قرارات متواضعة أمام حريق هائل
قرارات متواضعة أمام حريق هائل
لم يصدر ولا قرار فيه فعل واحد مشترك، اللهم إلا قرارات استجداء المؤسسات الدولية، لتقوم هي الأخرى بالاحتجاجات الكلامية العاجزة نفسها.
لم يتعلم بعض القادة الدرس من آلام ومصائب أحداث وانتكاسات العشر سنوات الماضية، التي انتكست فيها آمال، وها هي الآمال تعود لتنتكس من جديد.
خلت مقررات القمة من أي فعل سياسي أو اقتصادي أو أمني، ولا حتى رمزي في حقول الثقافة والرياضة، ضد الكيان الصهيوني، أو ضد رأس المساندة، الولايات المتحدة.
بعد القمة العربية والإسلامية المشتركة، يحتاج المرء لطرح السؤال: هل القرارات التي صدرت عن تلك القمة في الرياض صدرت عن أنظمة حكم لدول مالكة لصفات الدول؟
* * *
هناك ثلاث صفات قيمية تحتاج أية دولة لأن تتصف بها، كمظهر للشخصية وكممارسة للأفعال، إبان تعاملها مع الأزمات والأحداث الكبرى، والثلاث صفات متلازمة إلى أبعد الحدود.
الصفة الأولى هي مدى امتلاكها للإرادة السياسية الحرة المستقلة عن أي نوع من الخضوع، أو التدخل من قبل الغير، ولا يحكمها إلا العقل المتزن الذاتي لمجموع مكوناتها، وإلا مصالحها الشرعية والقانونية.
والصفة الثانية هي مدى تفعيلها والاستفادة منها في مواجهة الواقع، وعلى الأخص في التغلب على الملمات الكبرى التي قد تعصف بالدولة أو تهددها.
أما الصفة الثالثة فهي مدى التزامها بمقاييس ومتطلبات الفضائل الأخلاقية والإنسانية الكبرى، لمنع تلك الصفة الأولى من الشطط والمراوغة والعبث الجنوني.
بعد القمة العربية والإسلامية المشتركة منذ بضعة أيام، يحتاج المرء أن يطرح السؤال الآتي: هل إن القرارات التي صدرت عن ذلك الاجتماع في الرياض صدرت عن أنظمة حكم لدول مالكة لتلك الصفات الثلاث؟
أم أن تلك القرارات عبرت عن غياب مفجع لمنظومة تلك الصفات، على الأقل عند الغالبية الساحقة من أنظمة الحكم العربية والإسلامية المجتمعة، التي وصفها الكثيرون بأنها كانت قرارات خطابية بيانية لا قيمة لها عند الخصوم الأعداء، ولن يكون لها أي أثر في الواقع الفلسطيني المأساوي، الذي فرضته بعنجهية استعلائية موجات الهولوكوست التي مارسها عتاة الصهيونية في فلسطين المحتلة، تجاه سكان غزة على الأخص، وذلك بمباركة وإسناد وحماية مريضة من قبل قوى الاستعمار الأمريكي ـ الأوروبي الظالم اللاإنساني؟
لقد خلت المقررات من أي فعل ندّعي أنه سياسي أو اقتصادي أو أمني، ولا حتى رمزي في حقول الثقافة والرياضة، ضد الكيان الصهيوني، أو ضد رأس المساندة، الولايات المتحدة الأمريكية، التي قدمت المال بسخاء وأرسلت أفتك وأحدث الأسلحة بجنون غير معهود.
ومن جانبه قام الكيان الصهيوني بلا ذّرة إحساس أو مسوؤلية إنسانية، بدك آلاف المباني على ساكنيها من الأطفال والنساء والعجزة، واستعمل تلك الأسلحة في تنفيذ إبادة جماعية حركت مشاعر الغضب والاستنكار عند ملايين البشر عبر العالم كله، لكنها لم تحرك مع الأسف في قادة ذلك الاجتماع المشترك إلا الشعور بالعجز والتعبير عنه باحتجاجات لفظية مبهمة.
لم يصدر ولا قرار فيه فعل واحد مشترك، اللهم إلا قرارات استجداء المؤسسات الدولية، لتقوم هي الأخرى بالاحتجاجات الكلامية العاجزة نفسها، التي كانت وما زالت تمليها بصلف الولايات المتحدة الأمري،كية التي تلاعبت بالمؤسسات الدولية طيلة قرن كامل، دون وازع من ضمير.
لا يمكن لأحد أن يفسر ظاهرة أن يرى قادة العرب والمسلمين يومياً مشاهد الدمار الهائل، ويسمعوا أنين أطفال غزة الملطخة وجوههم بدمائهم البريئة، ويشاهدوا الأمهات والآباء يبكون ويتوسلون ربهم بعيون زائغة..
لا يمكن أن يفسر رؤيتهم لكل ذلك، لكنهم بدل أن يفعلوا شيئاً لإيقاف ذلك الجنون وتغييره ومعاقبة مرتكبيه، يصدرون ذلك البيان الخطابي الخالي من أي تصميم على القيام بأي فعل فيه ثورة كرامة أو عزة نفس.
كانت شعوب هذه الدول على سبيل المثال تنتظر قرارات من مثل إعادة سفراء الدول المطبعة من تل أبيب وطرد سفراء الكيان الصهيوني من عواصمهم. كانوا ينتظرون قطع كل أنواع العلاقات السياسية والتجارية والثقافية وإيقاف كل تعاون استخباراتي. كانوا ينتظرون فعلاً واحداً ضد مصالح دول الغرب التي تلاعبت بالكلمات والأقنعة من أجل تسهيل الهجمة على شعب غزة وأنجاحها.
يعلم الله أنه كان بود شعوب الأمتين أن يرحبوا بقرارات القمة، لكنهم مع الأسف وللمرة الألف فضل البعض أن يخذلهم ويدخل اليأس والذلة في نفوس شاباتهم وشبابهم. لم يتعلم بعض القادة الدرس من آلام ومصائب أحداث وانتكاسات العشر سنوات الماضية، التي انتكس فيها الكثير من الآمال، وها هي الآمال تعود لتنتكس من جديد.
*د. علي محمد فخرو وزير بحريني سابق، كاتب قومي عربي
المصدر | الشروق