لماذا ترى نخب إسرائيلية أن التحالف مع السعودية لن يكون مفيدًا لإسرائيل؟

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 882
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

 يتمركز الحديث عند ذكر الهرولة الرسمية العربية -وخاصة السعودية- إلى التحالف مع إسرائيل، حول أن هذا التحالف سيؤدي إلى تحقيق مصالح كل الأطراف، وفي مقدمتها الحد من النفوذ الإيراني في المنطقة. لكن ومع ذلك، لا يمكن تجاهل أصوات ساسة ومنظمات ومراكز بحوث إسرائيلية تحذر من الهرولة نحو التحالف مع السعودية، وترجع تحذيرها ذلك إلى أن السعودية دولة «فاشلة» لا تمتلك مقومات تفيد إسرائيل في الحد من النفوذ الإيراني.

بالنسبة لمن يتبنى وجهة النظر هذه، فابن سلمان الذي تعتبره هذه النخب الإسرائيلية «متهورًا» لن يفيد إسرائيل حتى على صعيد تقديمه تنازلات في القضية الفلسطينية، فحالة القمع التي ينتهجها لن تمكنه من تمرير الأجندة الإسرائيلية، وسط تدهور أموره مع الأسرة الحاكمة، والفشل في ملفات اليمن ولبنان وسوريا.

 

ابن سلمان.. متهوِّر وغير مجرّب

يجب على إسرائيل ألا تحمل عناقيد السعوديين، ولا تقع فريسة للأوهام الحماسية لهم. كان هذا بعض ما قاله كبير الباحثين في معهد القدس للدراسات الاستراتيجية (جيس)، دافيد فاينبرغ.

يتحدث الإسرائيليون عن جملة من المخاطر التي يمكن أن تنال منهم في حال ثقتهم بالتحالف مع السعوديين، ويعود ذلك بشكل واضح إلى شخصية ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، إذ تنتقد شخصيات إسرائيلية النظر إليه على أنه «مصلح»، معتبرة إياه «شخصية متهورة».

هذه الأوساط تدلل على تحذيرها القادة الإسرائيليين من التحالف مع السعودية بإدارة ابن سلمان بشكلٍ متهور للملف اللبناني وإحداثه أزمة استقالة رئيس الوزراء، سعد الحريري، ويرى السفير الأمريكي لدى إسرائيل، دانيال شابيرو: «أن الإسرائيليين وإن شجعتهم تحركات ولي العهد السعودي الحاسمة إلا أنه غير مجرب، وشاب من النوع المتهور، ففي حالة لبنان هناك شعور بأنه يقوم بجر إسرائيل لكي تقوم بالعمل القذر -أي الحرب على حزب الله-نيابة عن بلاده».

ويذهب الإسرائيليون بتهور ولي العهد السعودي إلى حد احتمال التحالف مع إيران في المستقبل، إذ لم يتوان المدير العام لمنظمة «يهود متدينون صهاينة» في الولايات المتحدة «مارتن أولنر»، من تحذير صناع القرار في تل أبيب من المبالغة في الرهان على العلاقة مع ابن سلمان، خاصة رفع سقف التوقعات بالتقاء المصالح بين تل أبيب، والرياض في العداء لإيران.

فحسب ما ذكر «أولنر» في صحيفة «جيروزاليم بوست»: «يتميز ولي العهد السعودي بتقلباته، لذلك من غير المستبعد أن يتجه لبناء تحالف مع إيران بسبب فشله في اليمن»، مستدلًا على إمكانية هذا التحول بمحاولاته الآن التقرب من القوى الشيعية العراقية المتحالفة مع إيران.

أما المراسل العسكري لصحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، عاموس هارئيل، فيوضح: «يميل كل من الخبراء العسكريين والأكاديميين في إسرائيل إلى شرح الاندفاع المفاجئ للسعوديين باعتباره جهدًا من قبل ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لتعزيز السلطة محليًّا، وإظهار القوة في جميع أنحاء المنطقة، إذ إنه يعتزم الحد من النفوذ الإيراني، لكن الإسرائيليين يتساءلون عما إذا كان الأمير الشاب البالغ من العمر 32 عامًا مستعدًا لمثل هذا البرنامج الطموح؛ فهو لم يقم بعد بإزاحة الحريري، واعتقل العشرات من الأمراء السعوديين ورجال الأعمال المتهمين بالفساد، ويحاول أيضًا عزل دولة قطر بعد حصارها، ويضغط على مصر في تفاصيل اتفاق المصالحة الفلسطينية، ويواجه رجال الدين السعوديين في الداخل».

ويضيف «هارئيل» في مقاله بمجلة «فورين بوليسي» الأمريكية: «الجنرالات في إسرائيل يشككون بشكل خاص في القدرات العسكرية للسعوديين، إذ قال أحدهم إن السعوديين لديهم أموال، لكن ليس لديهم قوة فعلية كبيرة. كانوا فقط على استعداد للقتال في محيط الحملة ضد داعش، وفشلوا بشكل ذريع في حرب اليمن».

 

السعودية دولة «فاشلة» لا يُراهن عليها

يذهب بعض المراقبين الإسرائيليين إلى اعتبار السعودية دولة «فاشلة»، فيقول رئيس «مركز يروشليم للدراسات الاستراتيجية»، وليام ونبيرغ: «على الرغم من أن السعودية تملك ثروة أسطورية، إلا أنها تعد دولة فاشلة، تعاني من انقسامات قبلية، وحكم أقلية تتنازعه الخلافات، مثل نظم الحكم في العهد البيزنطي، وهذه العوامل ستفضي إلى إحباط الإصلاحات التي يعتزم ولي العهد محمد بن سلمان تطبيقها».

ويضيف: «السعوديون أثبتوا حتى الآن أنهم عاجزون عن تحويل الثروات المالية الضخمة التي جنوها من النفط إلى قوة على الأرض تعزز من مكانتهم الإقليمية، ليس للسعوديين قوة برية حقيقية قادرة على التحرك في عرض الشرق الأوسط وطوله».

 وتؤكد دراسة إسرائيلية صدرت عن «مركز أبحاث الأمن القومي» الإسرائيلي في سبتمبر (أيلول) الماضي أن سياسات ولي العهد السعودي «مست بمكانة السعودية الإقليمية، ومكنت إيران من تعزيز حضورها، فالأثمان التي تدفعها السعودية مقابل السياسات التي يمليها ابن سلمان تفوق العوائد التي تجنيها الرياض»، ولذلك يحذر رئيس قسم الدراسات الخليجية في المركز، يوئيل جوزينسكي الذي أعد الدراسة صناع القرار، قائلًا: «من مغبَّة المبالغة الرهان على عوائد العلاقة مع الرياض، فالخسائر الإقليمية التي تتكبدها الرياض، ستدفع القيادة الإسرائيلية لاحقًا إلى تقليص الرهان عليها، وستفضي إلى تراجع حماس رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، لفكرة التسوية الإقليمية».

وبينما يصف المؤرخ في «مركز هرتزل» الإسرائيلي، عوفر عفري، العائلة المالكة السعودية بأنها «مهلهلة لدرجة أن هناك احتمالًا أن تنهار في نهاية المطاف»، فهو يتحدث في صحيفة «جيروزاليم بوست» عن: «قلق يساور إسرائيل منذ فترة طويلة من مصير السلاح السعودي في حال انهار نظام الحكم الحالي، في حال سقط النظام الحالي في السعودية فإن التنازلات التي ستقدمها تل أبيب من أجل حجز مكان في هذا التحالف ستكون من دون أي مقابل حقيقي».

نقطة أخرى، يدركها الإسرائيليون جيدًا، وهي أنه بالرغم من القمع وحملة ترغيب السعوديين في التطبيع مع إسرائيل، إلا أن الداخل الإسرائيلي مقتنع إلى حد ما أن «تحالفًا إسرائيليًّا– سعوديًّا لن يحظى بشعبية في الشارع العربي، خاصة مع استمرار إسرائيل احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة»، لذلك قال الكاتب الإسرائيلي، ميرون رابوبورت، في مقاله بموقع «ميدل إيست آي» إن: «نتنياهو يدرك جيدًا أنه حتى لو لم تكن الحكومة السعودية تأبه في واقع الأمر بالفلسطينيين إلا أن الرأي العام في المملكة العربية السعودية وفي العالم العربي قاطبة لن يسمح للسعوديين بإبرام تحالف وثيق مع إسرائيل». ويستدرك القول إنه: «دون أن تقدم الأخيرة تنازلات من نوع ما، حتى لو كانت شكلية ورمزية، لصالح القضية الفلسطينية، وبالنظر إلى وضعه السياسي الحالي في إسرائيل، لا يملك نتنياهو دفع مثل ذلك الثمن في الوقت الراهن».

«إسرائيليون»: قوة السعودية في مواجهة إيران كـ«قشرة الثوم»

تُعنَى إسرائيل من جراء التحالف مع السعودية بتمكينها أكثر من التصدي للنفوذ الإيراني في الشرق الأوسط، فتاريخ العلاقات الإسرائيلية السعودية الذي بدأ في سبعينات القرن الماضي كان بسبب إيران، حين أدرك المسؤولون السعوديون والإسرائيليون بعد الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 أن هناك تلاقيًا لمصالحهم، واستمر هذا الحال حتى توقيع الاتفاق النووي، فحسب تقرير شبكة «إن بي سي»، يذكر أن: «مسؤولين سابقين قالوا إن السعوديين والإسرائيليين تقدموا بنفس المواقف أثناء المفاوضات لتوقيع الاتفاقية النووية مع إيران».

أصوات إسرائيلية عدة ترى أن التحركات الدبلوماسية المتسارعة للمملكة العربية السعودية، والساعية لإقامة تحالف إسلامي سني يواجه نفوذ إيران في المنطقة لن تنجح، وكان السفير الأمريكي السابق في تل أبيب اليهودي «دان شابيرو» قد حذر في مقال نشرتهصحيفة «هآرتس» الإسرائيلية مؤخرًا من مغبة التداعيات السلبية لفشل الحرب التي يخوضها ابن سلمان في اليمن على المصالح الأمريكية والإسرائيلية، فيقول «شابيرو»: «السعودية ليس بمقدورها مواجهة إيران، فإن أي سيناريو يفضي إلى مواجهة مباشرة بين السعودية، وإيران يعني إجبار الولايات المتحدة على التدخل ضد إيران».

ويتوافق مع ما سبق المحلل الإسرائيلي، تسفي برئيل، في صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، فيقول في مقاله «إسرائيل تريد علاقات وتحالفات مع الدول العربية.. لكن من دون أي مقابل»: «المشكلة هي أنه حتى تحالف المصالحمع المملكة العربية السعودية لديه عيب مميت، فهو يتطلب أن تدفع إسرائيل ثمنًا سياسيًّا أكثر من اللازم، وتعتقد إسرائيل أنه مسموح لها بالتعاون مع الدول العربية ضد أعداء مشتركين، ولكن ليس في مقابل فرصة للسلام الحقيقي».

يضيف برئيل: «الفائدة الأمنية والاقتصادية الكبيرة التي يمكنها أن تتأتى من عملية سياسية تشارك فيها الدول العربية المناوئة لإيران، أهميتها مثل قشرة الثوم بالنسبة لإسرائيل. وهي ستستمر في تحمل الثمن الاقتصادي والأمني لتطوير نصف مليون مستوطن، من دون الحديث عن تحطيم الديمقراطية الإسرائيلية. التحالف مع السعودية أو دول عربية أخرى فقط بالمجان».

 أما الدبلوماسي والسياسي الإسرائيلي «زفي مازل» فيؤكد أنّ: «إيران هي الدولة الوحيدة التي استطاعت أن تفوز وتحقق نجاحًا ملموسًا في الأزمة السورية، ففي وقتنا الحاضر نرى أن إيران استطاعت بعد جهد كبير أن تصنع لها موضع قدم وتزيد من نفوذها في سوريا. وتجدر الإشارة هنا إلى أن إيران استطاعت أيضًا إظهار أن لديها تواجدًا ونفوذًا قويًّا في العراق واليمن وسوريا ولبنان»، ويتابع القول في تحليل سياسي بصحيفة «جيروزاليم بوست»: «في الحقيقة إن هذه الجبهة السنية لم تستطع البدء بعملها بشكل جدي وذلك يرجع إلى أنها كانت من ناحية منشغلة بالأزمة القطرية، ومن ناحية أخرى كان لعدم مشاركة مصر مشاركة فعالة في عملية مواجهة إيران في المنطقة، أثر سلبي فيها».

نتنياهو يعنيه خلق «حالة وردية» أمام المواطن الإسرائيلي

تؤكد أصوات المحللين الإسرائيليين أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، يستغل تطور العلاقات مع السعودية لخدمة أهدافه السياسية، كتمجيد إنجازات حكومته اليمينية المتطرفة، وتحسين صورته لدى المواطن الإسرائيلي، فتطور هذه العلاقات يضفي مصداقيةً على برنامجه السياسي، ويدلل على تحقيق اختراق العالم العربي أثناء فترة حكمه، اختراقًا لن يكلفه تقديم تنازلات حقيقية.

 فـ«نتنياهو» الذي يخوض معارك مع القضاء الإسرائيلي لمواجهة تهم بالفساد، يُعنى الآنبتسجيل اختراق يمكنه من حل القضية الفلسطينية حسب الرغبة الإسرائيلية، وهو الأمر الذي تتوافق معه السعودية كما يصرح المستشار الأمني السابق للحكومة الإسرائيلية «يعقوب ناجيل» لصحيفة «التليجراف» البريطانية، فـ«الرياض كانت متحمسةً جدًا لبدء تعاونٍ مفتوحٍ مع إسرائيل ضد إيران، إلى حد أنَّها لا تكترث بشكل الاتفاق الذي يتم التوصل إليه مع الفلسطينيين»، وكذلك أضاف: «كل ما كان يلزمهم هو القول إن هناك اتفاقًا ما بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ولا يعنيهم إطلاقًا محتوى ذلك الاتفاق، إنَّهم يحتاجون فقط للقول إنَّ هناك اتفاقًا حتى يتمكنوا من الانتقال إلى الخطوات التالية».

 ويعتقد المحلل الإسرائيلي «يوسي ميلمان» أن: «التلميح المتواصل للعلاقات السرية مع الرياض بات مركبًا من مركبات جهد نتنياهو الدعائي الهادف إلى إقناع الجمهور الإسرائيلي بأن مكانة إسرائيل الدولية لم تكن، في يوم من الأيام، أفضل مما هي عليه الآن»، ويضيف «ميلمان» في صحيفة «جيروزاليم بوست»: «نتنياهو من خلال الإشارات المبطنة إلى العلاقة مع السعودية يحاول إقناع الجمهور الإسرائيلي بأنه بالإمكان الحفاظ على الوضع القائم في الضفة الغربية إلى الأبد، وبالإمكان تعديله بين الحين والآخر، من خلال ضم المزيد من الأراضي الفلسطينية في الضفة لإسرائيل».

كما يقول المختص بالشأن الإسرائيلي، صالح النعامي إن: «نتنياهو يستفيد حاليًا من حالة الرخاء السياسي التي توفرها له السعودية، وما يسميه نتنياهو بمحور الدول المعتدلة، ليقدم أمام الناخب الإسرائيلي حالة وردية لعلاقات إسرائيل الإقليمية، بديلًا عن الصورة القاتمة التي تلوح بها المعارضة الإسرائيلية، التي تدعو إلى حل على أساس دولتين لأسباب تتعلق أساسًا بالخوف على الطابع اليهودي للدولة»، ويضيف في تحليل على موقع «العربي الجديد» أن نتنياهو غير ملزم «برد الجميل بالقبول لا بالمبادرة السعودية ولا حتى بمبادرة ترامب، وهو يعرف أنه في حال محاولة فرض تسوية عليه، فإن الطريق للهروب من هذه المحاولة ستكون سهلة جدًا، يكفي إعلان القبول بحل الدولتين كي ينسحب حزب البيت اليهودي من الائتلاف الحكومي، وتسقط حكومة نتنياهو لتدخل إسرائيل دوامة انتخابات جديدة، والبدء من نقطة الصفر من جديد».