانها، هناك منشار ينفث دخانه"، مشيراً إلى وضوح الدليل برأيه، وجاء تأكيد عضو مجلس الشيوخ في تناقض صارخ مع رفض "ترامب" غير المقنع والمتناقض، حين قال: "ربما فعل وربما لم يفعل".

دعم الكونغرس الغائب
يعني التصويت بقطع المساعدات أنه في حين أن محاكمة ولي العهد على حرب اليمن قد تكون غير مطروحة في الوقت الراهن - لم يصوت مجلس النواب على هذا الإجراء - فسيتعرض للخطر عندما ينعقد مجلس النواب الجديد الذي يسيطر عليه الحزب الديمقراطي الشهر المقبل.
لقد كانت تلك الحرب كارثة من عدة نواحي، ليس أقلها المعدل المرتفع للضحايا اليمنيين، بواقع أكثر من 10 آلاف حالة وفاة (على الرغم من احتمال كونها أكثر ارتفاعاً من هذه التقديرات بخمس مرات) و 14 مليوناً يواجهون المجاعة.
كانت الحرب بمثابة إحراج للسعودية، فالبلد التي لديها ثالث أعلى ميزانية دفاعية في العالم لم تتمكن من هزيمة جيش متمردين "حوثيين" من هنا وهناك.
إن هذه الحرب تطرح السؤال حول مدى سوء أداء السعوديين لو كانوا بدون مساعدة أمريكية (وغربية)، تخيل لو أن الرياض كان عليها أن تحقق بعضاً من تهديدات ولي العهد ضد إيران، التي تعد قواتها العسكرية وشبه العسكرية أكثر عدداً وأكثر قدرة بشكل لا نهائي من الحوثيين البائسين.
لذا، فإن إجراء مجلس الشيوخ - رغم أنه غير مؤثر في الوقت الراهن - والذي تم تنفيذه بالتزامن مع وقف إطلاق النار الذي تم التفاوض عليه في استكهولم، يمثل أخباراً جيدة كان الشعب اليمني بحاجة ماسة إليها بعد حوالي 4 سنوات من الحرب والحرمان.
إن إدانة مجلس الشيوخ بالإجماع لـ"بن سلمان"، ستكون أكثر أهمية للعلاقات الأمريكية السعودية، وعلى الرغم من أن موقف "بن سلمان" يبدو آمناً في الوقت الراهن - تشير جميع الدلائل إلى اعتلائه المحتمل للعرش السعودي بعد والده الملك سلمان – فإنه سيظل إلى الأبد موصوماً أمام الكونغرس الأمريكي على دوره في قتل "خاشقجي".
ومن الصعب أن نرى كيف سيتغلب "بن سلمان" على عائق لم يسبق له مثيل كزعيم لدولة كان يُنظر إليها سابقاً كواحدة من أهم حلفاء أمريكا، في الواقع، سيكون من الصعب العثور على قائد أي دولة حليفة بشكل وثيق مع الولايات المتحدة في التاريخ الحديث بمثل هذه الريبة التي تحيطه.
هذا يجب أن يسجل في أذهان كل فرد في "آل سعود"، فعلى الرغم من أهمية العلاقة بالنسبة للولايات المتحدة، إلا إنها أمر لا غنى عنه وأساسي للرياض، والحماقة المكلفة في اليمن هي خير مثال على أن المملكة يجب أن تحافظ على علاقاتها الوثيقة مع واشنطن، والأهم من ذلك، الدعم الدفاعي الأمريكي الذي يأتي معها.
من الأمور الحاسمة للحفاظ على تلك العلاقة دعم الكونغرس الذي يتم إعطاؤه دائماً تقريباً للسياسة السعودية في كل إدارة منذ عام 1945 في عهد الرئيس "فرانكلين روزفلت".
وسيعني تصويت مجلس الشيوخ، وأي تصويت آخر يحتمل أن يتبعه عندما يتولى الكونغرس الجديد مهام منصبه الشهر المقبل، أنه لم يعد من الممكن افتراض الدعم الهائل.
ومما لا شك فيه أن العلاقة لا تزال قائمة في المصالح الأمريكية والسعودية الوطنية، ولكن هذا النوع من الدعم الذي كان يمكن للسعوديين الاعتماد عليه في السابق والاستقبال الودي المعتاد في الكونغرس لم يعد أمراً مؤكداً، بل إنه في الواقع أصبح مشكوكاً فيه بدرجة كبيرة.

عبء على البيت الأبيض
بالنسبة لإدارة "ترامب"، التي وضعت رهانات كثيرة على العلاقات الشخصية للرئيس وصهره مع ولي العهد، فإن أعمال مجلس الشيوخ مؤلمة على نحو خاص، ولم يعد بإمكان الرئيس التطلع إلى الكونغرس الذي يسيطر عليه الجمهوريون لدعمه بشأن المملكة، يجب أن يرقص "ترامب" و"كوشنر" الآن على لحن مختلف جداً.
هذه العلاقات الشخصية اجتذبت المزيد من التدقيق مؤخراً، أولاً، هناك تقرير حديث لصحيفة "نيويورك تايمز" عن العلاقة الوثيقة بشكل غير معتاد بين "كوشنر" و"بن سلمان"، والعلاقة مقلقة بشكل خاص بالنظر إلى افتقار "كوشنر" إلى الخبرة الدبلوماسية أو العسكرية والجهل بشأن منطقة الشرق الأوسط بشكل عام، والسعودية على وجه التحديد، والتقرير طرح فكرة ما إن كان "كوشنر" قد تعرض للاستغلال.
بعد ذلك، هناك الكشف الأحدث عن أن "كوشنر" قد يكون أرسل نصيحة إلى "بن سلمان" بعد أن قتل "خاشقجي"، وبالإضافة إلى العنصر الإجرامي المحتمل في هذا الفعل، فإن هناك أيضًا انتهاك لبروتوكول البيت الأبيض الرسمي ووزارة الخارجية، وهو غياب المسؤولين الآخرين عن الاتصال، ناهيك عن الحس السليم البسيط.
وأخيرًا، تأتي تقارير بأن المستشار الخاص "روبرت مولر" قد يوسع تحقيقه في حملة "ترامب" إلى المشاركة غير المشروعة لحكومات الشرق الأوسط، بما في ذلك السعودية، فهل أصبحت المملكة وولي عهدها عبئاً على هذا البيت الأبيض؟

الأعمال التجارية متوترة
الركن الثالث في العلاقة الأمريكية السعودية هو الدعم الذي تلقته المملكة من الشركات والبنوك الأمريكية، ولكن هناك خيبة أمل واضحة ومتنامية بين المستثمرين الدوليين إزاء المملكة، التي أصبحوا يرون أنها ليست رهاناً جيداً هذه الأيام.
وفي الواقع، رأى أصحاب المشاريع العلامات الواضحة في وقت أبكر بكثير من تصويت مجلس الشيوخ وقضية "خاشقجي" بعد أن احتجز "بن سلمان" المئات من نخبة رجال الأعمال السعوديين في فندق "ريتز كارلتون" لفترة طويلة وفرض حصاراً على دولة قطر المجاورة والعضو بمجلس التعاون الخليجي في يونيو/ حزيران 2017.
وتشككت الشركات الدولية في الحكم والفطنة في العمل والنوايا السياسية لولي العهد الذي تعهد بالنهوض بالقطاع غير النفطي السعودي إلى مستويات غير مسبوقة.
اليوم، أصبحت منصة العلاقات الأمريكية السعودية غير متزنة، وقد ضعفت اثنين من الركائز الثلاث التي ترتكز عليها، وهي دعم الكونغرس ودعم الأعمال التجارية.
ولا يمكن اعتبار الركيزة الثالثة الآن أمراً مؤكداً في البيت الأبيض ما بعد "ترامب"، ومع وجود "بن سلمان"، الزئبقي المندفع والسام سياسيا، في القيادة، فمن الصعب رؤية كيف يمكن للجانبين أن يجتمعا لإعادة توازن هذه العلاقة الحيوية لخدمة مصالحهما المشتركة.

المصدر | فير أوبزيرفر