لهذه الأسباب تراجعت السعودية عن طرح "أرامكو" في الأسواق العالمية

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 20513
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

في خمسينيات القرن المنصرم انتزع الملك المؤسس لأكبر مملكة نفطية في التاريخ عبد العزيز آل سعود حقوق مملكته في أول تعارض للمصالح بينه وبين أمريكا، وذلك عندما أصر بقوة على حتمية أن تنال بلاده حقها العادل من عوائد شركة أرامكو. التاريخ أيضا كان شاهدًا على قطع الملك فيصل للذهب الأسود عن أمريكا نصرة للحق العربي خلال حرب أكتوبر/تشرين 1973.

لكن ماذا قد يحكي التاريخ بين صفحاته عن عزم السعودية خلال الألفية الثالثة، وفي عهد الأمير محمد ابن سلمان، بيع حصة من الدرة الكبرى لتاج اقتصادها، ألا وهي شركة أرامكو؟ تبدو الأمور مختلفة تمامًا عما تم الترويج له منذعامين، حين أعلن ابن سلمان اعتزامه بيع 5% من أسهم أرامكو في إطار "رؤية 2030″.

المملكة تتراجع عن طرح شركة أرامكو للاكتتاب العام، لماذا؟

منذ طرح الأمير محمد بن سلمان رؤيته 2030 متضمنةً خصخصة جزء من أرامكو، وتقديره أن العملية ستتم في النصف الأول من العام الحالي، تواردت الأسئلة التي لطالما كانت محل إثارة للجدل على شاكلة، هل فعلاً ستطرح شركة أرامكو للاكتتاب العام في بورصات عالمية في نيويورك أو في لندن؟ وهل سيكون ذلك في هذا العام أو في العام المقبل؟ وما هي القيمة الحقيقية لشركة أرامكو للنفط السعودية؟

يجيب المطلعون والخبراء بتوقعات حول استحالة أن يتم هذا الأمر في الوقت المحدد، بل يرون فيه استعجالاً وارتجالاً، كما لم يأخذ حقه من النقاش الوطني، خاصةً وأن مجموعة أرامكو هي ركيزة اقتصاد السعودية وعماد نظامها الاجتماعي، وعليها تقوم المملكة.

 

لكن التأكيد هذه المرة جاء عبر وكالة بلومبرغ الأمريكية التي ذكرت أن الطرح العام الأول لشركة أرامكو في البورصة، والذي كان منتظرًا خلال العام الجاري قد تأجل لعوامل يقف وراءها عدم اهتمام المستثمرين العالميين الذين يشكّون في إمكانية أن يكون الطرح العام الأولي لأرامكو مفيدًا لهم.

قرار السلطات السعودية تأجيل إدراج أرامكو في بورصة عالمية أو أكثر، خاصة في بورصة نيويورك، بالإضافة إلى إدراجها في السوق المحلية، تفسره الوكالة بعده عوامل، أهمها المبالغة الكبيرة في القيمة السوقية لشركة أرامكو التي قال ابن سلمان إنها يمكن أن تصل إلى تريليوني دولار، وربما إلى 2.5 تريليون.

وأوضحت بلومبيرغ أن ضغوط الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على السعوديين لزيادة إنتاج المملكة من الخام بنحو مليوني برميل يوميًا بما يؤدي إلى تراجع أسعار النفط، يعني قيمة سوقية أقل لشركة النفط السعودية، وهي الأكبر في العالم، وتستحوذ على عُشر الإنتاج العالمي من النفط، وتساهم بنسبة 12.5% من الإنتاج النفطي العالمي، بحسب تقرير الشركة السنوي لعام 2015.

 

 

كما أشار الموقع الأمريكي إلى أن المسؤولين السعوديين باتوا الآن يقللون من التوقعات في ما يتعلق بعملية الإدراج المحتملة، بل إن مراقبين -بمن فيهم أعضاء في قيادة شركة أرامكو- لديهم شكوك في أن تتم عملية الإدراج أساسًا، غير أن وزير الطاقة السعودي خالد الفالح قلل من حدة تلك التوقعات بقوله إن توقيت الإدراج ليس مسألة ملحة بالنسبة للحكومة السعودية، وإنه سيكون أمرا جيدا لو تمت العملية في 2019.

وكانت صحيفة وول ستريت جورنال قد ذكرت، قبل ايام، أن الاستعدادات للطرح العام الأولي لشركة أرامكو السعودية النفطية المملوكة للدولة قد توقفت. ونقلت الصحيفة عن مسؤولين سعوديين ومطلعين قولهم إن المملكة والشركة ليستا جاهزتين لعملية الطرح. وقال مسؤول رفيع في أرامكو -رفض كشف هويته- إن "الجميع متيقن الآن من أن الطرح لن يحدث".

وسبق ذلك تلميح لـصحيفة فايننشال تايمز البريطانية التي قالت إن مسؤولين سعوديين أبلغوا نظراءهم البريطانيين أن من المرجح تأجيل الاكتتاب حتى العام المقبل، مضيفة أن تردد السعودية بشأن هيكل الاكتتاب نتيجة غياب الشفافية فيما يتعلق بأسلوب إدارة أرامكو سبَّب إحباط في أوساط المستثمرين.

ويناقض ذلك ما أكده ابن سلمان خلال زيارته للولايات المتحدة في أبريل/نيسان الماضي حول جاهزية بلاده لطرح أرامكو في البورصة. كما قال في مقابلة مع مجلة "التايم" الأمريكية إن الشركة تحاول اختيار الوقت المناسب، "لكننا مستعدون للطرح الآن إذا ما أصبح الوقت مناسبًا".

 

أرامكو بين حسابات الاقتصاد والسياسة

من المقرر أن يكون طرح شركة أرامكو – إن حدث - أكبر اختبارًا للإصلاحات في السعودية ولجدواها بالكيفية الحالية، وأيضًا لبرنامجها الزمني الذي سيعدل للمرة الثانية بعد أن تم نقله بهدف تحقيق التوازن المالي من عام 2020 إلى عام 2023 للتخلص من العجز الكبير في الموازنة.

حالة التردد هذه تضاف إلى حالة القلق التي تنتاب كبار المستثمرين في السعودية بسبب ملاحقات بعيدة عن سلطة القانون بغرض تحصيل مبالغ مالية كبيرة، ما يشكل تهديدًا للبيئة الاستثمارية في المملكة ويضعف فرص إقامة إصلاحات اقتصادية حقيقية وليس مجرد شعارات لأغراض سياسية.

وحين جرى الترويج لوضع قانوني مختلف لعملاق الطاقة السعودي عما كانت عليه على مدى العقود الثمانية الماضية، حذر منتقدو هذه الخطوة من أن الرياض ستتخلى عن أضخم شركة نفطية في العالم بسعر بخس في زمن تهاوي أسعار النفط، كما يحذر هؤلاء من احتمال أن تكون هناك مبالغة أصلاً في تقدير قيمة الشركة، وهو ما قد يعرض عملية الطرح للخطر.

أرامكو ليست مجرد شركة عادية، وما يدور بشأنها من تحاليل يستمد أهميته من كونها محورًا أساسيًا للتحول في السعودية في أبعاده الاقتصادية والسياسية. فهل هو الاقتصاد ومقتضياته أم هي السياسة وخفايا من يتحكم في عملية طرح أسهم أرامكو محليًا ودوليًا، وهي الشركة التي تشكل العمود الفقري للاقتصاد السعودي؟

بين هذه الحسابات، تكشف وكالة رويترز أن ابن سلمان قد يختار إدراج أرامكو في بورصة نيويورك لاعتبارات سياسية أكثر منها اقتصادية، وذلك من باب تعزيز الدعم الأمريكي لمواقفه السياسية ودوره على رأس السلطة الحاكمة في المملكة، وهنا تصبح مسألة أرامكو ورقة سياسية تطرح في عواصم المال، ومن غير شك أنها كانت على أجندة زيارة الأمير بن سلمان للولايات المتحدة، حيث بورصة نيويورك وشارع المال يتطلعان للإدراج أيضًا.

 


وهنالك تحذيرات من أن ما يعرف بـ"قانون جاستا" أو العدالة من أجل ضحايا أحداث 11 سبتمبر/أيلول الذي يتيح لذوي الضحايا طلب تعويضات من السعودية، يمكن أن يتحول إلى سيف مسلط قد يضرب قيمة أسهم أرامكو في مقتل، وتلك المخاوف السعودية من الملاحقات القانونية كشف عنها وزير الطاقة السعودي خالد الفالح في مقابلة مع سي إن إن الأمريكية، وأيضًا في التحقيق بعمق في مسألة الاحتياطي النفطي وتوقعات أسعار النفط.

ولم تخل زيارة الأمير محمد بن سلمان لبريطانيا من الترغيب بإدراج أرامكو في بورصة لندن، وهو ما اعتبرته تيريزا ماي جائزة كبرى، يستحق الصبر مقابلها على أخطاء حرب اليمن، كيف لا وقد وقعت شركات سعودية على رأسها أرامكو اتفاقيات شراكة وصفقات مع كبرى الشركات البريطانية ضمن مشاريع مشتركة بقيمة تتعدى ملياري دولار؟

وبين نيويورك ولندن تبدو أحد أسباب التأجيل، ويشي هذا الأمر بأن هناك خلافات في الرأي داخل المؤسسة الحاكمة السعودية بين ولي العهد ومستشارين بشأن هذه الخطوة الإستراتيجية، حيث أن هؤلاء يفضلون أن تكون لندن بورصة الإدراج الرئيسية، وبين هذا وذاك، يرى اقتصاديون أن النقاش الداخلي بشأن أرامكو لم يأخذ حقه المطلوب، لاسيما وأن أي خطأ في التقدير أو تهور بالتنفيذ قد يعرض المجتمع ومكتسباته إلى خسارة كبيرة.

ويرى كثير من الخبراء الاقتصاديين والمواطنين السعوديين أن بيع حصة من شركة أرامكو لمستثمرين أجانب مغامرة بمستقبل الأجيال المقبلة، لاسيما وأن الطرح على أهميته وخطورته لم يأخذ حقه من النقاش الوطني وداخل مؤسسات البلاد المخولة، وهو ما عزز المخاوف وفتح باب التردد أمام صانعي القرار، إذ لم يُكشف حتى الآن أين ستطرح أسهم الشركة في الأسواق الدولية ومتى سيتم ذلك، فهل عنصر المفاجأة مطلوب هنا أم أن ضبابية الرؤية هي ما يعيق تقدم السير ويحجب مواعيد المحطات المقبلة؟

 


هكذا يجري التلاعب بمستقبل الأجيال القادمة

هي الدجاجة التي تبيض ذهبًا، هكذا توصف شركة النفط السعودية "أرامكو" لأهميتها بالنسبة لاقتصاد البلاد، ليس فقط لما تدره من عوائد بيع النفط، فقد أُسست الشركة في عام 1933 باسم الشركة العربية الأمريكية للزيت، ومنه استمدت اختصارها، وساهمت بشكل فاعل في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ثم تغير اسمها في ثمانينيات القرن الماضي ليصبح شركة الزيت العربية السعودية "أرامكو".

وتتولى الشركة إدارة احتياطي مؤكد من النفط الخام يبلغ نحو 260 مليار برميل، بينما يبلغ إنتاجها نحو 10.5 مليون برميل يوميًا، وتنتج أرامكو واحدًا من كل 8 براميل تُنتج في العالم، ولديها 261.1 مليار برميل نفط من الاحتياطي المؤكد، وتُشرف أيضًا على احتياطي من الغاز يقدر بنحو 300 تريليون قدم مكعب، وتوظف أكثر من 65 ألف شخص.

وبدأت عملية المقامرة بمستقبل الشركة مطلع العام الجاري بتغيير وضعها لتصبح شركة مساهمة، حسب ما ورد بالجريدة الرسمية للمملكة "أم القرى"، في خطوة رئيسية لطرح عام مبدئي مزمع العام الحالي. وقالت الجريدة الرسمية إن "رأس مال الشركة يبلغ ستين مليار ريال سعودي (17.2 مليار دولار)، مدفوع بالكامل ومقسم إلى مئتي مليار سهم عادي ذي حقوق تصويت متساوية ودون قيمة اسمية".

 

 

وقبل عامين، أعلنت المملكة اعتزامها طرح 5% من أسهم أرامكو للاكتتاب العام خلال عام 2018، بهدف توفير أموال تستخدم في تنويع الاقتصاد، الذي تضرر جراء التراجع في أسعار النفط الخام، لكن تساؤلات جوهرية تطرحها الأسواق العالمية منها هل ستعمد السعودية فعلاً إلى الكشف عن كل الأسرار المتعلقة بقطاعها النفطي بما في ذلك الحجم الدقيق للاحتياطيات والعوائد المالية عند طرح أرامكو؟

فكرة الاكتتاب لأسهم شركة أرامكو كانت أهم محور في رؤية 2030 التي أطلقها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وتستهدف ضرب عصفورين بحجر واحد، الأول يتمثل في دخل مباشر من البيع بنحو مائة مليار دولار، والثاني يمثل بداية لتفكيك الاقتصاد السعودي التقليدي الذي يقترب معدل نمو هذا العام من الصفر، ليكون أكثر تنوعًا وانفتاحًا.

لكن يبدو أن الأمور سارت بما لا تشتهي السفن، فوفقا لتقرير مجلة الإيكونومست دخل مشروع اكتتاب أرامكو حالة من الفوضى في ظل إصرار الأمير محمد بن سلمان على طرح أسهم الشركة في البورصة الدولية وفي الوقت المحدد، بينما يبدو أن مستشارين ومديرين تنفيذيين في الشركة غير مقتنعين ويتخوفون من الأضرار المتوقعة من وراء العملية.

 

وبحسب موقع ستراتفورالأمريكي للدراسات، فإن السياسات التي يتبعها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان قد تؤدي إلى ضياع واحدة من أهم ركائز الاقتصاد والسياسة في السعودية، وهي شركة أرامكو، فطرح أسهم الشركة للاكتتاب العام قد يقوض استقرارها، كما أن خطط الإصلاح قد تذهب بالاستقلال الذي تمتعت به الشركة طيلة العقود الماضية.

وذكرت مصادر غربية مطلعة أن طرح أرامكو في البورصات العالمية قد لا يكون واقعيًا، وسيتم التخلي عنه لسياسة الخصخصة، وهذا لعدة أسباب أهمها، الشفافية، حيث يصبح من حق مساهمين معرفة القرارات التي يجري اتخاذها والأسباب وراءها، ومثل ذلك النوع من الإفصاح لا يتماشى مع نظام الحوكمة السائد في السعودية، وأيضا بسبب تقدير سعر الشركة المبالغ فيه، والذي يُقَّدر بنحو تريليون دولار؛ أي نصف التقديرات الرسمية، وثالثَا وهو الأهم أن دخول مستثمرين أجانب يبحثون عن الربح سيقوض الأدوار الاجتماعية للشركة.

وبالنسبة للشفافية، فإن استقلال الشركة إلى حد ما عن القرار السياسي والسلطة مباشرة عن العائلة الحاكمة كان أهم إرث إداري للشركة التي حافظت على توازنها في ظل صراعات إقليمية كثيرة، واختارت طريق التحول الهادئ في زمن تأميم شركات النفط الوطنية، فوائمت بين عملية التوطين والتخريج السلس الذي يضمن نقل التكنولوجيا وتطوير الكفاءات الوطنية.


وفي عام 2015، وعقب صعود سلمان بن عبد العزيز ملكًا على السعودية عين ابنه محمد بن سلمان رئيسا لمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، ثم في مايو/أيار من العام نفسه أنشأ الملك المجلس الأعلى لشركة أرامكو للإشراف على الشركة وأيضا عين بن سلمان رئيسًا عليه، وهنا يبقى تركيز السلطات في يد شخص واحد مهما كانت قدراته العقلية والإدارية لا يمكنه أن يضمن - في رأي مراقبين - النزاهة والشفافية اللازمتين لإدارة شركة بحجم أرامكو، وسيفتح طرحها في الأسواق العالمية ملفات الشركة وقوائمها المالية والمحاسبية أمام المستثمرين كحق أصيل من حقوق المساهمة في رأس المال.

وأخيرا فإن ثمة مخاوف من أن يفضي بيع تلك الشركة إلى تهديد القوة الناعمة السعودية في منظمة أوبك، إذ أنه وفق هذه الرؤية قد تعجز الرياض بعد إتمام عملية خصخصة أرامكو عن فرض سيادتها الكاملة على سياساتها النفطية دون الرجوع للمستثمرين الأجانب، تلك السياسات التي مثلت مادة خصبة لتقارير خبراء عللوا المصاعب المتفاقمة للاقتصاد السعودي بسياسات اقتصادية ونفطية لا تسير في الاتجاه الصحيح.