اليمن وأزمة السفن في البحر الأحمر: قراءة في ما لم تقله البيانات

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 572
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

صنعاء ـ «القدس العربي»: تتكرس يوميًا أزمة الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن والبحر العربي، مع استمرار الحرب الإسرائيلية على غزة، وفي المقابل إصرار الغرب على تجاهل أن الحل يبدأ في غزة وليس في صنعاء، وبالتالي مع إصرار واشنطن وتل أبيب ومعهما أوروبا على استمرار الحرب في غزة تذهب أزمة الملاحة في البحر الأحمر في اتجاه لا يمكن لأحد أن يقرأ مآلاتها، وهي المآلات التي تتجنبها البيانات المتواترة يوميًا.
ما حققته عمليات تحالف «حارس الازدهار» وضربات تحالف واشنطن ولندن في العمق اليمني، وعملية «أسبيدس» التي يقودها التحالف الأوروبي، لا تتجاوز كونها ملأت المياه الدولية هناك بعدد كبير من القطع الحربية متعددة الجنسيات دون تحقيق نتائج يتغير معها مسرح العمليات عما كان عليه قبل استقدام تلك البوارج والقطع.
وربما لن يبقى الزحام العسكري في البحر الأحمر مقتصرًا على بوارج غربية، فالصين تدرك خطورة هذا الأمر مثلما تفهمه جيدًا الهند ومثلهما إيران وقبلهم روسيا، وتحمل الأخبار بين فترة وأخرى رفضًا صينيًا وروسيًا بوضوح لعسكرة المياه الدولية هناك، كما يحمل ذلك الرفض اتهامات مباشرة لواشنطن، وبصوت مرتفع، بينما ما زالت الهند ترمق المشهد من بعيد. وفي المقابل، لم يصل الخلاف في مجلس الأمن إزاء قضية، مثلما هو عليه اليوم إزاء الحرب على غزة.
عودًا على بدء، لم تستطع العمليات الثلاث إعاقة الحوثيين عن تنفيذ هجماتهم، وكما يؤكد مراقبون وخبراء عسكريون فمن الصعب مواجهة عمليات برية بعمليات من البحر، وليس هذا فقط بل إن المواجهات غير متكافئة، فالحوثيون يستخدمون أسلحة تقليدية يديرونها من مناطق جبلية يفهمون جغرافيتها جيدًا، ويجيدون التعامل معها مستفيدين من خبرة ثماني سنوات مع ذات الطائرات والغارات والضربات التي استخدمها التحالف العربي بقيادة السعودية، ويبدو أنهم (أي الحوثيون) يملكون مخزونًا ضخمًا من هذا العتاد البالستي والمجنح بكلفته التي لا تساوي ربع ما ينفقه الأمريكيون والأوربيون في عملياتهم هناك.
وفي المقابل، لم تستطع الأسلحة الذكية لواشنطن ولندن وغيرها تحقيق نتائج ملموسة على الأرض، الأمر الذي يفتح الشهية لأسئلة عديدة أبرزها: إلى أين ستتطور الأمور لاحقًا في حال استمرت الحرب الإسرائيلية على غزة، واستمرت الهجمات في البحر الأحمر؟ سؤالٌ لا يستطيع أحد الإدلاء أو التكهن بإجابته الدقيقة، لأن إجابته ستكون توسيع مسرح عمليات الحرب في المنطقة، وهو ما تتجنبه واشنطن وتدرك دول المنطقة مآلاته على استقرارها، إذ سينقسم الموقف العربي الشعبي- كما سبقت الإشارة- إلى فسطاطين: مع فلسطين أو مع إسرائيل، وهو اختيار لا تريد واشنطن اختبار الموقف الإقليمي الشعبي بواسطته، وبالتالي: هل سيبقى الوضع الراهن على ما هو عليه؟
لمعرفة أوسع فيما يقف خلف كل ذلك ثمة سؤال يتفرع من تلك الأسئلة مفاده: ما علاقة السفن التي يستهدفها الحوثيون بإسرائيل، ولم تحرص واشنطن على نفي علاقة تلك السفن بتل أبيب؟
وكانت جماعة «أنصار الله» (الحوثيون) أعلنت، الإثنين، استهداف سفينة إم إس سي سكاي الإسرائيلية. وفي بيانها الثلاثاء، قالت القيادة المركزية الأمريكية (سنتكوم) إن الحوثيين أطلقوا، الإثنين، صاروخين بالستيين مضادين للسفن من اليمن إلى خليج عدن على سفينة الحاويات إم إس سي سكاي 2، وهي سفينة حاويات مملوكة لسويسرا، وترفع العلم الليبيري، وسقط أحد الصواريخ على السفينة، مما أدى إلى وقوع أضرار، مرجحًا عدم وقوع إصابات، مشيرًا إلى أن السفينة لم تطلب مساعدات، واستمرت في طريقها.
كما قال البيان إن الحوثيين أطلقوا، الإثنين، صاروخًا بالستيًا مضادًا للسفن، من اليمن إلى جنوب البحر الأحمر، وسقط الصاروخ في الماء دون وقوع أضرار أو إصابات للسفن التجارية أو البحرية الأمريكية. وبذلك ينفي البيان الأمريكي ما ذكره بيان الحوثيين أن قواتهم شنت هجومًا بالصواريخ البالستية والطائرات المسيّرة على سفن حربية أمريكية، في سياق حرب البيانات المتواترة.
وفي بيان ثالث، نقلت وكالة رويترز، عن شركة إم إس سي المشغلة لسفينة الحاويات إم إس سي سكاي 2، أنها واصلت رحلتها إلى جيبوتي، الثلاثاء، بعد أن أُصيبت بصاروخ في اليوم السابق قرب مدينة عدن الساحلية باليمن.
وقال بيان الشركة إن سفينة إم إس سي سكاي 2 أُصيبت بصاروخ على بُعد حوالي 85 ميلاً جنوب شرق عدن، و170 ميلاً شرق جنوب مضيق باب المندب، بينما كانت تُبحر من سنغافورة إلى جيبوتي.
وأضاف البيان أن «الصاروخ تسبب في حريق صغير تم إخماده دون إصابة أي من أفراد الطاقم، وهي تواصل حاليًا رحلتها إلى جيبوتي، وستصل اليوم لمزيد من التقييم».
وخلال بحثنا عن علاقة السفينة بإسرائيل، باعتبار أن الحوثيين يستهدفون ما له علاقة، وليس بالضرورة أن تكون الشركة المالكة للسفينة إسرائيلية، استوقفنا تقرير نشرته مجلة مارتيم اكسكيوتيف، أمس، قالت فيه المجلة المتخصصة بمعلومات وأخبار الشؤون البحرية، إن شركة إم إس سي مملوكة ومدارة من قبل عائلة أبونتي، خارج مقرها الرئيسي في سويسرا. وقالت: «ومع ذلك فقد ولد أحد كبار المساهمين في الشركة فيما يُعرف الآن بدولة إسرائيل».
وأشارت المجلة، نقلاً عن بعض المحللين، إلى أن الحوثيين في اليمن قد حددوا هذا الارتباط، ويستهدفون من خلاله سفن شركة إم إس سي بسبب انتمائها.
وذكرت المجلة أنه سبق واستهدف الحوثيون سفن إم إس سي عدة مرات منذ بدء هجماتهم في الخريف الماضي. إذ هاجم الحوثيون سفينة إم إس سي بلاتيوم 3 بصاروخ بالستي في منتصف ديسمبر/ كانون الأول، وتعرضت سفينة إم إس سي يونايتد في 3 للهجوم في البحر الأحمر بعد حوالي عشرة أيام، وتم استهداف سفينة إم إس سي سيلفر 2 الشهر الماضي.
وقالت: «إنه لم يكن أي من هذه الهجمات ناجحة، على الرغم من أن الحوثيين تسببوا في أضرار جسيمة لسفن المالكين الآخرين».
تجنب بيان الجيش الأمريكي وبيان الشركة المالكة للسفينة، الإشارة إلى أن ثمة علاقة لإسرائيل بالسفينة، والتزما المعلومات الرسمية التي نسّبت السفينة، من خلالها، لبلد مقر الإدارة، وهي سويسرا. وبالتالي فإن انتماء أحد ملاك الشركة لإسرائيل لا يُنظر إليه بأهمية، وإن كانوا يعتقدون أنهم لو أشاروا إلى ذلك لأثبتوا صحة ما تضمنه بيان الحوثيين، لهذا حرص البيانان على التعامل مع الهيئة الاعتبارية للشركة المالكة باعتبارها سويسرية، بينما يتعامل الحوثيون مع «السفن المرتبطة بإسرائيل» بأي مستوى من المستويات.
ثمة حلقات مفقودة في قراءة حقائق أزمة مرور السفن في البحر الأحمر، وهي الحلقات التي تتجنبها البيانات، التي يكاد صدورها أن يكون يوميًا من جهات مختلفة بشأن ما تشهده المياه الدولية في هذه المنطقة، ونفهم من هذه الحقائق أن الولايات المتحدة وأوروبا في مأزق حقيقي على صعيد تعاملهم مع أزمة مرور السفن في هذه المنطقة، فلاهم امتلكوا الجرأة وتعاملوا مع المشكلة بدءًا من غزة، ولاهم وضعوا خطة واضحة تتضمن الخطوات اللاحقة والمتوقعة لامتصاص الأزمة، وصولًا إلى ضمان سلاسة مرور السفن، وهو أمر لا يمكن أن تتجاوز معه واشنطن واقع الحال في غزة، بل كأن الولايات المتحدة وأوروبا تواجه موقفًا لم يسبق لهم مواجهته، وهو أن تعاملهم مع التداعيات والتصعيد لا يشتمل على خطة تحدد وسائل التعامل مع كل مرحلة من مراحل التصعيد، وإن كانت الخطة متوفرة، لكن من الصعب تنفيذها حماية لإسرائيل.
لكن لا يمكن القول إن الولايات المتحدة وأوروبا لن تستفيد من الوضع الراهن، إذ أتاح هذا الوضع استقدام قطعهم الحربية إلى منطقة تأكد حاليًا مدى حساسيتها وأهميتها الجيوسياسية، وبالتالي لا يمكن الجزم بأن جميع قطعهم ستغادرها لاحقًا.
مما سبق فأزمة مرور السفن في البحر الأحمر مستمرة، لأن الولايات المتحدة وأوروبا لا تملك خيارات أكثر مما هو متاح لهم حاليًا، أما اليمن فسيبقى الوضع كما هو عليه، إذ ارتبط انفراج أزمته بانفراج الوضع في غزة.