الرياض تستضيف مؤتمر “مبادرة مستقبل الاستثمار” وسط الغاء العشرات من المسؤولين ورؤساء الشركات العالمية الكبرى مشاركتهم على خلفية قضية خاشقجي
الرياض – (أ ف ب) – يبدأ مؤتمر “مبادرة مستقبل الاستثمار” السعودي الثلاثاء في الرياض، بعد أن طغى عليه مقتل الصحافي جمال خاشقجي ما دفع عدد من القادة الدوليين ورجال الأعمال البارزين إلى إلغاء مشاركتهم فيه.
ومن المقرر أن يعقد هذا المؤتمر الذي ينظمه الصندوق السيادي السعودي، بين الثالث والعشرين والخامس والعشرين من تشرين الاول/اكتوبر، وسيكون واجهة لعرض الإصلاحات الاقتصادية التي أطلقها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
وأطلقت عليه وسائل الإعلام اسم “دافوس في الصحراء” تيمّناً بالمنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس.
اختفى الصحافي السعودي خاشقجي المعروف بانتقاداته لسياسة الرياض بعد أن دخل في الثاني من تشرين الاول/اكتوبر القنصلية السعودية في اسطنبول.
وبعد 17 يوما من الإنكار الشديد، أعلنت الرياض فجر السبت، أنّ خاشقجي قُتل في قنصليتها إثر وقوع شجار و”اشتباك بالأيدي” مع عدد من الأشخاص داخلها — دون الكشف عن مصير جثته.
وألغى العشرات من المسؤولين ورؤساء الشركات العالمية الكبرى مشاركتهم في المؤتمر من شركة فورد إلى أوبر.
وأعلنت شركات إعلامية كبرى مثل بلومبيرغ وسي ان ان وفاينانشيال تايمز انسحابها أيضا، بينما أعلنت استراليا السبت انسحاب ممثليها من المؤتمر، مؤكدة أنه “من غير اللائق” المشاركة في المؤتمر بسبب قضية خاشقجي.
وأكد المنظمون السبت ان أكثر من 120 متحدثا سيحضرون المؤتمر، بينما كان هناك أكثر من 150 متحدثا على اللائحة الأسبوع الماضي.
ويسعى الحدث إلى تقديم المملكة المحافظة كوجهة تجارية مربحة، في مسعى لتنويع اقتصادها المرتهن على النفط وتمهيد الطريق لمبادرات جديدة وعقود بمليارات الدولارات.
وتم تنظيم المؤتمر العام الماضي في الرياض في فندق “ريتز كارلتون” الفخم في الرياض، وتم الإشادة بولي العهد محمد بن سلمان كإصلاحي، مع إعلانه عن خطط لمشروع اقتصادي ضخم يدعى “نيوم”.
وتقول مجموعة أوراسيا الاستشارية للمخاطر إن ولي العهد السعودي يواجه ما وصفته ب “أزمة علاقات عامة حادة”.
ولقي الإعلان السعودي السبت حول مقتل خاشقجي تشكيكا من العالم.
ويؤكد الخبير في شؤون الشرق الأوسط مايكل ستيفنز في المعهد الملكي للخدمات المتحدة “شركات اوبر وجي بي مورغان وغيرها في العالم رأت أن كلفة ارتباطها بعلامة محمد بن سلمان أعلى من تكلفة خسارة شريحة من الاقتصاد السعودي”.
– حالة من عدم اليقين –
ويوجد الكثير من الشركات الغربية التي لن تخاطر بالتخلي عن أكبر اقتصاد في العالم العربي، بينما تتحضر العديد منها لإرسال مسؤولين تنفيذيين من مستوى منخفض لتمثيلها في المؤتمر.
ويخطط مصرفيون استثماريون كبار من “اتش اس بي سي” و كريديه سويس لحضور المؤتمر الاقتصادي بعد أن قرر الرؤساء التنفيذيون إلغاء حضورهم، بحسب بلومبيرغ نيوز.
وقال أحد المنظمين أن شركات من الصين وروسيا لم تظهر أي اهتمام بالانسحاب من الحدث.
وعلى الرغم من إعلان مسؤولين كبار مثل وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوتشين ومديرة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد عدم مشاركتهم في المؤتمر، أعلن رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان السبت مشاركته في وقت تواصل باكستان التقرب من الدول “الصديقة” لها سعيا وراء تمويل بمليارات الدولارات لتعويض العجز.
وتبدو مقاطعة الشركات والدول الغربية للمؤتمر مؤشرا على تزايد المخاطر في السعودية التي قد تلقي بظلالها على الاستثمار الأجنبي المباشر في المملكة، والذي قالت الأمم المتحدة إنه انخفض العام الماضي إلى أدنى مستوى له منذ 14 عاما.
وتقول شركة كابيتال ايكونوميكس للأبحاث أنه “رغم الحديث عن الإصلاح، فإن الاستثمار الأجنبي المباشر في السعودية بقي منخفضا وستؤدي فضيحة (خاشقجي) فقط إلى زيادة حالة عدم اليقين لدى المستثمرين”.
وتبدو الموارد المالية للمملكة في الوقت الحالي مدعومة بسبب الارتفاع الأخير في أسعار النفط، والذي تجاوز الآن 80 دولارا للبرميل، وهو ما يؤكد محللون أنه قلل من الحاجة الملحة للحصول على تمويل خارجي.
ويشير ستيفن هيرتوغ، الأستاذ في كلية لندن للاقتصاد أن “المزيد من المشاريع المشكوك فيها مثل نيوم ستجد صعوبة أكبر في جذب المستثمرين، ولكن مشاريع التنويع الأساسية عبر الصناعات الثقيلة ستستمر بلا توقف”.
– “كفى”-
وينتهج ولي العهد الشاب (33 عاما) سياسة القبضة الحديدية في الملفات الرئيسية في المملكة. وشن حملة اعتقالات طالت رموزا دينية وثقافية وحقوقية بالإضافة إلى رجال أعمال بارزين.
وتشارك الرياض في حرب مكلفة في اليمن وتقود “حصارا” دبلوماسيا على قطر ما يثير قلق المستثمرين.
وانخرطت الرياض أيضا في نزاعات دبلوماسية مع ألمانيا وكندا ما هدد العلاقات التجارية.
وتشير سينزيا بيانكو وهي محللة مختصة في شؤون الشرق الأوسط أن “الإلغاءات في دافوس الصحراء من شركات مثل غولدمان ساكس و جي بي مورغان وبلاك روك تذهب أبعد من امور متعلقة بالسمعة”.
وتتابع “الشركات الكبرى تقول لمحمد بن سلمان كفى مع المغامرات وعدم الاستقرار وعدم اليقين”.
بينما يرى غانم نسيبة، مؤسس شركة كورنرستون غلوبال للاستشارات ومقرها لندن والذي دافع عن السعودية في قضية خاشقجي أن الشركات الضخمة الغربية التي تخلت عن السعودية تسببت “بضرر لا يمكن إصلاحه” لمصالحها التجارية الخاصة في المملكة.
ودعا رجال أعمال مؤيدون للسعودية الأسبوع الماضي عبر وسائل التواصل الاجتماعي دول الخليج وحلفاء الرياض لمقاطعة الشركات التي انسحبت من المؤتمر السعودي.
ولم تؤثر هذه الضغوط على رغبة الشركات بالابتعاد عن السعودية في الوقت الحالي.
ويؤكد غريغوري غوس، المتخصص في شؤون السعودية في جامعة أيه أند أم في تكساس “مواصلة التعامل وكأن شيئا لم يكن؟ ليس في المدى القريب”.