قمّةُ الرِّياض… هل ينسجمُ الموقفُ مع حجم المجازر؟
د. محمد الحوراني
بعدَ أكثرَ من شهر على المحرقة وحرب الإبادة الجماعيّة التي يتعرّضُ لها أهلُ غزّة، اتُّفِقَ على عقدِ قمّةٍ عربيّة طارئة في العاصمة السعوديّة الرّياض، وسطَ حالةٍ من السخط والغضب في الشارع العربيّ والإسلاميّ، ووسطَ حالةٍ من الاحتقان والغليان في هذا الشارع، لم يقتصرا على الدُّوَلِ العربية والإسلاميّة، بل انعَكسَا تضامُناً من الشعوب الغربيّة والعالميّة مع الشعب الفلسطينيّ، بعدَ إدخالِه واحدةً من أفظع المحارق في التاريخ، وهي المحارقُ التي اعتمدَتْ طريقةَ الأفران المفتوحة، بحيثُ حُوِّلَ قطاعُ غزّة كاملاً إلى أفرانٍ لشواء الشعب الفلسطينيّ وإبادتِه بمُساندةٍ ودعمٍ من الحكومات والأنظمة الغربيّة، وتنديدٍ مُتزايدٍ بهذا الدّعم من المجتمعات الغربيّة التي لم تَعُدْ مُقتنعةً بالرواية الصهيونيّة الغربيّة الرسميّة لحرب الإبادة في غزّة، بل اعتمدَتِ المصادرَ الخاصّةَ بها لمعرفةِ حقيقة ما يجري من قتلٍ وإبادةٍ لأطفال فلسطينَ ونسائها وتدميرٍ مُـمَـنْهَج لكُلِّ ما فيها.
وإذا كانت السُّلطاتُ الغربيّة قد اعتمدَتْ في بداية العُدوان على غزّة سياسةَ القمع والإقصاء والعقاب بحقِّ كُلِّ مَنْ ينتقدُ الجريمةَ الصهيونية بحقِّ الشعب الفلسطينيّ، وكانَ على رأسِ الـمُعاقَبِينَ رسّام الكاريكاتير “ستيف بيل” الذي طُرِدَ من صحيفة “الغارديان” البريطانيّة على خلفيّة رسمٍ حولَ “إسرائيل” عُـدَّ مُعادياً للسامية، فإنّ حجمَ المحرقة وكارثيّتَها جعَلا قِسماً من الـمُثقّفين والإعلاميّين الغربيّين يَضْرِبونَ عرضَ الحائط بالتهديدات التي يُمكِنُ أن تنتظرُهم بسببِ موقفهم الـمُتضامِن معَ الشعب الفلسطينيّ أو الـمُعترض على الدعم الغربيّ للـمُجرمِ القاتل، سواء من خلال الدعم بالمال والسلاح، أم من خلال تقديمِ روايةٍ في وسائل الإعلام الغربيّة تنسجمُ مع الرواية الصهيونيّة أو تتماهى معها.
دفعَ هذا التغييرُ في المزاج الشعبيّ الغربيّ بعضَ المسؤولين الأميركيّين، وَفْقَ ما نَقلَتْهُ صحيفةُ “نيويورك تايمز” الأميركيّة، إلى القول: “إنّ (الجيشَ الإسرائيليّ) يملكُ وقتاً محدوداً لتنفيذ عمليّاتِه الـمُخطّطِ لها في قطاع غزّة”، مُشِيرينَ إلى أنَّ عليه أن يُنفِّذَها قبلَ أن يتمَّ “تقييدُ هدفِه، نظراً إلى تَصاعُد الغضب بين العرب في المنطقة، والإحباط في الولايات الـمُتّحدة ودُوَلٍ أُخرى بسبب ارتفاع عدد الضحايا المدنيّين”.
أمامَ هذه الزحزحة في الموقفِ الشعبيّ والرسميّ الغربيّ، ثمّةَ أسئلةٌ تُلقي بثِقَلِها على الموقفِ الرسميّ العربيّ وعلى الزُّعماء العرب في قمّة الرياض، ولا سيّما معَ تزايُد حجمِ المجازر والاستعجال الصهيونيّ الغربيّ في إفناء الوجود الفلسطينيّ وتصفيتِه في ظلِّ التراخي الرسميّ العربيّ، وهي أسئلةٌ تُدْمي حُلوقَ الشارع العربيّ، وتزيدُ من احتقانه، كما أنها تُسهِمُ في زيادة الفجوة بينَ الشارع العربيّ وأنظمتِه، وهو ما يدعمُ الموقفَ الصهيونيَّ، ويُؤثِّرُ سلباً في العلاقة بينَ الـحُكّام العرب وشُعوبهم في هذه اللحظة التاريخيّة الفارقة، التي تستوجبُ اتّـخاذَ موقفٍ في حجمِ الدَّمِ الفلسطينيّ والوجع العربيّ.
– أيّ موقفٍ سيتّخِذُهُ الزُّعماءُ العربُ الـمُجتمعونَ في الرياض أمامَ حرب الإبادة بحقِّ أطفال فلسطين ونسائها؟
– هل يُدرِكُ الزُّعماءُ العربُ أنّ الخطرَ اليومَ ليسَ على غزّةَ وحدَها، بل على الدُّوَلِ العربيّة جميعها، لأنَّ هذه الحلقةَ من الـمُسلسلِ الصهيونيّ هي حلقةٌ أُخرى خطيرةٌ جدّاً من حلقات تثبيت الكيان الصهيونيّ وتعزيزه، هذا الكيان الهادف إلى القضاء على الهوية العربيّة، إذا ما نجحَ في القضاء على الهوية والوجود الفلسطينِيَّينِ في غزّةَ والضّفةِ والقُدسِ الشَّريف؟
– هل سيستفيدُ القادةُ العربُ في قمّةِ الرياض من الزحزحة في الموقفِ الغربيّ الناتج مِنْ تغيُّر المزاج الشعبيّ، ويُدرِكُونَ خُطورةَ تَرهُّـِل مواقفِهم الرسميّة على الاستقرار في دُوَلِهم؟
– هل تتّـخِذُ القمّةُ الطارئةُ للزُّعماء العرب موقفاً حاسماً بالضغط على الأنظمةِ الغربيّة والكيان الصهيونيّ لوقفٍ فوريٍّ للعُدوان على غزّة، والضغط في اتّـجاهِ إعطاءِ الشعب الفلسطينيّ حُقوقَهُ وتأكيد حقِّه في الـمُقاومة وتقرير المصير وإقامة دولتِه؟
لقد أمعنَ الكيانُ الصهيونيّ في مجازره واستهدافِه الـمدنيّينَ الفلسطينيّين عشيّةَ قمّةِ الرياض الطارئة، ومِنْ ثَمَّ فإنَّ مُـخرَجاتِ القمّةِ يجبُ أن تكونَ في حجم الدَّم والمذابح وأفران الإبادة التي أُدْخِلَ الشعبُ الفلسطينيُّ إليها، كما يجبُ أن تكونَ في حجم الـمخاطر التي تُهدِّدُ أمْنَ الدُّوَلِ العربيّة واستقرارَها ومُستقبلَها.
رئيس اتحاد الكتاب العرب/سورية