حرس الحدود “السعودي” مستمرّ في حربه على المهجّرين

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 469
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

مرّ ما يزيد عن العشرة أشهر على نشر التقارير التي سلطت الضوء على كيفية تعاطي “السلطات السعودية” مع قضية المهجرين عبر حدودها القادمين إما من اليمن، من حاملي الجنسية اليمنية أو الإثيوبية بشكل خاص. تقرير هيومن رايتس ووتش الذي تناول المسألة العام الماضي لضرورة تشكيل ضغط عالمي على هذه السلطة التي تعمل دون كلل على ادّعاء “تحضّرها” وتخلّصها من أوجه التخلّف التي رافقتها مذ احتلالها لأرض شبه الجزيرة العربية. على الرغم من نجاح الحملة الدولية ومن الزخم الإعلامي والحقوقي الذي رافقها، ما تزال المنظمات المتخصصة في شؤون المهجرين تفيد باستمرار “السعودية” باتباع النهج نفسه من القتل العمد والتعذيب النفسي والجسدي واستخدام أساليب الترويع والعنف الجنسي مع المهجرين الذين تعتقلهم قبل أن تعيدهم إلى ديارهم. مركز الهجرة المختلطة MMC وهي من الوكالات التي تراقب الانتهاكات ضد المهاجرين، تحدث مع أفراد من الجنسية الأثيوبية كانوا قد حاولوا دخول الأراضي “السعودية” عبر حدودها مع اليمن لكن جرى استبعادهم فيما بعد وعادوا إلى وطنهم. التقرير هذا لم يُشرإلى معلومات صادمة أكثر من تلك التي أتت في التقارير السابقة منذ بضعة أشهر، بقدر ما تكمن أهميتها في “البُرود” الذي تعاملت فيه السعودية مع هذه الضجة الإعلامية وهذا البرود مردّه إلى الصمت الدبلوماسي وتوخّي معظم حكومات العالم التي تدّعي ححملها راية الدفاع عن حقوق الإنسان في كل بقاع الأرض، من توجيه أي انتقاد أو تحذير للسلطات السعودية بما يتعلق بهذه المسألة. “خلف هذه العاصفة الإعلامية القصيرة الأمد، كان هناك صمت فعلي، ولكن الأمر الأكثر إثارة للصدمة من الصمت، كما تظهر تحقيقاتنا، هو أن استراتيجية الحدود السعودية لم تتغير مع استمرارها في ارتكاب عمليات القتل”، هكذا تصف MMC في تقريرها الحديث النتيجة التي توصلت إليها في الشهادات التي أخذتها. التقرير يؤكد أن كل من تمت مقابلتهم من بين العائدين الإثيوبيين الحديثين من “السعودية” في هذا التقريراو في التقارير السابقة التي نُفّذت في عام 2023، شهدوا جميعهم حالة على الأقل حالة موت أو إصابة على يد حرس الحدود السعودي، أو تعرّضوا لمعاملة قاسية واحتجاز غير إنساني قبل أن يتم ترحيلهم. بالإضافة إلى ذلك، في جميع الحالات، وكما ورد في العديد من الدراسات الأخرى، فإن ما يواجهه المهاجرون الإثيوبيون غير الشرعيين على الحدود الشمالية لليمن وبمجرد دخولهم إلى السعودية (في حالة القبض عليهم من قبل الشرطة) يأتي على رأس تجارب مروعة من الموت والعنف والافتراس الجنسي والاحتجاز والاختطاف والابتزاز. النتائج التي أظهرتها شهادات الأثيوبيين العائدين مؤخرا إلى أثيوبيا (بعد الضجة الإعلامية الأولى منذ عشرة أشهر)، أثبتت تعمّد حرس الحدود السعودي ترهيب المهجرين وليس فقط منعهم من تجاوز الحدود والدخول إلى “السعودية”، تقوم الشرطة السعودية وحرس الحدود باعتقال المهاجرين بأعداد كبيرة إذا لم يتمكنوا من ردعهم بإطلاق النار. وبمجرد إلقاء القبض عليهم، إما يتم إعادتهم إلى اليمن على الفور (بما يُعرف بعمليات الإرجاع) أو يتم جمعهم ونقلهم إلى السجون السعودية وفي النهاية (أحيانًا بعد عدة أشهر) يتم ترحيلهم إلى إثيوبيا. لكن خلال عملية الاحتجاز هذه، أبلغ المهاجرون عن تعرضهم للضرب والاعتداء الجنسي والتعذيب قبل أن يتحملوا الظروف القاسية في السجون السعودية. تفيد واحدة من الشهادات إلى أن إطلاق النار الذي ينفّذه حرس الحدود السعودي ضد المهاجرين في المناطق الحجرية على الحدود كان يؤدي إلى مضاعفة حدة المشهد عندما يتساقط المهاجرون بما فيهم من نساء وأطفال وسقوطهم في الوادي ومن لم يمت فيُغمى عليه ويتصاوب إصابات كبيرة نتيجة سقوطه إلى جانب تعرضه لرصاصات الشرطة السعودية. يقول أثيوبي أنه كان يتم قتل المهاجرين الذين يتبين أن بحوزتهم هاتف، على اعتبار أن الهاتف النقال هو إشارة إلى قائد مسيرة التهريب، مؤكدا أن العديدين قُتلوا كانوا يحملون هواتف لكنهم كانوا مجرد أشخاص يحاولون الدخول إلى الأراضي “السعودية” لكسب الرزق. مهاجر يبلغ من العمر 18 عاما قال إنه خلال إقامته القسرية لمدة ثلاثة أشهر في مكان يجمع فيه المهربون المهاجرين بجوار الحدود، رأى العديد من “المهاجرين المصابين بجروح خطيرة تعرضوا لإطلاق النار أثناء محاولتهم عبور الحدود السعودية”. وقال آخر عاد بعد أن تم القبض عليه وترحيله لاحقًا في مارس/آذار 2024: “فجأة سمعنا إطلاق نار عاليًا، كما لو كان يطلق علينا، وبعد لحظة نزل العديد من المهاجرين المصابين من الجبل هربًا من إطلاق النار”. من قبل حرس الحدود السعوديين الذين كانوا في “المركز” (أي برج المراقبة). أطلقوا النار على المهاجرين، وأصيب معظم المهاجرين بجروح خطيرة. وتوفي عدد منهم على المعبر؛ وقد فقد العديد منهم عيونهم وأصابعهم وأرجلهم وآذانهم. تواطؤ دولي على صعيد ردات الفعل الدبلوماسية للدول التي تربطها علاقات مع “السعودية”، تواصل المركز مع عدد من الحكومات والمنظمات ليستوضح منها على الدور الذي يمكن أن تكون قد لعبته في مساعيها الحد من هذه الانتهاكات، إلا أن ما توصّل إليه المركز هو “أي قضية تتعلق بالمملكة العربية السعودية أو تنتقدها بشكل خاص هي قضية حساسة للغاية”. هناك حكومات أفادت للمركز أنها تدخّلت على المستوى الثنائي والمتعدد الأطراف بما في ذلك “دعوة السلطات السعودية إلى إطلاق تحقيق مستقل في الأمر والتعاون مع منظمات الأمم المتحدة ذات الصلة”. كما أدرجت بعض الدول بعض الانتقادات لعمليات القتل الجماعي للمهاجرين في المراجعة الرسمية في يناير/كانون الثاني 2024 (المراجعة الدورية الشاملة) للسعودية في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وبالتالي فهي مسجلة علنيا. بما يتعلق برد فعل الولايات المتحدة الأميركية، فعلى الرغم من أن السيناتور بيرني ساندرز حث الولايات المتحدة على التحقيق في هذه الاتهامات، إلا أن الحكومة الأمريكية (مثل حكومتي ألمانيا وأستراليا ) بدت أكثر اهتماما بمنع صدور أي انتقادات محلية التي تتهم الحكومة مباشرة بأنها متورطة بطريقة أو بأخرى من خلال المعدات العسكرية السابقة التي قدمتها للسعودية وشراكات التدريب معها. إضافة إلى ذلك، كانوا مهتمين بدحض الاتهامات بأنهم كانوا على علم بالفعل بعمليات القتل الجماعي ولم يقولوا شيئًا. وفقًا لتحقيق أجرته صحيفة نيويورك تايمز “أُخبرت الولايات المتحدة العام الماضي [2022] أن قوات الأمن السعودية كانت تطلق النار وتقصف وتسيء معاملة مجموعات من المهاجرين، لكنها اختارت عدم إثارة هذه القضية علنًا”. ويبدو أن الأمم المتحدة أطلعت سفير الولايات المتحدة لدى اليمن في ديسمبر/كانون الأول 2022 على الأمر. وانتقدت الصحيفة الحكومة لعدم توجيه اللوم العلني لسلوك السعوديين. ردت وزارة الخارجية الأميركية حينها على تقرير الصحيفة بسرعة مدعية أن الدبلوماسيين الأمريكيين أثاروا القضية مع نظرائهم السعوديين وطلبوا منهم التحقيق في أعقاب تقرير هيومن رايتس ووتش. علاوة على ذلك، قال متحدث باسم وزارة الخارجية لموقع ميدل إيست آي: “لقد تواصلت الولايات المتحدة مع كبار المسؤولين السعوديين عدة مرات في هذا الشأن على مدار العام الماضي للتعبير عن مخاوفنا بشأن هذه المزاعم، وتستمر في حث السلطات السعودية على إجراء تحقيق شامل”. حثت الولايات المتحدة، كما الاتحاد الأوروبي، السلطات السعودية نفسها على “إجراء تحقيق شامل وشفاف وكذلك الوفاء بالتزاماتها بموجب القانون الدولي”. وفي وقت لاحق، كررت سفيرة الولايات المتحدة لدى مجلس حقوق الإنسان، ميشيل تايلور، هذا الطلب خلال المراجعة الرسمية للمملكة العربية السعودية، في يناير/كانون الثاني 2024. هناك أيضًا إشارات متعددة إلى العنف السعودي على الحدود في تقارير وزارة الخارجية لعام 2023 حول “ممارسات حقوق الإنسان: الجزيرة العربية”. من ناحية دول الاتحاد الأوروبي فكان الصمت سيد الموقف بما يتعلق بإثارة القضية على صعيد المحافل الدولية حيث أنهم وبعد عشرة أيام من صدور تقرير هيومن رايتس ووتش، أشاروا إلى أنهم لن يدعموا “تحقيق مستقل محتمل تدعمه الأمم المتحدة في عمليات القتل الجماعي المزعومة”. على المقلب الآخر زعمت هذه الدول أنها تدعم التحقيق المشترك بين السعودية وإثيوبيا المزمع، لأن “هذه مزاعم خطيرة تحتاج إلى مزيد من التحقيق من أجل ضمان المساءلة”. إلا أن الترحيب بالسعودية للمشاركة في التحقيق في الاتهامات الموجهة ضدهم، مع تاريخهم الحافل بعدم الشفافية وعدم المساءلة، هو دعوة لإجراء تحقيق يفتقر إلى المصداقية. ووفق ما أفادت به MMC، فلم يتم إجراء مثل هذا التحقيق. ومع ذلك، عقدت السعودية والاتحاد الأوروبي حوارهما الثالث بشأن حقوق الإنسان في بروكسل في 28 نوفمبر 2023، حيث أثار الاتحاد الأوروبي مخاوف ركزت على استمرار السعودية في تطبيق عقوبة الإعدام، بما في ذلك الجرائم المتعلقة بالمخدرات والجرائم غير المميتة، أيضًا. مثل أحكام السجن الطويلة المفروضة على نشاط وسائل التواصل الاجتماعي. ولم يتم التطرق إلى المزاعم المتعلقة بعمليات القتل الجماعي للمهاجرين إلا في إطار المناقشات حول ” الاتجار بالبشر” ، ويبدو أنه تم تخفيض تصنيفها إلى ” الحوادث على الحدود السعودية اليمنية “.

/